دعا الصحافي والفيلسوف الفرنسي المخضرم، برنار ليفي، فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى ضرورة العمل العسكري الفوري ضد الأسد وتكرار السيناريو الليبي الذي أطاح بالقذافي في ليبيا، ووضع العديد من الأطروحات التي تبرر القيام بتلك العملية، معتمداً على اقتراحات لوزير الخارجية القطري ونظيره التركي.


برنار ليفي

تزامناً مع مرور عام على العمليات العسكرية التي شنتها طائرات التحالف على مدينة بنغازي، لإنقاذها والمدن الليبية الأخرى من بطش رأس النظام الراحل معمر القذافي، نشرت صحيفة هآرتس العبرية مقالاً للفيلسوف والسياسي الفرنسي اليهودي برنار انري ليفي، دعا فيه إلى ضرورة تكرار العملية العسكرية اعتماداً على القوات عينها مع بشار الأسد، لإنقاذ السوريين من تحول بلادهم إلى عراق آخر، تروى أرضه بدماء مواطنيه الأبرياء، ورأى كاتب المقال ان الوقت الراهن بات أفضل من أي وقت مضى للتعامل عسكرياً مع نظام بشار الأسد، وان تفويت الفرصة السانحة حالياً سيُفرغ أهداف العملية العسكرية في ليبيا من مضمونها الهادف إلى التحرر من الأنظمة الديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط.

مدينة بنغازي بعد مرور عام باتت مدينة أخرى،إذ تغيرت ملامحها الباكية بعد الخلاص من قيود النظام الليبي البائد، غير أن الواقع يؤكد أن هناك مدينة ومدناً سورية في مقدمها حمص تعاني بطشاً اشد ضراوة من قسوة القذافي، وإذا لم يتحد المجتمع الدولي ضد الأسد سيصبح المشهد السوري أسوأ مما هو عليه حالياً.

عاصمة الألم والمعاناة السورية

ووصف مقال الصحيفة الإسرائيلية مدينة حمص بأنها عاصمة المعاناة والألم السورية، إذ روت أرضها دماء الصحافيين والمدنيين بلا تمييز بأوامر مباشرة من بشار الأسد، والحقيقة بحسب الكاتب الفرنسي هو أن ما فعلته دول التحالف في ليبيا تتخاذل عن القيام به في سوريا، فنفس طراز الطائرات الحربية الفرنسية التي حلقت في سماء ليبيا لانتزاع السلطة من القذافي، هي عينها التي تحلق في سماء سوريا بحرية كاملة، ولكن بأوامر من الأسد وضد المدنيين من بني شعبه، متمتعة بحصانة مطلقة ضد أي عقاب أو رادع.

بعيداً من ذلك يدرك المراقبون الهوة الشاسعة بين طبيعة التعامل مع الواقع الليبي ونظيره السوري، فلا ينكر احد - بحسب مقال الصحيفة العبرية ndash; المعطيات الجغرافية للجمهورية السورية، وتمتع الأسد بمحور داعم لبقائه، أو حقيقة ارتكانه إلى قوتين دوليتين كبيرتين (إيران وروسيا) وهو الواقع الذي كان القذافي يفتقر إليه بقوة، ويحول هذا الواقع حتى الآن دون التعامل عسكرياً مع بشار الأسد، ولكن مع كل ذلك حان الوقت لحسم الموقف لصالح السوريين وإنقاذهم من المذابح، آن الأوان للعمل ضد دبابات الأسد التي حصدت آلاف الأرواح من المدنيين، حان الوقت للعمل ضد استطلاعات الرأي الكوميدية التي يصيغها النظام السوري ويملي نتائجها بنفسه تحت صوت قذائف الدبابات والرشاشات والمدافع، فينبغي على المجتمع الدولي أن يقول كفى لبطش النظام السوري.

