معارضون سوريون في إدلب

تعيش العاصمة السورية حالة من الإنكار، فسكانها يتحدثون عن أحداث الأشهر الأحد عشر الماضية، وكأنها مشكلة بعيدة تنحصر في ضواحي المدينة، لكن عندما يرخي الظلام سدوله على حي برزة وسط العاصمة، تتجمع الحشود بين أسوار المدينة المتداعية للهتاف بسقوط النظام.


لندن: quot;نحن نحب بشار الأسد، نحن نحب الرئيسquot;، كما قالت سيدة مسيحية أم لثلاثة أطفال في إحدى التظاهرات المؤيدة التي كثيرا ما تنبثق وسط دمشق. واضافت quot;انه رجل مستقيم، بل رجل عظيم، الحياة في عهده جيدة، والجميع بخير. فأنا أستطيع أن أرسل أطفالي الى الجامعة مجاناquot;.

وعلى أنغام النشيد الوطني، يعرض التلفزيون الرسمي صورا متتالية عن الهدوء في العاصمة التي لا تهزها إلا جموع الوطنيين يلهجون بحبهم للرئيس.

لكن الواقع ان الثورة السورية وصلت الى دمشق نفسها. وعندما يرخي الظلام سدوله على حي برزة وسط العاصمة، تتجمع حشود من الرجال والنساء والأطفال بين اسوار المدينة المتداعية للهتاف بسقوط النظام. وإذ يسير المتظاهرون بصمت وسرعة، مخترقين الأزقة الضيقة فانهم يمرون برجال ملثمين يقبضون على كلاشنكوفات، متمركزين على مداخل الساحة العامة. انهم افراد الجيش السوري الحر يوفرون الحماية للمتظاهرين.

وكانت هذه الاحتجاجات ظلت طيلة الأشهر الماضية احتجاجات خاطفة لا تستمر إلا دقائق أو تفرقها قوى الأمن بالعنف. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن سوريين من اهالي المنطقة ان أكثر من 30 شخصا قُتلوا برصاص قوى النظام. ولكن التجمعات تزداد ثقة وتحديا الآن بعدما أصبحت محروسة بقواها المسلحة.

وقالت إسراء وهي صيدلانية مسلمة تهتف بسقوط النظام منذ نيسان/ابريل الماضي quot;الآن لدينا مقاتلونا الذين يحموننا، والنظام يعرف ذلك ولا يجرؤ على المجيءquot;. وأضافت لمراسل الديلي تلغراف quot;نحن بأمان وإذا أراد النظام أن يأتي فعليه أن يأتي بالدبابات والجنودquot;.

وعلى قرع الطبول، أدى الحشد رقصات وأغاني تمرنوا عليها خلال الانتفاضة المستمرة منذ 11 شهرا. وكان المتظاهرون يلوّحون بعلم الثورة واثبين في الهواء وهم يهتفون quot;الموت لبشار، الموت للحمارquot;. وكان رجال بسترات فسفورية صفراء يغطون وجوههم ليكون من المتعذر التعرف إليهم في الصور، يقومون بدور المعتمدين الذين ينظمون التظاهرة، وصبي لا يزيد عمره على 12 سنة يقود الحشد من على منصة.

وكانت الشعارات خليطا من الابتهالات التضامنية مع quot;الأخوةquot; الذين يتعرضون للقصف في مدن أخرى، وصيحات غضب على النظام ودعوات لتذكر الشهداء الذين سقطوا الشهر الماضي، تعبيرا عن السخط الذي يغلي في النفوس بعد اشهر من العنف.

وقالت الصيدلانية اسراء بصوت عال لإسماع نفسها وسط هتافات المحتجين quot;ان ابن هذه السيدة مات هنا، في هذه الاحتجاجات. صاح مناديا الشرطة quot;لماذا تقتلوننا؟ ارجوكم ان تتوقفواquot; فقتلوه رميا بالرصاصquot;.

واضافت اسراء quot;انهم قتلوا والد هذا الصبيquot; ماسكة بكتفي صبيا في الثانية عشرة قالت انه quot;يأتي الى هنا كل يوم للمطالبة بالحرية والثأر لوالدهquot;. وكانت الأعلى صوتا هتافات بالاتكال على الهح اولا وعلى الجيش السوري الحر. وكان المسلحون يراقبون بصمت من الأسطح.

ولكن براءة الاحتجاجات السلمية بدأت تخلي الطريق امام شكل مشؤوم من اشكال العمل. فان شوارع حي برزة تعج بمخبرين يعملون للمعارضة. ويقف على الأرصفة شبان يتنصتون على الأحاديث، ويراقبون حركات السكان عازمين على استئصال quot;الجواسيسquot;، والمقصود بالجواسيس اشخاص يبلغون على نشاطات المعارضة أو في بعض الحالات مؤيديون للرئيس.

