في نظرة سريعة الى إنتاج النواب اللبنانيين البالغ عددهم 128 نائبًا، يتضح أن مجمل عملهم خلال عام 2011 اقتصر على تشريع مادة قانونية ونصف المادة لكل نائب، ما يؤكد أن سعادته شبه عاطل عن العمل مع مخصصات خيالية من هنا وهناك،فإن وظيفة النيابة في لبنان مربحة ومريحة معًا.


بيروت: في نظرة سريعة الى إنتاج النواب اللبنانيين اليوم البالغ عددهم 128 نلاحظ أن عملهم اقتصر على إقرار 19 قانونًا تنظيميًا عام 2011، أي أن كل نائب قد شرّع مادة قانونية ونصف المادة فقط على مدى عام كامل، هنا يحق لنا أن نتساءل بعد احتساب التعويضات الشهرية للنائب، والتي تصل إلى 11 مليون ليرة لبنانية، هل نوابنا هم عاطلون عن العمل ورغم ذلك يتقاضون المعاشات الاغلى ليس فقط في لبنان بل عالميًا؟ والحديث هنا ما زال يدور حول التعويض، والراتب ولم يصل إلى تكلفة التغطية الصحية (درجة أولى) لهم ولعائلاتهم، ولا لرواتبهم التي تستمر حتى بعد خروجهم من المجلس، وأحيانًا لورثتهم من بعدهم.

في دراسة أعدتها شركة quot;الدولية للمعلوماتquot; حول موازنة مجلس النواب وكلفة النواب الحاليين والسابقين، وهي دراسة برسم كل اللبنانيين الذين يقترعون لنواب يفترض أن يمثلوا الأمة كلها، إلا إذا تحولت النيابة إلى وظيفة وهدف يسعى إليهما كثيرون لما فيهما من منافــع ومزايا تتخطى الخدمة العامة، تبين خلال هذه الدراسة أن الوجاهة والحصول على مخصصات وتعويضات مدى الحياة، بما في ذلك إعفاءات جمركية وطبابة وحماية ومرافقة هي من أبرز الأسباب التي تدفع النواب الى التهافت اليوم على quot;وظيفةquot; النيابة، فهي quot;كسيبةquot; وquot;مريحة في آن معًا.

لا يتقاضى النائب راتبًا شهريًا بل مخصصات وتعويضات شهرية واختلاف التسمية ليس هنا مسألة شكلية بل مسألة مهمة إذ يمكن للنائب إذا كان موظفًا متقاعدًا أو عسكريًا متقاعدًا أن يجمع بين راتبه التقاعدي ومخصصاته وتعويضاته في النيابة، واستنادًا إلى القانون رقم 63 تاريخ 31 كانون الأول 2008، فقد حدِّدت مخصصات وتعويضات السلطات العامة ومن بينها النواب بحيث تبلغ مخصصات وتعويضات النائب 8,5 ملايين ليرة شهريًا. تضاف إليها مساهمة شهرية بقيمة 2,7 مليوني ليرة من صندوق تعاضد النواب (الممول من اشتراكات النواب بشكلٍ رمزي وبشكلٍ أساسي من موازنة الدولة).

مزايا أخرى

كما يستفيد النائب أيضًا من الطبابة المجانية بموجب عقد استشفاء مع إحدى شركات التأمين الخاصة وتسدَّد قيمة هذا العقد من موازنة مجلس النواب.

ويحق للنائب في كل دورة نيابية شراء سيارة معفاة من الرسوم الجمركية وتبقى كذلك ما دامت على اسمه.

كذلك جواز سفر خاص يمكِّنه من الحصول على تأشيرات دخول إلى العديد من الدول مجانًا (تبعًا للاتفاقيات المعقودة في هذا المجال بين لبنان والدول العربية والأجنبية).

كما يُخصص له مرافقان للحماية من جهاز أمن الدولة (وربما أكثر إذا اقتضت الضرورة الأمنية).

بالاضافة الى مكتب مستقل في مبنى في مجلس النواب.

واعتماد سنوي بقيمة 100- 150 مليون ليرة لكل نائب يُرصد ضمن وزارة الأشغال العامة ويُصرف بمعرفة النائب. وتعويضات ومخصصات النواب السابقين.

عندما يصبح النائب quot;نائبًا سابقًاquot; إما لعدم ترشحه أو لخسارته في الانتخابات لا تتوقف مخصصاته وتعويضاته فتبعًا للقانون رقم 25/74 تاريخ 25 أيلول/سبتمبر 1974 يتقاضى كل من سبق وانتُخب نائبًا النسب الآتية من المخصصات والتعويضات التي يتقاضاها النائب في الخدمة الفعلية.
55% عن دورة نيابية كاملة
65%عن دورتين نيابيتين
75%عن ثلاث دورات نيابية وما فوق

ويستفيد النواب السابقون من المساعدة الاجتماعية التي يمنحها مجلس النواب بنسبة استفادتهم من المخصصات والتعويضات المحددة أعلاه.

