فيما حذر جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، الشهر الماضي، بأن القاعدة بدأت تستفيد من الصراع المتنامي في سوريا، بدأ يرد أنصار المعارضة في البلاد على ذلك، بتأكيدهم أن الانتفاضة التي يقومون بها علمانية تماماً.
عناصر من الجيش السوري الحر |
بيد أن التغطية الإعلامية المستمرة منذ أشهر عدةلما يدور في البلاد من أحداث أماطت النقاب عن أن الحقيقة أكثر تعقيداً،إذ تشير مجلة فورين بوليسي الأميركية، في سياق تقرير مطول أعدته في هذا السياق، تحت عنوان: quot;الإسلام والانتفاضة السوريةquot;، إلى أن انتفاضة سوريا ليست ذات طبيعة علمانية، منوهةً إلى أن معظم المشاركين بها هم من المسلمين المخلصين المرتكزين في ما يقومون به على الإسلام.
وأعقبت الصحيفة بقولها إن معظم أفراد المعارضة السورية هم من المسلمين السنةوينتمون في أغلب الأحيان إلى مناطق محافظة. وجاء اختفاء اليسار العربي ليكشف عن تمتع الدين بدور أكبر في الحياة العامة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في حين أن الأقلية هي الفئة العلمانية، وهناك أقلية أخرى تتكون من الإسلاميين الإيديولوجيين.
في حين تتألف الأغلبية من أناس دينيي الفكر ويحظون بقدر ضئيل من الإيديولوجية، مثل معظم السوريين، وهم لا يقاتلون من أجل الدفاع عن العلمانية (ولا عن النظام)، لكنهم لا يقاتلون أيضاً لتأسيس سلطة دينية. لكن مع تواصل الصراع في البلاد، بدأ يلعب الإسلام دوراً متنامياً في الانتفاضة المتواصلة هناك.
حيث بدأت تلعب المساجد دوراً محورياً بالنسبة للتظاهرات مع مطلع شهر آذار/مارس العام 2011، وحظيت بتأثير واضح على مسار الانتفاضة، ما جعل الدين يحظى بوضعية متزايدة الأهمية مع مرور الوقت. وأوردت المجلة في هذا الشأن عن ناشط من حي برزة في العاصمة دمشق، قوله: quot;بات الناس أكثر تديناً، في الوقت الذي أضحوا يواجهون فيه الموت على نحو متزايد، مع استمرار التظاهرات في البلادquot;.
أما الناشطون في درعا فيشكون من تهميش المحطات الفضائية للشخصيات اليسارية البارزة. وأعقبت المجلة بقولها هنا إن رجال الدين حظوا بدور مؤثر منذ بداية الأحداث في كثير من أنحاء البلاد، غير أن سلطتهم ليست مطلقة. وأضافت أن الشيوخ كثيراً ما لعبوا دوراً ايجابياً في الانتفاضة، ولعل من أبرز الأسباب التي حالت دون تكرار سيناريو البوسنة في مدينة حمص (في ما يتعلق بالمذابح المبنية على أسس طائفية)، هو الدور البارز والواضح الذي لعبه الشيوخ المنتمون إلى تيار المعارضة.
وفي حي أربين في العاصمة السورية، دمشق، يتحدث قادة المعارضة بسخرية عن رجال الدين المحليين، حيث قال أحدهم: quot;الشيوخ الموجودون هنا ينتمون جميعاً إلى الأجهزة الأمنية وحزب البعث. وكان يطلبون منا عدم النزول إلى الشارع وعدم مشاهدة القنوات المنحازة. وقد خرجنا إلى الشارع ضد رغبة الشيوخ، الذين لا يتعاملون بشكل جيد مع الناس، إما لتخوفهم أو لتحالفهم مع النظامquot;.
وفي المعلومات أن أحد أهم الأسباب، التي قادت إلى اندلاع تظاهرات في أربين للمرة الأولى،يتعلق بطلب الإفراج عن 21 شاباً من سكان الحي سبق وأن تم اعتقالهم العام 2006. ونقل عن أحد قادة المسلحين، يدعى أبو مصعب، القريب من حرستا في دوما، قوله إنه فُصِل من عمله كإمام لقوله الحقيقة والتحدث عن الكرامة. وبحسب التقارير فإن مذهب الإمام أحمد بن حنبل هو السائد في دوما، ولا يمكن أن تُشَاهَد امرأة في الشارع وهي من دون برقع.
