عنصر من الجيش السوري الحر

يستبعد الكثير من الأطراف أن ينجح الرئيس السوري بشار الأسد في إنهاء الثورة التي تشهدها بلاده بالقوة العسكرية، رغم الموت والدمار الذي خلفته قواته في أنحاء مختلفة من سوريا، لكن التوقعات تشير إلى أن الأسد قد ينجح في النهاية في فرض معادلة وسطية للتوصل إلى حل.


رغم الموت والدمار، الذي تجابه به قوات الرئيس السوري بشار الأسد المعارضة، فإنه من المستبعد أن ينجح في سحق الانتفاضة المستمرة منذ عام.كما إن الإدانات الدولية لحملة البطش وسعة الانتفاضة التي شهدت السوريين يحملون السلاح ويقاتلون حتى الموت تجعل من المستبعد بصورة متزايدة أن يتمكن الأسد من إعادة الوضع السابق بالقوة العسكرية.

لكن حتى إذا لم يتمكن الأسد من الانتصار على خصومه، فإنه إذ يستطلع ساحة المعركة الوطنية والدولية التي خلقها، قد يجد سببًا للاعتقاد بأنه يستطيع رغم ذلك أن يقاتل حتى الوصول إلى حالة من التعادل وسط الخراب.والفارق بين التعادل والهزيمة يتمثل عند الأسد في أنه سيكون جالسًا إلى الطاولة حين يجري التفاوض بشأن التوصل إلى حل للنزاع.

وكان الاتحاد الأوروبي أعلن يوم الاثنين عن فرض عقوبات جديدة ضد نظام الأسد دعمًا للمطالبة بإنهاء حملته على معاقل المعارضة وقبول خطة الجامعة العربية، التي تدعو إلى تنحّيه.

لكن إجراءات الاتحاد الأوروبي تعتبر بالأساس تشديدًا تدريجيًا لعقوبات فرضها سابقًا. كما أكد مؤتمر أصدقاء سوريا، الذي عُقد في تونس يوم الجمعة الماضي، أنه في الوقت الذي تتفق الدول الغربية والعربية على ضرورة تنحّي الأسد، وقبل ذلك وقف حملاتهعلى مناطق الثوار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، فإن هناك اتفاقًا محدودًا على اعتماد استراتيجيات جديدة لتحقيق هذه الأهداف.

فالقوى الغربية انسدت شهيتها إلى التدخل العسكري المباشر، لا بسبب الإنهاك بعد مثل هذا التدخل في العراق وأفغانستان وليبيا فحسب، بل لأن المصالح الطائفية والسياسية الإقليمية في النزاع السوري تهدد بإشاعة فوضى في عموم المنطقة، كما أفادت مجلة تايم، مشيرة إلى أن تأييد التدخل العسكري المباشر يبدو غائبًا، حتى إذا كانت القوات المتدخلة ليست قوات غربية.وكانت قطر أخفقت في جهودها لإقناع أصدقاء سوريا بدعم تشكيل قوة عربية تدخل سوريا لفتح ممرات إنسانية إلى المدن المحاصرة.

واقتنعت قطر في النهاية بوجهة النظر السعودية القائلة إن تسليح الثوار السوريين quot;فكرة ممتازةquot;، كما وصفها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.وتعزز الدعوات الخليجية الصريحة إلى تزويد المنتفضين بالسلاح الشكوك بأن دولاً خليجية تفعل ذلك أصلاً.

وقد تكون هناك حتى معدات غير فتاكة ترسلها قوى غربية، بينها أجهزة اتصالات، إلى قوى المعارضة.ولكن السعوديين، الذين أفادت أنباء بأنهم انسحبوا من مؤتمر أصدقاء سوريا غضبًا على quot;عدم فاعليتهquot;، لم يتمكنوا من إقناع المؤتمر حتى بدعم فكرة تسليح المعارضة،بحسب مجلة تايم.

والمؤكد أن الولايات المتحدة تبقى متحفظة إزاء المقترح الداعي إلى إرسال أسلحة إلى المعارضة.

وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مقابلة مع شبكة سي بي أس إن الولايات المتحدة لا تعرف من سيتلقى السلاح، في إشارة إلى هلامية المعارضة، وحقيقة أن بعض عناصرها يناصبون أهداف السياسة الخارجية الأميركية العداء،وأكدت كلينتون أن المعارضة السورية تحظى بدعم تنظيم القاعدة وحركة حماس، متسائلة مَنْ ستدعم الولايات المتحدة إذا قدمت السلاح.

وتابعت كلينتون قائلة إنه quot;رغم النداءات الكبيرة التي نسمعها من أولئك الذين يهاجمهم الأسد بوحشية، فإننا لا نرى انتفاضات في عموم سوريا على النحو الذي شاهدناه في ليبياquot;.ولاحظت كلينتون عدم وجود كتائب تظهر، حيث لا وجود للجيش السوري، محاولة الوصول إلى حمص لنجدة ثوارها.وخلصت وزيرة الخارجية الأميركية إلى القول quot;لا نرى عناصر معارضة قادرة على البقاءquot;.