واعترف ناشطون في حي برزة لمراسل صحيفة الديلي تلغراف أن ثمانية اشخاص تعرضوا للاغتيال في المنطقة خلال الأشهر الماضية ولكن الأرجح ان يكون الرقم اعلى من ذلك. واولئك الذين لا يُقتلون يُجبرون على مسايرة المعارضة بالاكراه. وكانت هناك علامة X مرشوشة على واجهات متاجر في الحي. وقالت اسراء quot;اننا نفعل ذلك مع الذين لا يغلقون متاجرهم حين ندعو الى اضراب. وهو تحذير بأن عليهم ان ينضموا اليناquot;.

وحي برزة ليس وحده جيب التحدي للنظام وسط دمشق بل يقول ناشطون إن عملية تسليح تجري سرا في انحاء العاصمة. وقالت هناء وهي ناشطة أخرى ان بشار الأسد quot;يقتلنا. انه مجرم. في السابق لم نكن نريد ان نقتل احدا، وما كنا نريد استخدام السلاح، ولكننا الآن لا نرى طريقا آخرquot;.

وقالت زوجة رجل اعمال سني quot;انهم لا يريدون ان نعيش بحرية. يعتقدون ان المسألة تتعلق بالمال، وهي ليست كذلك بل انها مسألة كرامةquot; في اشارة الى الطائفة العلوية.

ولدى السؤال عن موقع الطائفة العلوية في المجتمع بعد سقوط النظام كان العديد من الناشطين يهزون اكتافهم بمعنى انهم لم يفكروا في الأمر. واكتفى معارض سني بالقول quot;نحن سنكون الأغلبيةquot;. وقال ناشط سني آخر quot;ان جميع من قَتلوا يجب ان يُقتلواquot;.

وبعد ان عمل هذا الناشط مع منظمة تعمل من اجل الديمقراطية والحرية، ظل فترة طويلة يتكلم بلغة السلام ولكن مشهد اصدقاء يتعرضون للقتل أو الضرب أو اقرباء يتعرضون للاعتقال تكفَّل بقلب المنطق الى انفعال ملتهب.

وما زال كثير من ناشطي المعارضة ملتزمين بالحيلولة دون انزلاق النزاع الى حرب طائفية ولكنهم يقرون بأن النزاع قد يصبح حربا كهذه. وإزاء هذا المنحى الذي تتخذه المعركة، فان القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع بين سائر الفرقاء هو الاقتناع بأن الطريق الممتد امامهم سيكون على الأرجح طريقا محفوفا بالدماء.

وتحدث صحافي سني في سوريا عن مخاوفه لصحيفة الديلي تلغراف قائلا quot;نحن عائلة مسلمة معتدلة، ولدينا العديد من الأصدقاء العلويين. ولكن شقيقي يأتي الآن من الاحتجاجات وهو يتحدث عن quot;العلويين القذرينquot;. فتصور كيف يشعر من فقدوا اعزاء في هذه الحربquot;.

واضاف الصحافي المحلي انه عندما يرى المرء على يوتيوب اشرطة فيديو عن التعذيب والاعتقالات ودهم البيوت يلاحظ ان المرتكبين دائما يتكلمون بلكنة علوية. quot;وعندما يسمع المحتجون هذه اللكنة فانهم يربطونها بعمل قذرquot;. وتابع quot;ان اصدقائي العلويين خائفون. في البداية كانوا خائفين من فقدان موقعهم في المجتمع وهم الآن خائفون على حياتهمquot;.

وفي الأحياء العلوية والمسيحية من المدينة، لا تقل كراهية المعارضة ضراوة. وبصقت سيدة علوية عندما كان التلفزيون الرسمي يعرض صور quot;ارهابيينquot; يهاجمون بلدها قائلة quot;أكره هؤلاء الكلاب، هناك كلاب كثيرة في الضواحي ورئيسنا لن يستسلم لهم ابداquot;.

وفيما تغرق دمشق في الظلام بسبب انقطاع الكهرباء وتعاني المصالح وطأة العقوبات وتصعد القوى الغربية خطابيتها ضد الرئيس الأسد فان الأقليات التي تعيش في المدينة تعيش في خوف متزايد. ويشعر المسيحيون الذين أيّدوا النظام لضمان الحماية والحقوق يشعرون ان وضعهم مهدد الآن، وان مصيرهم بات مرهونا ببقاء النظام.

وقال رجل الاعمال الميسور آدم quot;نحن كلنا خائفون. فان تفجيرات حدثت في العاصمة من تنفيذ القاعدة، وأسمع اطلاق النار في الحي الذي اسكنه. انا في الأربعين من العمر ولم أر شيئا كهذا من قبلquot;.

وتابع رجل الاعمال المسيحي قائلا quot;ان هؤلاء العرب يفكرون بقلوبهم وهم لا يدركون واقع الحرب. ان سوريا ليست ليبيا، فنحن لدينا جيش ضخم. وسيموت مليونان أو ثلاثة ملايين، ومن أجل ماذا؟ من اجل تغيير الحكم؟ هل يستحق ذلك هذا الثمنquot;.