بينما تسيطر أجواء التوتر على العلاقات بين مصر وأميركا، على خلفية قضية المنظمات الأهلية، رأى خبراء سياسيون ودبلوماسيون أن التوتر بين الدولتين لن يدوم ولن يصل إلى حدّ القطيعة أو الأزمة المستعصية، وأكدوا أن العلاقات بين مصر وأميركا عميقة وقائمة على المصالح الإستراتيجية المتبادلة.


المشير طنطاوي مستقبلاً رئيس الأركان الأميركي

القاهرة: لفت الخبراء إلى أن أميركا تنظر إلى مصر باعتبارها أكبر حليف لها في الشرق الأوسط، ولن تضحّي بالعلاقات القوية معها، وتوقعوا الخروج من الأزمة قريباً، لاسيما أن لغة الخطاب السياسي والإعلامي بين الجانبين بدت أقل حدة طوال الأيام القليلة الماضية، وتجلى حرص أميركا على علاقاتها مع مصر بزيارات كبار القادة الأميركيين للقاهرة، ومنهم: وزير الدفاع ورئيس الأركان، وجون ماكين السيناتور في الكونغرس.

ووفقاً للسفير حسين عبد الفتاح القنصل المصري السابق لدى أميركا، فإن الأزمة بين أميركا ومصر أعمق من قضيةتمويل منظمات المجتمع المدني، مشيراً إلى أنها تتعلق بالمرحلة الراهنة في مصر ودول الربيع العربي ككل.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن أميركا حريصة على استمرار العلاقة مع مصر، ولكن بمعطيات وأدوات النظام السابق نفسها، في حين ترى مصر أن المرحلة قد تغيرت، ولم يعد للعلاقة القائمة على تنفيذ الإستراتيجية الأميركية في المنطقة بغضّ النظر عن المصلحة المصرية والعربية، مكان في الظرف الراهن.

ولفت إلى أن مصر تسعى إلى الإستقلال في القرار السياسي في ما يخص مصالحها الداخلية والخارجية، معتبراً أن هذا هو السبب الرئيس في الصدام بينهما.

وأشار إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تؤكد أهمية الحفاظ على علاقات مميزة واستراتيجية مع مصر، رغم قضية التمويل الأجنبي، فيما يصرّ الكونغرس على التصعيد، متوقعاً نجاح أوباما في احتواء أعضاء الكونغرس، لاسيما بعد تأكيد مجلس الأمن القومي والمخابرات وجهاز المحاسبات الأميركيين على أن فوائد المعونة العسكرية لمصر بالنسبة إلى أميركا أكبر من قيمتها بكثير. وأشار إلى أن لغة خطاب كبار القادة والساسة الأميركيين تغيرت وصارت أقل حدة في ما يخص مصر أو قطع المعونة، ما ينبئ بأن الأمور تسير في اتجاه الحل، وليس التعقيد.

بدوره يؤكد اللواء عادل فؤاد الخبير الإستراتيجي أن الأزمة الحقيقية في العلاقات بين مصر وأميركا بدأت منذ اللحظة التي فشلت فيها واشنطن في إنقاذ نظام مبارك من الإنهيار.

وأوضح لـquot;إيلافquot; أن أميركا بعد انهيار ذلك النظام، الذي كان حليفاً لها ولإسرائيل، بدأت فوراً توجيه كل طاقتها من أجل إجهاض الثورة، أو توجيهها إلى خدمة مصالحها ومصالح إسرائيل، من خلال ترويض الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، بالتزامن مع مخطط لنشر الفوضى في البلاد، مستغلة أجواء الإضرابات والتناحر السياسي ورغبة جميع الأطراف في مصر، سواء سياسية أو فئوية، في الحصول على جزء من الكعكة.

ولفت إلى أن أميركا وإسرائيل فشلتا في خلق حالة كبيرة من الفوضى الشاملة والمستمرة في مصر، فلجأت فوراً إلى سيناريو بديل، يتمثل بترويض القوى السياسية، بحيث تعمل لمصالحها.

وأشار فؤادإلى أن هذه المعلومات علمت بها السلطة القائمة في مصر حالياً، وحذرت منها كثيراً، لكن كانت دائمًا أميركا تزرع في نفوس القيادات السياسية والثورية حالة من الشك والريبة من جانبها ضد هذه السلطة، ممثلة بالمجلس العسكري، وكانت تلك الحالة من الشك وعدم الثقة تنمو بسرعة في مصر، بل كانت تنمو بين جميع التيارات تجاه بعضهاالبعض، بل وأحياناً داخل الفصيل السياسي الواحد.