وإذا توفي النائب أثناء دورته الأولى اعتُبر وكأنه أمضى ثلاث دورات وفي حال وفاة النائب يقتصر حق أسرته على 75% من المخصصات والتعويضات التي كان يتقاضاها (ويُقصد بالأسرة الزوجة والأولاد الذكور من سن 18 حتى 25 سنة إذا كانوا يتابعون دراستهم، البنات العازبات أو الأرامل أو المطلقات). وقد اعتُبر النواب الذين انتُخبوا العام 1972 واستمروا حتى العام 1992 وكأنهم أمضوا 3 دورات نيابية، ولا يستفيد النواب الذين عُينوا عام 1991 من هذه التعويضات والمخصصات. كذلك لا يستفيد من هذه التعويضات النواب الذين يُنتخبون في انتخابات فرعية ويُمضون في النيابة أقل من 3 سنوات.

كلفة تعويضات ومخصصات النواب السابقين

يبلغ عدد النواب السابقين الأحياء 310 وهناك 103 أُسر أيضًا من أسر النواب السابقين المتوفين. وإذا أضفنا عدد النواب الحاليين وهو 128 يكون مجموع النواب الذين يدفع الشعب اللبناني كلفتهم 541 نائبًا. ومع كل انتخابات نيابية تترتب كلفة مالية نتيجة خسارة نوابٍ لمقاعدهم وتحولهم إلى نواب سابقين:
* في انتخابات العام 1992 بلغت الكلفة الشهرية للنواب الذين أصبحوا نوابًا سابقين بعد الانتخابات 584 مليون ليرة شهريًا.
* في انتخابات العام 1996 بلغت الكلفة 284 مليون ليرة شهريًا.
* في انتخابات العام 2000 بلغت الكلفة 277 مليون ليرة شهريًا.
* في انتخابات العام 2005 بلغت الكلفة 410 ملايين ليرة شهريًا.
* في انتخابات العام 2009 بلغت الكلفة 269 مليون ليرة شهريًا

أي أنّ القيمة الإجمالية التي يتقاضاها من أصبحوا نوابًا سابقين أو أسرهم نتيجة انتخابات أعوام 1992- 1996- 2000-2005 و2009 تبلغ 1,824 مليار ليرة شهريًا، تضاف إليها كلفة من أصبحوا نوابًا سابقين في الانتخابات قبل عام 1972 لتصل الكلفة الإجمالية حاليًا للنواب السابقين أو عائلاتهم إلى نحو 28 مليار ليرة سنويًا.

بين نوابنا ونواب العالم

يعتبر البعض في لبنان أنّ القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء الياباني بالتنازل عن راتبه مع أزمة محطة فوكوشيما النووية الناتجة من الكارثة الطبيعية التي ضربت بلاده امرًا غريبًا، خصوصًا أننا لم نعتد على تخلي مسؤولينا عن رواتبهم، على الرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي مرّ ويمرّ بها البلد، على الرغم من أنّ رواتب المسؤولين اللبنانيين مرتفعة جدًا. ولكنّ تخلي المسؤولين عن رواتبهم في العديد من الدول أمر طبيعي خصوصًا عندما تمرّ بأزمات اقتصادية واجتماعية ولقد حصل هذا الامر اكثر من مرة، فهل يقدم المسؤولون اللبنانيون، أو على الاقل يشعر من يمثلون الشعب بمعاناته ويتخلون عن رواتبهم أو يعمدون الى تخفيضها؟ ربما الأمر من سابع المستحيلات، فهم بالاصل لا يقومون بواجباتهم التشريعية فكيف لهم ان يتخلوا عن مخصصاتهم ورواتبهم؟

النواب يشتكون quot;تدنيquot; رواتبهم

ولكن في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمرّ بها المواطن ماذا يقول النواب عن رواتبهم وهل هم مستعدون للتخلي عنها او على الاقل تخفيضها؟

يبدو أنّ الاجابة سلبية فنواب لبنان الكرام مقتنعون أنّ رواتبهم ليست quot;خياليةquot; لا بل هي quot;تافهةquot; مقارنة مع المهام العظيمة التي يقومون بها، الأمر الذي يرسم مجددًا علامات الاستفهام حول قدرة هؤلاء على تمثيل الشعب خير تمثيل، طالما هم يرون ما يتقاضونه، وهو يمثل عشرة أضعاف ما يتقاضاه الشعب إذا لم يكن أكثر، بـquot;التافهquot;.