ورداً على الاعتقاد بصعوبة القيام بعملية عسكرية داخل المدن السورية، يؤكد مقال الصحيفة العبرية ان هذا التقدير غير صحيح، خاصة أن دبابات ومدرعات الأسد تقف على مسافة قصيرة جدًا من مدن حمص وادلب وبانياس، ولذلك ينبغي تحييد تلك المدرعات، وإجبارها على وقف اعتدائها السافر على سكان تلك المدن، أما في ما يتعلق بالخوف من تعرض السوريين للخطر حال تعرض سوريا لعملية عسكرية تضاهي ما حدث في ليبيا، فيفند تلك المخاوف وزير الخارجية القطري، الذي اجتمع مع قادة بارزين في البنتاغون، واقترح إقامة مناطق أمنية، على أن تخضع تلك المناطق لسيطرة قوات حفظ سلام عربية، وتكون متاخمة للحدود الأردنية والتركية وكذلك اللبنانية.

أو وفقاً لرؤية وزير الخارجية التركي حينما اقترح تسليح الجيش السوري الحر بأسلحة دفاعية، يحتل بها وسط المدن السورية بعد حظر القتال في تلك المناطق، أو تسليح الجيش السوري الحر بأسلحة هجومية لتصفية منظومة بشار الأسد العسكرية، التي وضعها رجاله حول المدارس والمستشفيات في مدينة دمشق، أو عن طريق إقامة مناطق يحظر فيها الطيران، أو تحرك المدرعات السورية الخاصة بحمل الجنود والعتاد.

قواعد حلف الناتو في تركيا

أما في ما يتعلق بضمان حماية تلك المناطق، فأوضح الكاتب أن الجيش التركي الذي أعلن مراراً وقوفه ضد ممارسات النظام السوري، يستطيع ضمان الحماية لها عبر قواعد حلف الناتو على الأراضي التركية، كما انه سيكون من الأهمية بمكان، أن يقترح أصدقاء الشعب السوري على مصر إغلاق قناة السويس أمام عبور سفن إيرانية، كالتي أفرغت شحنات أسلحتها في القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس السوري الأسبوع الماضي.

واختتم المقال المنشور في صحيفة هآرتس حديثه عن تلك الإشكالية بإشارته إلى أن تبني هذه الخيارات سيكون اقل خطراً من تحول سوريا إلى ساحة للحرب الأهلية التي دعا إليها الأسد وحولت هذا البلد إلى عراق جديد، كما أن هذا الخيار سيكون اقل خطراً من انتصار الأسد على شعبه وتعزيز قوة المحور الشيعي الذي تقوده إيران ليهدد أمن وسلام العالم بأسره.

ولد كاتب المقال برنار انري ليفي في الجزائر، بينما عاشت أسرته سنوات طويلة في المغرب، ولكنها هاجرت من هناك عام 1945 لتقيم في إحدى الضواحي المتاخمة للعاصمة الفرنسية باريس، وكان والده يمتلك شركة لاستيراد الأخشاب، وهى الشركة التي ورثها لابنه بعد وفاته عام 1995 فباعها ليفي عام 1997 مقابل 750 مليون فرنك فرنسي، وتشير سيرة ليفي الذاتية إلى نشاطه الصحافي الواسع، فضلاً عن دراسته الفلسفة، وفي عام 1971 زار شبه القارة الهندية، وعكف على تغطية أخبار حرب استقلال بنغلاديش عن باكستان، وفي أعقاب تلك التجربة أصدر كتابه الشهير quot;بنغلاديش، قوميات في الثورةquot; Bangla-Desh, Nationalisme dans la reacute;volutionquot; ونشره العام 1973.

وكان ليفي أول صحافي ومفكر فرنسي يدعو للتدخل العسكري في حرب البوسنة فيتسعينات القرن الماضي، في أعقاب عمليات التطهير العرقي التي شنها الصرب ضد البوسنيين، وبعد اختطاف وتصفية مراسل صحيفة وول ستريت جورنال quot;دانيال بيرلquot; على أيدي متطرفين، كان ليفي أول المحققين في القضية وزار أفغانستان مبعوثاً خاصاً للرئيس الفرنسي في حينه جاك شيراك، ثم طاف في عدد من الدول في مقدمها باكستان والهند والولايات المتحدة، واكتشف في نهاية المطاف أن مقتل المراسل الصحافي كان على خلفية وصوله إلى معلومات سرية حول علاقة باكستان بتنظيم القاعدة وعلماء نوويين، وخلال عمليات القوات الفرنسية في ليبيا كان ليفي همزة الوصل الرئيسة بين المجلس الانتقالي الليبي والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عينه.