تطالعنا نشرات الأخبار بتحقيقات عن الأمن الغذائي، وكيف أن لبنان يجابه هذه الآفة التي لا تقل أهمية عن الأمن السياسي، وتطالعنا التقارير حول جودة المطاعم او حتى عن انتهاء صلاحيات للحوم فاسدة تم كشفها، لكن السؤال متى ينتهي هذا المسلسل الذي يقضّ مضجع اللبناني منذ فترة؟.


بيروت: لا شك أن الأمن الغذائي يوشك أن يوازي أو يفوق في أحيان كثيرة الأمن السياسي، فإذا كان غياب الأمن السياسي يعرض البلد إلى هزات أمنية وربما معارك عبثية قد تودي بحياة بعض المواطنين، فإن غياب الأمن الغذائي يعرّض المواطنين كافة للخطر إذ إنه لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال وتحت كل الظروف التخلي أو الاستغناء عن المواد الغذائية التي هي ضرورة يطلبها جسم الإنسان ونفسه، ما يعني أنها مطلب أساس وضروري عليه تتوقف استمرارية حياة البشر، كما ان البحوث العلمية قد ربطت ربطًا وثيقًا وجدليًا ما بين نوعية الأغذية والوجبات اليومية وجودتها ومحتوياتها وما بين العوامل النفسية والاضطرابات التي يتعرّض لها المرء.

إن مجريات الأمور، والأحداث التي تصمّ آذاننا يوميًا و نشاهدها بأم الاعين عبر وسائل الإعلام وشاشات التلفزيون تؤكد أن الأمن الغذائي في لبنان مفقودٌ، وكان آخرها ما عرضته إحدى الشاشات اللبنانية عن انتهاء صلاحيات بعض اللحوم، وتم كشف الملحمات التي كانت تحويها، وبات هذا الأمر يشكّل خطرًا كبيرًا على حياة المواطنين، وأن المواطن الذي هو مهدد بلقمة عيشه أصبح مهددًا منها أيضًا، فما أن يكاد المواطن ينسى quot;فضيحة غذائيةquot; هنا حتى تطل الاخرى برأسها هناك، وكأن مسلسل quot;الفسادquot; الطويل قد تحوّل إلى مسلسل quot;دراميquot; ولا يلوح في الأفق أن خاتمة سعيدة ستكون له، لاسيما وان بعض حلقاته حوت مشاهد موت بعض المواطنين وتسمم بعضهم الاخر في مختلف المناطق اللبنانية، وحلقاته الفضائحية اليومية تزداد خطورة وإثارةً وتشويقاً وتقشعرّ لها الأبدان، ودخلت حبكتها الدرامية مرحلة الخطر خاصة وانها تطال في غالب الاحيان المواد الغذائية والاستهلاكية والحاجات الضرورية اليومية للمواطنين.

لا شك أن الحلقات التي طرحتها منذ فترة إحدى المؤسسات الاعلامية عن الأمن الغذائي في لبنان كانت مفجعة وتثير الدهشة إلى الحد الأقصى، لأن ما طرح من معلومات وتقارير وشهادات لا يمكن الوقوف عندها إلا باستغراب لان ثمة مافيات في البلد كما يظهر شاءت الربح على حساب صحة الناس وحياتهم بعيدًا عن أي انسانية أو شعور بالمسؤولية حتى السماء أصبحت مغشوشة ومميتة.

الهواء ملوث، الطعام قاتل، وكأن الأمر يستوجب حالة طوارئ رسمية عامة لوضع اليد على هذا الملف الذي أخذ حجمه يتضخم، وهي الناحية التي تشير إلى أن ثمة إهمالاً كان يحيط بذلك الفساد قبل أن يطال الموت بعض الأشخاص وتفوح رائحة الموضوع في الإعلام.