ومع هذا، أشار أبو مصعب إلى أن معظم الناس في دوما لا يتحدثون عن دولة إسلامية، وأكد أنه أيّد الصراع المسلح ضد النظام منذ اليوم الأول فيما قام كثيرون آخرون بذلك فقط بعد شهر رمضان الماضي. لكن حسب فورين بوليسي، فإن الكثير من الأسماء التي يتم إطلاقها على تظاهرات يوم الجمعة تكون أسماء دينية في دلالتها، ولدى الكثير من الجماعات المسلحة، التي تطلق على نفسها بصورة مضللة، الجيش السوري الحر، مجموعة من الأسماء التي تعتبر ذات طبيعة مسلمة سنية بطبيعتها.
وعن جماعة الإخوان المسلمين، قالت فورين بوليسي إن سوريا بدأت تشهد الانتفاضات المستلهمة من فكر الجماعة خلال ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي. وفي عقد الثمانينات، قامت جماعة متشددة بتأسيس إخوان سوريا وأطلقت على نفسها الطليعة القتالية. ومضت تتحدث عن أعمال العنف التي قامت بها تلك الجماعة آنذاك، ثم هروب أعضاء جماعة الإخوان السورية إلى المنفى، واستمرارهم كنشطاء في تيار المعارضة، ما قادهم للسيطرة على المجلس الوطني السوري.
وجاء أن النظام السوري سعى إلى خلط المعارضة بجماعة الإخوان المسلمين السوريين خلال ثمانينات القرن الماضي، وأقدم على تلك الخطوة وهو يدرك أنه قد يضفي الطابع الشرعي على تعامله العنيف معهم، لكنه إن واجههم على الجبهة السياسية، فإنه سيخسر. وقال هنا توماس بيريت، محاضر الإسلام المعاصر في جامعة ادينبيرغ: quot;والدليل على ذلك هو أن الخلايا الإسلامية التي فككتها السلطات على مدار العقود الماضية كانت مرتبطة بحزب التحرير الإسلامي أو شبكات الجهاد، وليس الإخوان المسلمين على الإطلاقquot;.
وأضاف في السياق نفسهمسؤول مطلع من ذراع وطني مختلف لجماعة الإخوان المسلمين، من مقره في بيروت: quot;ليس للثورة الحاصلة اليوم في سوريا أي علاقة بإخوان ثمانينات القرن الماضيquot;.
وقال أحد الناشطين السوريين: quot;سبق لنا أن أخبرنا ملحم الدروبي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن قابلناه في تركيا خلال شهر أيار/ مايو الماضي، أننا بحاجة إلى المال من أجل شراء أسلحة. وقد أخبرنا بأنه لن يمنحنا مالاً من أجل شراء سلاح، إذ إن تلك الثورة تتسم بالسلمية. وحين طلبنا منه أموالاً من أجل تمويل صناديق الصعاب، أخبرنا بأن لنا أناساً متواجدين في أرض الميدان لكننا لم ننظم صفوفنا بعدquot;.
وبينما تحدث بعض القادة عن تلقيهم مكالمات من أناس من الأردن وتركيا ولندن والولايات المتحدة من المنتمين للإخوان المسلمين يعرضون عليهم أموالاً في ظل وجود أجندة خفية لها، هم يرفضونها، قال أحد قادة الناشطين من المنتمين للطائفة الإسماعيلية: quot; الإخوان لا يخيفونني. فليس لهم تمثيل على الأرض يمكن أن يُعَرِّض الديموقراطية للخطرquot;.
كما أن الكثير من باقي أعضاء تيارات المعارضة أقل تفاؤلاً بشأن الدور الذي تقوم به منظمة جماعة الإخوان المسلمين. وقال أحد الناشطين من حي برزة إنه لا يريد الإخوان، مضيفاً: quot;لا أريد إلباس السيدات بملابس إسلامية كاملة. فهذا الأمر ليس جيداً. وفي واقع الأمر، ثمة شيء وسطي انا أفضلهquot;. فيما عبّر ناشط آخر من دمشق عن قلقه من وجود شعارات دينية للكثير من التظاهرات التي تشهدها ضواحي دمشق.
