دمشق: يرى بيتر هارلينغ مدير برنامج سوريا العراق لبنان في مجموعة الأزمات الدولية، وهو واحد من الخبراء الأجانب القلائل الذي زار سوريا بعد اندلاع الاحداث الاخيرة فيها، ان اي حل سياسي في هذا البلد يمر عبر quot;فترة انتقالية يتم التفاوض بشأنهاquot; وعبر quot;مصالحة وطنيةquot;.
وقال هارلينغ إن الفيتو المزدوج قدم للنظام فرصة لتشديد قمعه، وهذا ما كان يطالب به أنصاره. فقد كانوا يأخذون عليه انتهاج سياسة quot;تحفظquot; في مواجهة معارضة، يعتبرون انها تقود البلاد الى الكارثة عبر الإصرار على قلب نظام لن يتراجع. الا انه لا توجد اي فرصة على الاطلاق لنجاح هذا العنف المتصاعد. هناك قسم كبير جدًا من المجتمع بات معبأ، والنظام يتعاطى معه كأنه جيش احتلال، فيعامله السكان على هذا الاساس، كما ان هذا النظام يزداد ضعفا.
وأكد ان تفاقم العنف سيزيد من عدد القتلى، وسيدفع المعارضة الى التشدد، وسيزيد من الشرخ بين اطياف المجتمع، اي بين الذين يعانون والذين ينفذون هذا القمع الاعمى، كما سيفتح الباب واسعا امام التدخلات الخارجية.
واشار إلى أن النظام منذ بدء الأزمة يرفض مبادئ عدة من دونها لا يمكن ان يكون هناك حل سياسي. فهو لا يتسامح مع افساح المجال امام المتظاهرين السلميين للتعبير عن رأيهم بحرية، ويسعى الى استيعابهم وتجزئتهم وتشويه صورتهم خوفا من ان يؤكدوا وجود حركة شعبية واسعة، الامر الذي لا يزال النظام حتى اليوم يرفضه مع انصاره وحلفائه.
وقال ان رؤية النظام اليوم تقتصر على تشكيل حكومة بـquot;مشاركة موسعةquot; وعلى quot;طرح الحوارquot;. وكل ما يقدمه النظام يقتصر على عرض صيغة معدلة للدستور على استفتاء، مع العلم أنه من المستحيل تنظيم اي اقتراع في سوريا في الوقت الحاضر، ومن المستحيل إعادة احياء هيمنة حزب واحد اصلاً كان يحتضر، ومن المستحيل ايضًا تقديم وعود بحياة ديموقراطية عندما يعلم الجميع أكانوا من المعارضين ام من الموالين ان النظام سيسحق بلا رأفة اي مقاومة في حال تجاوز هذه الأزمة. عمليًا، يرى أنه لا يمكن ان يكون هناك حل سياسي الا حول مفهومين: مرحلة انتقالية يتم التفاوض في شأنها ومصالحة وطنية.
في المقابل لفت إلى ان المعارضة في المنفى تعارض تمامًا اي تنازل وتدعو الى quot;تدخل خارجيquot; لا تحدده، وتبدو مستعدة لقول كل ما يريد اعداء النظام سماعه للحصول على دعمهم. وهي منقسمة وتبدو غير قادرة على وضع برنامج خوفا من ان تتفكك. وهي لم تحقق اي تقدم ملموس على مستوى اي بند سياسي: ما هي الالية التي تقترحها لاطلاق مرحلة انتقالية؟ كيف ستعمل لطمأنة مكونات المجتمع التي تخشى الفوضى؟ كيف ستدير الاستقطاب الذي سينتج من هذه الازمة؟ هناك الف سؤال وسؤال لا تزال من دون اجوبة.
وتابع quot;في حال سقوط النظام يمكن ان تعمد المعارضة في المنفى، امام الفراغ السياسي الناتج من هذا السقوط، الى العمل على اساس منطق تقاسم عرقي طائفي للصلاحيات. في المقابل، فان آمالا كبيرة معلقة على المجتمع السوري نفسه الذي عرف ما يشبه النهضة بسبب هذه الازمة: فهناك على الارض نوع من النضج والوعي والاحساس بالمسؤولية اتاح حتى الان استيعاب كل العناصر الاكثر مذهبية واصولية او عنفا داخل الحركة الاحتجاجية. ولكن مما لا شك فيه ان العسكرة قد تقلب المعادلة. الا ان المجتمع السوري اثار كثيرا اعجابنا خلال الاشهر القليلة الماضية. ونأمل بان يواصل ذلك.
التعليقات