كما وان وفاة الزميل الصحافي محمد طه جرّاء وجبة طعام تناولها في أحد المطاعم شكل شرارة الثورة على الفساد الغذائي الذي ينهش بلحم الناس ليلاً نهارًا، حيث أتت بعدها قضية الزميلة الاعلامية هالة المر التي كادت تفقد حياتها جراء تناولها صحن فتوش وعصافير وبطاطا مقلية في مطعم آخر فأصيبت بفشل في البنكرياس وأمضت أيامًا طويلة في غرفة العناية المركزة في مستشفى بعبدا الحكومي، وتوسعت آفاق هذا الموضوع لتبين أن حلويات الجيلو تتضمن جلاتين الخنزير وتحديدًا جلده كونه رخيص الثمن، أما الهوت دوغ فهو خليط من الخنزير والدجاج ولحم البقر، وليس من المفهوم لماذا انتعشت الرقابة الآن علمًا أن العلة قديمة ومستعصية.

كل المواد فاسدة

لحوم، خضار، مياه أدوية، أسماك، دواجن، قمح وغيرها من المواد الاستهلاكية تسلل إليها الفساد فالموضوع تجاوز مسألة الغش العادي، وتحول إلى اعتداء واضح على أمن الدولة وهو أخطر بكثير من العبوات الناسفة والمظاهر المسلحة، لأن من يعتدي بهذا الشكل على حياة الناس، من المفترض أن يكون الفاعلون في السجون لأننا حتى الآن لم نشاهد سوى استعراض للمخالفات دون اتخاذ قرارات حاسمة بحق أحد.

واليوم يمكن القول نحن أمام استحقاقات متتالية في إطار السياحة في فصلي الشتاء والصيف، والإستهتار أيضًا بأرواح السواح الوافدين أمر مرفوض.

فما هو وضع مطاعم لبنان على ابواب فصل الربيع والسياحة الصيفية المقبلة؟

يقول أمين عام نقابة المطاعم طوني الرامي لإيلاف إن المطاعم تقسم لفئات كل مطعم لديه اسمه المعروف من مصلحته ان يستمر اكثر، ولديه قطاعه الخاص لسلامة الغذاء، ويعمل رقابة ذاتية على مطبخه، من ناحية الامن الغذائي ، وهذه الامور تشدد عليها المطاعم المعروفة في لبنان، والرقابة الذاتية تأتي أولاً خصوصًا من لديه مؤسسة ويرغب في المحافظة عليها مع استمرار الزبائن، بالاضافة الى رقابة وزارة السياحة، هناك بعض الكادرات في الوزارة من صبايا جديدات مدربات من خلال وزارة السياحة ويتم الكشف على المطابخ، بالاضافة الى حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد.

ولكن من الضروري التشديد، يضيف الرامي، على زيادة عدد المتخصصين في الرقابة، لان الطاقة في الدولة اللبنانية محدودة.

اما في حال تم اكتشاف بعض المطاعم وجودة الغذاء فيها دون المستوى، فان عقوبات كثيرة تتم على تلك المطاعم، من خلال محاضر ضبط وأخذ عينات من المنتوجات الفاسدة او المنتهية صلاحيتها، وبناء عليه تتم ملاحقة الامور في المحكمة.

هل مطاعم لبنان بالمستوى المطلوب للامن الغذائي؟ يجيب:quot; مطاعم لبنان تملك النوعية الجيدة، واصبحت ظاهرة عالمية، وصارت بيروت مقصد الجميع، لكن لا يخلو الامر برأيه من بعض الشواذات والتجاوزات.

عن الروبورتاج الاخير حول انتهاء صلاحيات بعض المواد الغذائية في بيروت، يقول ان بعض الموردين كانوا يلعبون بتواريخ الانتاج والصلاحيات، وخير ما فعلت الدولة بالكشف عليهم وفضحهم.