ولعل الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا يأملون بإعلان المجلس الوطني السوري ممثلاً شرعيًا للشعب السوري مثلما فعلوا مع المجلس الانتقالي الليبي في بنغازي، قبل التدخل في ليبيا في العام الماضي، ولكن حقيقة أن مؤتمر تونس الذي وصف المجلس بأنه quot;ممثلquot; شرعي للشعب السوري، بدلاً من quot;الممثل الشرعيquot; كان مؤشرًا له مغزاه.

إذ يبقى حجم النفوذ، الذي يتمتع به المجلس الوطني السوري على الأرض، موضع تساؤل، وحتى نفوذه على الجيش السوري الحر بعيد عن كونه نفوذًا مؤكَّدًا، كما تذهب مجلة تايم.

وجادل البعض بأن تسليح المعارضة من شأنه أن يساعد على تنظيم الثورة وبناء السلطة السياسية لقيادة المجلس الوطني السوري، التي ستزوَّد هذه الأسلحة بإشرافها. ولكن مخاوف كلينتون ربما أكدها يوم الأحد نبأ انشقاق قياديين في المجلس، وتشكيل مجموعة العمل الوطني، متحدين فاعليته، ومعلنين موقفًا صريحًا في الدعوة إلى تسليح المعارضة.

وفي حين أن غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أيّدت خطة الجامعة العربية فإن الأسد ما زال يتمتع بدعم قوي من روسيا وإيران، وتصرّ دول، مثل الصين والعراق، على أن أي حل في سوريا يجب أن يستند إلى إصلاحات وطرق دبلوماسية، والحوار مع النظام بدلاً من الإلحاح على إسقاطه سلفًا.

وغني عن القول إن نظام الأسد يرحّب بمثل هذا الموقف.وحتى في وقت واصل النظام دك مدينة حمص وغيرها من معاقل المعارضة بالمدفعية يوم الأحد، فإنه تمكن من إجراء استفتاء على جملة إصلاحات دستورية.

وشجبت المعارضة الاستفتاء بوصفه مهزلة إزاء الحرب المستعرة، وتعذر اعتباره دليل توافق وطني على إصلاحات الأسد.ولكن حتى إذا كانت مزاعم النظام بمشاركة 57 في المئة من الناخبين في الاستفتاء مبالغًا فيها، فإن صحافيين غربيين في دمشق وحلب شاهدوا آلاف الناخبين الشباب يشاركون في الاستفتاء، رغم دعوات المعارضة إلى المقاطعة.

جاء ذلك تذكيرًا في أوانه بأن نظام الأسد ما زال يتمتع بقاعدة تأييد واسعة، ودعم مكونات أساسية، وخاصة طائفته العلوية، فضلاً عن المسيحيين وأقليات أخرى، تشكل في ما بينها نحو ثلث السكان، بتقدير مجلة تايم.

وأشعل الأسد بعسكرته النزاع السياسي في سوريا حربًا أهلية طائفية، تطرح على السوريين خيارات صعبة تعمل لمصلحته.فكلما تصاعد النزاع المسلح وطال أمده زاد خطر انتقال قيادة الانتفاضة إلى عناصر أشد تطرفًا وطائفية، الأمر الذي يعزز قبضة الأسد على قاعدة مؤيديه الأساسية، بحسب مجلة تايم.

لذا يبدو أن جميع الفرقاء يهيئون أنفسهم لحرب أهلية مديدة، ولنزاع من المستبعد أن ينتهي بسحق أحد طرفيه، نظرًا إلى الدعم الخارجي الذي يعتمد عليه المتحاربون.

وإذا انتهى النزاع على طاولة المفاوضات، كما انتهت حرب البلقان في التسعينات، فإن الأسد سيأمل بضمان موقعه لاعبًا أساسيًا على أقل تقدير.والحق أن المجلس الوطني السوري نفسه بدا في بيانه يوم الجمعة الماضي وكأنه تراجع عن رفضه التفاوض مع النظام قائلاً إن التفاوض، إذا وافق النظام أولاً على وقف إطلاق النار، ما زال ممكنًا، وقد يكون الطريق الأمثل لتحقيق الهدف المنشود في تغيير النظام.

كما يصرح أعضاء في المجلس وديبلوماسيون غربيون لوسائل الإعلام بأن دور روسيا يبقى بالغ الأهمية في تحقيق أي تسوية لإنهاء العنف رغم خروجها عن الإجماع الدولي.

ليس من المستغرب إزاء هذه المعطيات، أن يتخذ مسؤولو الاتحاد الأوروبي جانب الحذر بعد إقرار العقوبات الجديدة، مؤكدين أهمية الدور الذي يقوم به الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بصفته مبعوثًا أمميًا ـ عربيًا خاصًا إلى سوريا. وستكون مهمته بالطبع التحادث مع نظام الأسد وأعدائه للتوصل إلى حل توافقي يمكن أن ينهي العنف.