عناصر من الجيش السوري الحر يحتفلون لتدمير دبابة تابعة للجيش السوري في إدلب. 11 آذار (مارس) 2012

تعرضت المعارضة السورية الرئيسة في المنفى إلى تصدّع خطير يوم الاربعاء، بعد استقالة أعضاء بارزين من مناصبهم، واصفين المجلس الوطني السوري بـ quot;الاستبداديquot; الذي تهيمن عليه جماعة الاخوان المسلمين، ويعجز عن مساعدة الثوار ضد الحملة العنيفة التي تشنها القوات الحكومية.


تمكّنت القوات الحكومية في سوريا من السيطرة بشكل شبه كامل على مدينتي حمص وإدلب، الأمر الذي غذّى الإحباط الذي يشعر به المعارضون تجاه المجلس الوطني السوري لعجزه عن دعم الثوار واتخاذ خطوات حاسمة.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن كمال اللبواني، أحد الناشطين الذي استقال من المجلس، وهو سجين سابق أفرج عنه من السجون السورية في العام الماضي، بعد أن قضى ستة أعوام من أصل 12 خلف القضبان، قوله ان سيطرة الحكومة على معاقل المعارضة أحبطت الثوار وجعلتهم ييأسون من قدرة المجلس الوطني على تحقيق أي إنجاز.

وقال نشطاء إن مئات الاشخاص قتلوا في حمص وحدها، ولم يكن باستطاعة الثوار حمايتهم لأنهم لا يملكون الأسلحة، ويتفوق الجيش النظامي عليهم عدة وعديداً.

quot;ما حدث في حمص هو خيانةquot;، قال لبواني للصحيفة، مضيفاً: quot;هناك شعور بعدم المسؤولية من جانب المجلس، لأنه يعرض المجتمع السوري للإنقسام من خلال عدم إنشاء قيادة عسكرية موحدة للثوار تحت سيطرته، وترك الميليشيات الفردية تبحث عن مصادر خاصة بها للحصول على الدعم. واتهم لبواني أعضاء جماعة الإخوان المسلمين داخل المجموعة بـ quot;احتكار التمويل والدعم العسكريquot;.

واعتبرت الـ quot;نيويورك تايمزquot; ان المجلس الوطني السوري الذي يتألف من 270 عضواً quot;ابتلي بالخلافات الداخليةquot;، لكن عضو اللجنة التنفيذية في المجموعة، سمير نشار قلل من أهمية هذه الاحتكاكات، مشيراً إلى أن الأعضاء لم يقدموا استقالات رسمية وأنهم يشعرون ببعض الإحباط على خلفية استبعادهم من لقاء مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة، كوفي أنان.

لكن هذه المرة، يشمل الأعضاء المغادرين بعض الشخصيات المعروفة والتي تتمتع بمصداقية عميقة بين السوريين داخل البلاد وخارجها على حد سواء، بما في ذلك كمال لبواني وهيثم المالح، وهو عضو اللجنة التنفيذية، ومحام في الثمانينات من العمر الذي سجن لسنوات طويلة بعد الدفاع عن المعارضين السوريين، بمن فيهم أعضاء جماعة الاخوان المسلمين.

ونقلت الصحيفة تصريحًا للمالح عبّر فيه عن استيائه من المجلس، وقوله إنه استقال من منصبه بسبب الفوضى داخل المجموعة والشك حول ما يمكنها تحقيقه، مضيفاً quot;نحن لم نحقق أي إنجاز يذكر في العمل لتسليح الثوارquot;.

واتخذ المجلس الوطني السوري يوم الثلاثاء خطوات لضم الجيش السوري الحر تحت مظلته. لكن لبواني قال إن المعارضين المنفيين لا يملكون علاقات وثيقة مع المقاتلين في الداخل، مشيراً إلى أن quot;الجيش السوري الحرّ هو الناس الذين يقاتلون في سورياquot;.

ووصف لبواني رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون، بـ quot;المستبد الذي يتخذ القرارات باسمنا من دون مناقشتناquot;. وقال انه لطالما شدد على أهمية تسليح الثوار تحت قيادة واحدة، يسيطر فيها المجلس على الشؤون المالية، لكن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اعترضوا على هذا الإقتراح.

وأضاف: quot;تسليح المعارضة بشكل فردي سوف يؤدي إلى كارثة، لا سيما إذا تحولت الثورة إلى حرب ميليشياتquot;. إضافة إلى لبواني والمالح، أعلن وليد البني وكاثرين التلي استقالتهما من المجلس الوطني، معتبرين ان quot;جماعة الاخوان المسلمين سيطرت على المجلس كله، ونحن تحولنا إلى إضافاتquot;.

