أشرف أبوجلالة من القاهرة: في الوقت الذي لا تزال فيه أجواء الثورة الدموية تتواصل على نحو متزايد في أنحاء سوريا كافة، فإن مدينة السويداء (التي تعتبر معقلاً للدروز) لا تزال هادئة على نحو مخيف.
وبينما يتم تنظيم العشرات من التظاهرات كل أسبوع في باقي المحافظات جنباً إلى جنب مع المواجهات المميتة، التي تتم بين قوات الأمن وبين قوات المعارضة المسلحة على نحو متزايد، فإن المظاهرات تكاد تكون نادرة في السويداء، التي تقع على بعد 100 كلم جنوب دمشق، وإنها حين تحدث، فإنها عادةً ما تكون محدودة النطاق.
يعتبر الدروز، الذين يقدر عددهم بـ 500 ألف، ويتمركزون في منطقة الجبال الصخرية في جبل العرب، من بين أصغر جماعات الأقلية في سوريا، وهم أقل من حيث العدد من العلويين والأكراد والمسيحيين. غير أن السمعة التي يحظون بها في ما يتعلق بالتمرّد على السلطة المركزية والتمتع بنفوذ في الحياة السياسية السورية لا تتناسب مع أعدادهم، وهو ما جعل الرئيس بشار الأسد وخصومه يسعون إلى الحصول على دعمهم.
لفتت في هذا السياق اليوم صحيفة quot;ذا ناشيونالquot; الإماراتية، التي تصدر باللغة الإنكليزية، إلى أن الشخصيات السياسية والناشطة من الدروز تلعب درواً بارزاً في الانتفاضة، باعتبارهم أعضاء في أبرز جبهتين للمعارضة السياسية في البلاد، وهما: المجلس الوطني السوري ولجان التنسيق الوطنية. كما لعب المنشقون الدروز دوراً محورياً في قيادة التظاهرات المناهضة للحكومة. مع هذا، مازال ينظر للسويداء باعتبارها معقلاً لدعم ضمني على الأقل لنظام الأسد، بعد 11 شهراً على الانتفاضة الشعبية.
ومضت الصحيفة تنقل عن أحد الناشطين الدروز من السويداء، قوله: quot;حين يتعلق الأمر بتنظيم تظاهرات كبرى، فإننا نفشل. والانتفاضة مقتصرة هنا على المفكرين. ونحن لم ننجح تماماً في توسيع نطاقها لتوصيلها إلى قطاع أكبر من الناسquot;.
وأشار ناشطون ومحللون ودروز سوريون محسوبون على كلا جانبي الانقسام السياسي إلى أن الصمت الذي يخيّم على السويداء ناجم من عوامل عدة، بدءًا من وجود مشكلات عملية دنيوية، وانتهاءً بالمخاوف التي تساور جماعة أقلية منذ مدة طويلة من احتمالية أن تحكم البلاد الغالبية السنية المسلمة.
وأعقبت الصحيفة بقولها إن تجمع الناس في مكان واحد كان بمثابة التحدي اللوجيستي المستمر بالنسبة إلى الدروز المنتمين إلى المعارضة الذين يحاولون تنظيم مسيرات في شوارع مدينة السويداء.
وقال متظاهر من المدينة: quot;لا يوجد مكان يمكننا أن نتجمع فيه بصورة قانونية بأعداد كبيرة. فقوات الأمن تتعامل عادةً مع أي محاولة للتجمع قبل أن تتزايد الأعداد، ويمكنها أن توقفنا فرادى وثنائيات ونحن في طريقنا نحو التظاهر، لأن ذلك يكون أسهل بالنسبة إليها من أن توقفنا ونحن بالمئات والآلاف في تظاهرة نشارك فيها بالفعلquot;.
ثم تحدثت الصحيفة عن نقص أعداد الشبان في المدينة، ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و35 عاماً، وهم نواة الانتفاضة في أماكن أخرى في البلاد، حيث يحرصون على ترك المدينة هرباً من البطالة وانعدام الفرص. ومن يتبقى منهم هناك، يتجه إلى الانضمام إلى الميليشيا الموالية للنظام، وهي ما تعرف باسم quot;الشبيحةquot;، كما يسارع السكان الموالون للنظام إلى إبلاغ السلطات، إذا شاهدوا ثمة شيء يشكل بداية تظاهرة.
وأعقبت الصحيفة بلفتها إلى أن هناك تخوفين رئيسين يهيمنان على الأفق السياسي بالنسبة إلى الدروز هما: التطرف الإسلامي والعنف الذي سيصاحب أي تمرد. ورغم مشاعر الإحباط التي تهيمن على السكان في السويداء، إلا أنها ليست كافية لدفعهم من أجل الخروج إلى الشارع للتظاهر. وتحدث أحد أنصار الأسد، وهو في العشرينات من عمره ومن أسرة درزية ثرية نسبياً، بقوله: quot;هناك مخاوف حقيقية من الاضطهاد الديني. وتلك الانتفاضة بدأت كأزمة سياسية، لكنها الآن أزمة طائفيةquot;.
كما رفض قادة الدروز الدينيون أن يقفوا إلى جوار المتظاهرين، وفضّلوا الوقوف مع الأسد، وحذروا مثله، من وجود quot;مؤامرة أجنبيةquot;. ولم تقتل قوات الأمن أي متظاهرين في السويداء، وهو ما أرجعه ناشطون إلى أن ذلك جزء من جهد متعمد لتجنب أي أفعال قد تتسبب في حدوث ثورة هناك.
فيما أشار متظاهرون معتقلون إلى أنهم تلقوا معاملة أفضل داخل السجن وأثناء التحقيقات مقارنةً بمتظاهرين سنّة معتقلين. وشددت الصحيفة كذلك على أن الاستخدام المتزايد للعنف من جانب المعارضة عمل أيضاً ضد الجهود التي كانت ترمي إلى دفع مزيد من الدروز إلى دعم الانتفاضة.
وقالت الصحيفة إن سلسلة الاعتقالات التي تمت أخيرًا في السويداء، بما في ذلك اعتقال الناشط الدرزي البارز ضياء العبد الله، الذي أطلق سراحه خلال الآونة الأخيرة، بعد شهور قضاها في السجن، قد عززت من الأقاويل، التي تتحدث عن أن السلطات السورية تصارع من أجل منع حدوث تمرد على نطاق أوسع في منطقة جبل العرب.
وتابعت الصحيفة بنقلها عن أحد الناشطين في السويداء، قوله quot;العائلات هنا أبية للغاية، ودماؤها ساخنة، لذا حين تنضم جماعة ما إلى التظاهرات، لا يرغب الآخرون في أن يتخلفوا، أو أن يتم وصفهم بالجبناء، ولذلك يمكن حشد الزخم بسرعة. وقد رأينا أن الحالة العامة بدأت تتغير بالفعل. وبدأ يتحدث الناس بصراحة، وبدأ ينفد صبرهم مع الشبيحةquot;.
التعليقات