وأضاف أن مصر لم يكن أمامها سوى الردّ بقوة على ذلك المخطط، لاسيما أن دائرة العنف كانت تتسع في كل مرة، بالتزامن مع ضيق الفجوة الزمنية بين كل حدث وآخر، حتى باتت هناك أحداث عنف واسعة كل شهر على الأكثر. ونبه إلى أن قوة رد الفعل المصري كانت نابعة من الخطر الذي سببته تلك المخططات لمصر، متوقعاً في الوقت نفسه ألا تؤثر تلك القضية بشكل كبيرفيالعلاقات بين البلدين، لاسيما أن أميركا وعت الدرس جيداً، وتعلم أن الشعب المصري لن يقبل أبداً المقايضة على أمنه واستقلال قراره السياسي.

ويدعم ما ورد في التحقيقات على لسان الدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي ما ذهب إليه فؤاد.

وقالت أبو النجا في التحقيقاتإن أحداث ثورة 25quot; ينايرquot; جاءت مفاجئة للولايات المتحدة، وخرجت عن سيطرتها، لتحولها إلى ثورة للشعب المصري بأسرهquot;. مشيرة إلى أنهاقررت في حينه العمل بكل ما لديها من إمكانيات وأدوات لاحتواء الموقف وتوجيهه في الاتجاه الذي يحقق المصلحة الأميركية والإسرائيلية أيضًاquot;.

وأوضحت أن quot;أميركا أو إسرائيل تعذر عليهما خلق حالة الفوضى والعمل على استمرارها في مصر بشكل مباشر، ومن ثم استخدمت التمويل المباشر للمنظمات، خاصة الأميركية منها، كوسائل لتنفيذ تلك الأهدافquot;.

وأكدت أبو النجا أنكل الشواهد كانت تدل على رغبة واضحة وإصرار لدى أميركا على إجهاض أي فرصة لكي تنهض مصر كدولة حديثة ديمقراطية ذات اقتصاد قوي، معتبرة أن نهوض مصر يمثل أكبر تهديد للمصالح الإسرائيلية والأميركية في المنطقة.

وكشفت أبو النجا أن الهدف من وراء الخطة كانخلق حالة من الفوضى، تتمكن من خلالها القوة المناوئة لمصر، دولية كانت أو إقليمية، من إعادة ترتيب أوراقها في التعامل مع التطورات بعد quot;ثورة ينايرquot;.

ويرى اللواء أحمد عبد الحليم الخبير الإستراتيجي أن العلاقات بين مصر وأميركا قوية وعميقة.

وأضاف لـquot;إيلافquot; أن تلك العلاقات قائمة بالأساس على المصالح والإحترام المتبادل، وتوقع عبد الحليم ألا تؤثر قضية التمويل الأجنبيفي تلك العلاقات بشكل يخلق حالة من العداء، مثل العلاقة بين إيران وأميركا مثلاً، وأكد أن أميركا تدرك جيداً طبيعة المرحلة الحالية في مصر، وأن مصر بعد الثورة ليست تلك الدولة التي كانت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وأنه صار للرأي العام المصري دور واضح في صناعة القرار السياسي. ورأى أن العلاقات بين الجانبين تعانيضبابية، لأنهما لم يمرّا بهذه المرحلة التاريخية من قبل.

وأوضح أن ما يهمّ أميركا في العلاقات مع مصر ثلاثة أمور هي: الحفاظ على إتفاقية كامب ديفيد، وضمان استمرار حرية الملاحة الدولية في قناة السويس، وضمان أن يستمر تسليح الجيش المصري أميركياً بالأساس، مشيراً إلى أن هذه مسلمات في العلاقة بين الدولتين، وجميع القوى السياسية بعد الثورة أعلنت عن احترامها تلك الأمور، لاسيما اتفاقية كامب ديفيد وقناة السويس.

من جانبه، يقلل الدكتور جهاد عودة أستاذ العلاقات الدولية في جامعة حلوان من إمكانية قطع أميركا للمعونة العسكرية عن مصر.

وصرح لـquot;إيلافquot; أن أميركا تريد الحفاظ على مصر قوية، لأنها أكبر حليف إستراتيجي لها في الشرق الأوسط بعد إسرائيل، ولفت إلى أنه في حالة إقدام الولايات المتحدة على تلك الخطة، فإنها ستكون حوّلت مصر من حليف إلى عدو أو على الأقل سوف تشهد العلاقات توتراً أكبر، وهي في حاجة إلى علاقات جيدة مع مصر، خاصة في المواجهات المحتملة مع إيران أو محاولة إسقاط النظام السوري، وإمكانية حدوث توترات على الحدود مع إسرائيل على الجانب السوري.

وتوقع أن يتم البحث عن حلول مرضية للطرفين في أزمة التمويل الأجنبي، بحيث تحقق مصر بعض المكاسب، ويتم الإفراج عن المتهمين بشكل يحفظ لمصر كرامتها وسيادتها.