القاهرة: كان من المفترض ان تكون محاكمة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك محاكمة تاريخية لديكتاتور قدمه شعبه الى العدالة بعد ان اطاح به لكنها شهدت مواقف أقرب الى الهزلية مع سعي المحامين والادعاء الى استغلال هذا الحدث لكسب الشهرة.
فمنذ بداية محاكمة مبارك (83 عام) في الثالث من آب (أغسطس) تبارى محامو ضحايا الثورة في جذب اهتمام وسائل الاعلام والحصول على فرصة للظهور على شاشات القنوات التلفزيونية التي نقلت وقائع المحاكمة مباشرة.
وبلغ الامر برجل ادعى أنه من المحامين أن أكد لرئيس الجلسة القاضي أحمد رفعت أن مبارك توفي منذ سنوات وان الرجل الممدد على النقالة في قفص الاتهام هو مجرد شبيه له مطالبا بتحليل الحمض النووي. كما استغل اخر فترة تعليق للجلسة لاعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة واعداً بتشريع تعاطي الحشيش وحتى تصديره الى الخارج.
ولكن اكثر ما اثار حنق اهالي ضحايا الثورة التي اطاحت بمبارك قبل عام هي نوعية الادلة التي جمعها الادعاء العام ضد مبارك الذي حكم مصر بقبضة من حديد لثلاثين عاما والنقص الكبير في ملف الاتهام.
ويواجه مبارك مع وزير داخليته حبيب العادلي وستة من معاوني الاخير اتهامات بالامر بقتل المتظاهرين خلال الانتفاضة الشعبية التي استمرت 18 يوما وانتهت باجباره على التنحي في 11 شباط/فبراير 2011.
وقد طالب الادعاء بتوقيع عقوبة الاعدام على المتهمين مؤكدا انه جمع حجج قوية تثبت ادانتهم. ومع ذلك بدا الذهول على المدعيين العامين في قاعة المحكمة وهم يستمعون الى شهود اثبات اتوا بهم وهم يبرئون ساحة مبارك واعوانه من تهم القتل المنسوبة اليهم.
فقد قال احد شهود الادعاء وهو ضابط شرطة انه تلقى اوامر بمعاملة المتظاهرين كأخوة كما قال اخرون انهم تلقوا اوامر بعدم حمل اسلحة قاتلة خلال التصدي للتظاهرات. وفي بداية كل جلسة يحضر مبارك بوجهه الشاحب الذي يبدو عليه الاشمئزاز من الموقف على سرير نقال الى المحكمة المنعقدة مؤقتا في قاعة محاضرات باكاديمية الشرطة التي كانت تحمل اسمه سابقا.
ويشاركه في قفص الاتهام نجلاه علاء وجمال اللذان يواجهان تهما بالفساد. وكان تنحي مبارك واختفاؤه عن الانظار في منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الاحمر قد ارضى في البداية المصريين لكن ذلك لم يدم طويلا. حيث سرعان ما تزايدت التظاهرات التي تدعو الى محاكمته عقب تولي المجلس العسكري ادارة البلاد.
ودفعت اشتباكات بين الجيش والمتظاهرين خلال اعتصام في القاهرة في نيسان (أبريل) الماضي النائب العام الى اصدار امر باستجواب مبارك. وبعد بضعة ايام صدر امر باعتقال الرئيس السابق ونجليه ليتم وضعهم في 13 نيسان/ابريل قيد الحبس الاحتياطي تمهيدا لمحاكمتهم.
وغالبا ما كانت تتزامن كل واحدة من خطوات تقديم مبارك الى المحاكمة مع حركات احتجاجية ضد المؤسسة العسكرية التي تسلق مبارك صفوفها حتى اصبح رئيسا. وفي خضم الاحتجاجات الدامية التي وقعت الاسبوع الماضي ضد المجلس العسكري اعلنت وزارة الداخلية انها بصدد تجهيز مستشفى سجن طرة في وقت قياسي لاستقبال مبارك الذي يقبع حاليا في مركز طبي حديث.
وتسعى السلطة العسكرية بقيادة المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع في حكومة مبارك، الى اثبات عدم حمايتها لمبارك املا في ان تؤدي محاكمته الى وقف سيل الانتقادات الموجهة اليها بالعمل على اعاقة سير العدالة.
في المقابل يقول محامو عائلات ضحايا الثورة ان مبارك قدم الى المحاكمة على عجالة قبل ان تتمكن النيابة العامة من اعداد ملفا قويا لادانته. ومع اقتراب موعد انتهاء المحاكمة يشكل الحكم معضلة للقادة الحاكمين.
ففي حال تمت ادانة مبارك فان محاميه وخبراء قانونين يعتقدون انهم سيتمكنون من استئناف الحكم على اساس قوي كما ان قرار البراءة قد يتسبب في اندلاع حركة احتجاج قوية ضد السلطة العسكرية. ويحاكم مبارك بتهم القتل العمد والاثراء غير المشروع واستغلال النفوذ والإضرار العمدي بأموال الدولة لموافقته على تصدير الغاز لاسرائيل باسعار تقل عن الاسعار في السوق الدولية.
التعليقات