قد يكون مبررًا ما قاله بعض النواب عن متطلبات العمل النيابي والمصاريف العديدة والكبيرة التي يتكبدونها في مهامهم، هذا إذا أنجزوها، ولكن ما هي متطلبات عمل بعض النواب quot;العاطلين عن العملquot; والذين لا يسمع بهم المواطن الا في فترة الانتخابات والاسماء كثيرة، وما هي متطلبات عمل النواب السابقين، وما الذي يمنع عودتهم الى حياتهم الطبيعية بعد انتهاء ولايتهم النيابية بحيث يستمر النائب السابق رغم انه فقد ثقة الشعب بالاستفادة من الكثير من الامتيازات والمنافع النيابية؟

وبات من المعروف اليوم ان قسمًا كبيرًا من النواب اللبنانيين يعيش في حال من quot;البطالة التشريعيةquot;، لا يشاركون في جلسات اللجان النيابية، ولا يقترحون مشاريع قوانين، فيصح فيهم القول إنهم أشبه بتكملة عدد، كونهم أصلا يُنتخبون ضمن اللوائح الكبرى التي تشكلها الزعامات السياسية لدى إجراء الانتخابات النيابية.

في المقابل، يبلغ معدل حضور النواب للجلسات النيابية، سواء الفرعية منها أو المشتركة، ما يقارب خمس ساعات أسبوعيًا، استنادًا إلى تقديرات قدمها النائب غسان مخيبر، فيما يتم توثيق محاضر الجلسات لدى مديرية شؤون الجلسات العامة واللجان النيابية، وتضم عدد الجلسات والنواب المشاركين.

وتسمح طريقة عقد الجلسات المقرة في النظام الداخلي لمجلس النواب، بتهرّب أكبر عدد ممكن من النواب من حضورها.

فبحسب النظام، تنقسم اللجان حسب عددها إلى ثلاثة أنواع وهي: لجان تضمّ تسعة نواب، وأخرى تضمّ اثني عشر نائبًا، ولجان تضمّ سبعة عشر نائبًا. وتعتبر الجلسة الأولى من اجتماع اللجنة لمناقشة مشاريع القوانين قانونية، في حال حضرها أكثر من نصف الأعضاء، أما الجلسات التالية، فتصبح قانونية لدى حضور ثلث الأعضاء فقط. وبموجب ذلك، يستطيع ثلاثة نواب مناقشة المشاريع في اللجنة التي تضم تسعة نواب، وأربعة نواب في اللجنة التي تضم اثني عشر نائبًا، وثمانية زائدًا الرئيس في اللجنة التي تضم سبعة عشر نائبًا، مثل لجنة المال والموازنة.

بالإضافة إلى ذلك، يترتب على اللجان إنهاء دراسة المشاريع والاقتراحات المقدمة إليها ضمن مهلة أقصاها شهر، اعتبارًا من تاريخ ورودها، إليها، لكن النواب لا يلتزمون بتلك المهل، كما هو واضح من خلال وجود مشاريع تبقى على جدول النقاش سنوات عدة.

كما يعتبر مستقيلا حكما عضو كل لجنة نيابية يتغيب عن حضور ثلاث جلسات متتالية من دون عذر مشروع، ولا يبدو أن النواب يتذكرون وجود هذه المادة في النظام الداخلي، أو تغيبهم يتم دوما بعذر quot;يشرعونهquot; هم.

ومن الأمثلة على ضعف التشريع، إقرار مجلس النواب تسعة عشر مشروع قانون فقط في العام 2009، في الوقت الذي يوجد في أدراج المجلس ما يقارب ثلاثمئة مشروع قانون، بينها مشاريع تتعلّق بقضايا حيوية بالنسبة إلى مصالح ... المواطنين - الناخبين.

النائب غسان مخيبر، وهو عضو في مجلس النواب بالطبع، توصل إلى نتيجة تتقارب مع خلاصة ان النواب شبه عاطلين عن العمل، عبر دراسة موثقة لعمل المجلس ونوابه. ويشير مخيبر في دراسة ينشرها على صفحته الخاصة على الانترنت عن quot;فاعلية أداء مجلس النواب اللبنانيquot;، إلى أنه quot;طوال 18 سنة، عقدت الهيئة العامة لمجلس النواب 86 جلسة فقط مخصصة للتشريع، و16 جلسة للأسئلة والاستجوابات و7 جلسات للمناقشة العامةquot;، ويخلص إلى الاستنتاج بقلة الوقت الذي يمضيه النائب بالتشريع في لبنان مقارنة مع برلمانات غربية أوروبية وأميركية، على الرغم من وجود نحو 300 مشروع واقتراح قانون في أدراج مجلس النواب.

...باختصار يمكن القول اليوم ان quot;سعادتهquot; كامل السعادة، فهو على غرار البلدان الاجنبية ككندا مثلا واستراليا :quot; شبه عاطل عن العمل يتقاضى أجرًا خياليًا يُحستب بالطبع من جيوب المواطنين الناخبين الذين يسلطونه آمرًا ناهيًا غير مشرِّع لاي قانون يفيدهم او يسهِّل حياتهم.