عن موسم الصيف حيث السياح يكثرون هل يمكن طمأنة المواطنين والسياح إلى جودة مطاعم لبنان؟ يجيب الرامي:quot; ان اهم سلسلات المطاعم في العالم تفتح فروعًا في بيروت، وقطاع المطاعم اكثر من سليم وفيه جودة ونوعية تميز لبنان، حيث لا وجود للصناعة بل السياحة هي عصب تطوره، والجودة والنوعية والخدمة كلها اساسية، واصبحنا معروفين، ولكن لا ننسى بعض الشواذات والتجاوزات ويجب على الدولة ان تقبض عليها بيد من حديد، ولكن القطاع اصبح على مستوى عال، من هنا يظهر ان المطاعم اصبحت تفتح بميزانيات كبيرة، ومؤسسات تكلف ملايين الدولارات كي تنشأ، ومن هنا المطابخ حديثة ومتطورة وسليمة الغذاء.

الرقابة أم المحاسبة؟

ما قامت به وزارة الاقتصاد خلال الايام السابقة يدل على قدرة الوزارةعلى مراقبة الاغذية ويدل على ان اطر الرقابة ما زالت ممسوكة وفاعلة وحاضرة للحفاظ على امن المواطن الغذائي ولكن ماذا عن دور المحاسبة وهل ان تفعيل الرقابة لا يتلاءم مع تفعيل المحاسبة؟

سؤال لا بد من طرحه وسط هذه المعمعة الفاسدة لان جميع من ألقي القبض عليهم ما زلنا نجهل اسماءهم واسماء مستودعاتهم أو شركاتهم ما يعني ان إخفاء الاسماء من شأنه ان يسمح ببقاء هذا الملف مفتوحًا الى اجل غير مسمى.

من جهة اخرى، فإن تفعيل قانون سلامة الغذاء من شأنه ان يضع خارطة طريقة سليمة في النظام الصحي اللبناني وعليه ولكي يصار الى تفعيل اطر المحاسبة وايقاف حلقات هذا المسلسل يجب اعتماد رزمة اصلاحات ابرزها:
1- تفعيل قانون سلامة الغذاء الذي تم الحديث عنه في اكثر من مناسبة.
2- اشراك البلديات في عملية الكشف عن مستودعات تضمن اطعمة فاسدة.
3- انشاء مختبرات على الحدود اللبنانية تقوم بفحص الاغذية المستوردة.
4- تفعيل القوانين وإنزال اشد العقوبات على المخالفين.
5- نشر التوعية بين الناس عن طريق وضع الاعلانات وبث برامج تثقيفية.
6- الكشف عن اسماء المتلاعبين بلقمة عيش المواطن لكي يكونوا عبرة الى من تسوّل له نفسه التلاعب بأمن المواطن الغذائي.
7- رفع عدد مراقبي مصلحة حماية المستهلك واقامة دوريات شبه اسبوعية على المطاعم والملاحم والشركات الغذائية والمصانع.
8- رفع سقف الغرامات المالية وسحب التراخيص من جميع المؤسسات التي تخالف القوانين المرعية.

لا شك ان هذه الرزمة من الاجراءات ستساهم بشكل فاعل في القضاء على الاطعمة الفاسدة وتمنع تسلل السموم الى أجساد اللبنانيين.

تضافر الجهود

ان القضاء على هذه الآفة لا يقع على عاتق وزير او وزارة بمفردها انها تتطلب جهود وزارات عدة تعمل معا كخلية واحدة لتقدم أبسط ما يمكن تقديمه الى المواطنين فوزارة الصحة المسؤولة اولاً وأخيرًا عن صحة وسلامة المواطنين مدعوة إلى التشدد في فرض رقابتها لناحية التزام المطاعم والملاهي والمحال بتطبيق الشروط الصحية، ومن جهة أخرى فإن وزارة السياحة المولجة بتنمية القطاع السياحي في لبنان يجب فرض رقابتها على مقدمي الوجبات الغذائية والمطاعم والملاهي.

مسؤولية تتطلب وعيًا وحذرًا لأن صحة المواطن ليست لعبة ومن غير المسموح ان تصبح لعبة او رقمًا يتم التفاوض عليه خارج حدود القانون او المؤسسات الدستورية.