وفي المناطق الريفية التابعة لمدينة حماة، رفض قادة العديد من الجماعات المسلحة رجلاً يدعى أبو ريان، يتلقى المساعدة من جماعة الإخوان في تركيا والأردن لتمويل جماعته المسلحة. ثم مضت فورين بوليسي تتحدث عن لفظة quot;سلفيquot; التي طغت على الانتفاضة السورية، مشيرةً إلى أن النظام نجح في تحويل تلك الممارسة الإسلامية المحافظة إلى سمة مسيئة لسمعة المعارضة، على أمل ربطهم بالسلفيين الجهاديين مثل هؤلاء المنتمين إلى تنظيم القاعدة في العراق.
وقال هنا أبو عبده، قائد عسكري في حرستا، إن الكثير من الناس يأمل فيإعلان الجهاد في وجه النظام. وأضاف شيخ يدعى أمير: quot;لا نتقابل في المساجد لأن الثورة إسلامية،بل لأن المساجد تعتبر مركزاً لتجمع الناس. ولن نرحم العلويين من الحاملين للسلاح أو الشبيحةquot;.
وفي خضم هذه الأجواء المتناحرة، صرح مسلحون آخرون قائلين: quot;عرض سلفيون من أمثال الشيخ الذي يعرف بأبي سليمان في جبل الزاوية تقديم أسلحة للقيام بعمليات بعينهاquot;. وأضاف هؤلاء المسلحون أن أبي سليمان كان تاجر مخدرات، وأضحى رجلاً سلفياً بعد أن قضى بعض الوقت في سجن شدنايا. وفي الأمسيات الهادئة، يتجمع مقاتلو جبل الزاويةمن أجل تناول وجبات غذائية في بيوت مختلفة.
وتابع الشيخ السلفي، عمر رحومة، الذي يقود جماعة مسلحة في حماة، بقوله: quot;نحن ممتنون للمقاتلين السلفيين، لكنني ضد تهميش الأشخاص، وضد تهميشك وتهميشي. ويشكل السلفيون نسبة تقل عن واحد في المئة من المقاتلينquot;.
وإلى الشمال، حيث المناطق الريفية التابعة لمدينة حلب، فهناك المئات من المقاتلين الذين يشاركون في الأعمال القتالية المسلحة. وفي غضون ذلك، بدأ يظهر من جديد أيضاً حزب آخر إسلامي، يطلق عليه حزب التحرير. وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، بعث قادة جماعات مسلحة في حمص، بمن فيهم هؤلاء المنتمون إلى اللواء فاروق المعارض، برسائل إلى جماعة الإخوان المسلمين، يشكون فيها من أن الإخوان يهربون الأسلحة إلى حمص، لكنهم يخفونها أو يدفنونها.
وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حاول بعض الأشخاص المنتمين إلى حزب التحرير أن يرفعوا علم الإسلام الأبيض والأسود في حي الإنشاءات في حمص. كما وزعوا منشورات هناك يقولون فيها إنه مُحَرَّم دينياً التعامل مع الأميركيين أو طلب الدعم من حلف شمال الأطلسي quot;الناتوquot;، وأنه يتعين على الناس أن يعتمدوا على الله (عز وجل ) وحده.
وختمت المجلة حديثها بالقول إن الانتفاضة التي تعيشها سوريا الآن منذ قرابة العام لن تعمل إلا على زيادة حدة التطرف. وأضافت أن السكان المقيمين في المدن التي تعتبر معاقل للمعارضة، وعلى عكس أماكن سبق للمجلة أن تواجدت بها كالصومال والعراق وأفغانستان، لا يعيشون في خوف من السلفيين ولا يوجد سلفيون مسلحون يفرضون أنفسهم على المواطنين.
وقال أحد الناشطين: quot;كلما زادت مدة الثورة، كلما زادت قوة السلفيين. فالإنتفاضة تتجه لتصبح أكثر اتشاحاً بالطابع الإسلامي والطابع الإسلامي المتشدد شهراً بعد الآخر. وإن كان قد قُدِّر لها النجاح في نيسان/ أبريل أو أيار/ مايو الماضي، لكانت تزايدت فرص تشكيل مجتمع أكثر تمدناًquot;. وفي الأخير، قال عقيد من الفرع الأمني السياسي إن مهمتهم في السابق كانت تقتصر على الحد من نشاط تنظيم القاعدة، لكنهم باتوا يركزون جهودهم في الوقت الراهن على قمع الناشطين والرد التعامل مع المعارضة المسلحة.
التعليقات