من جهتها، اعتبرت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; ان الهزائم التي منيت بها قوات المعارضة، سلّطت الضوء على افتقارها إلى الأسلحة والأموال التي تحتاجها لإعادة تجميع صفوفها. اثنتان من الهزائم الكبيرة على يد قوات الحكومة السورية، أثبتت محدودية قدرات الثوار: نقص في الأموال، نفاذ الأسلحة، ومواجهة قوات عسكرية شديدة الولاء، والتي ستقاتل حتى الموت.

وتعتبر الصحيفة أن إصرار الثوار على أن مسعاهم للإطاحة بالرئيس بشار الاسد لا يزال قوياً وثابتا، مشيرة إلى أن العقبة الرئيسة أمام الجيش السوري الحرّ هو النقص في السلاح. quot;أرسلوا لنا المال، نحن يائسون. أرسلوا لنا أسلحةquot;، قال أحمد قاسم، الذي يقوم بتنسيق العمليات العسكرية للجيش السوري الحر، في حديث مع وكالة اسوشيتد برس.

وأضاف quot;اننا لسنا في حاجة إلى مقاتلين. لدينا فائض من الرجال الذين يستطيعون القتال، لكننا في حاجة إلى الأسلحة لحماية أرضنا وشرفناquot;. في العام الماضي، استولى الثوار على مساحة صغيرة من الأراضي السورية لفترة وجيزة، وكان آخرها حي بابا عمرو في حمص ومدينة ادلب شمال سوريا.

وبعد ما يقرب من أربعة أسابيع من القصف الوحشي، القاسي، استعادت القوات الحكومية بابا عمرو في 1 آذار/مارس في أعقاب هجوم أسفر عن مقتل المئات من الناس وحول الحي الى رمز للانتفاضة. الوضع الإنساني في بابا عمرو، وهو جزء من ثالث أكبر مدينة في سوريا، لا يزال كارثياً بالنسبة إلى المدنيين.

وبعد سيطرتها على بابا عمرو، وجهت القوات الحكومية بنادقها نحو ادلب، آخر معقل للمعارضة، وتمكنت من السيطرة على المدينة في عملية استمرت ثلاثة أيام - أقصر بكثير من معركة بابا عمرو، لكن بالدموية ذاتها.

ونقلت الصحيفة عن منيف الزعيم، المتحدث باسم الجيش السوري الحر، قوله: لو كان لدينا ملاذ آمن لمزاولة أعمالنا من داخل سوريا، لكنا انتصرنا في المعركة ضد بشار منذ زمن طويلquot;. واستنزفت الهزائم بعضاً من زخم الثوار، لكن المقاتلين يقولون انهم يستخدمون هذه الفرصة لإعادة تنظيم صفوفهم.

وقال فايز عمرو، عضو في الجيش السوري الحر: quot;اننا لا نشعر بالهزيمة على الإطلاقquot;، لكنه وجه انتقادات قاسية إلى المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن quot;أشد الاستنكارات بحق الأسد لن تساعد أولئك الذين يواجهون الدباباتquot;، مطالباً بتزويد الثوار السوريين بالأسلحة.

quot;أتساءل عن هذا المجتمع الدولي، الذي لم يقدم للشعب السوري بندقية واحدةquot;، يقول بمرارة، مضيفاً: quot;عليهم أن يشعروا بالخجلquot;. وأشارت الصحيفة إلى أن تدفق الأسلحة إلى سوريا قد يؤدي إلى تحويل النزاع، مشيرة إلى أن المملكة العربية السعودية وقطر تناقشان احتمال إرسال المساعدات العسكرية للمقاتلين السوريين، لكن الولايات المتحدة وغيرها لم توجه دعوات لتسليح الثوار، خوفاً من أن يخلق ذلك معركة طويلة الأمد وأكثر دموية.

ولدى سوريا شبكة معقدة من الولاءات في المنطقة التي تمتد إلى إيران وحزب الله اللبناني، ما يثير مخاوف من أعمال عنف أوسع نطاقاً. وفي الأشهر الأخيرة، قال عشرات من أعضاء الجيش السوري الحرإن السلاح يأتيهم من العراق ولبنان، وكذلك من المنشقين عن الجيش الذين حافظوا على أسلحتهم عندما هربوا.

وقال أحد الثوار من مركزه في تركياإن الأسلحة تأتي بمعظمها من العراق، لكن نوعيتها سيئة وأسعارها مرتفعة. وفي الوقت الذي يكافح فيه الثوار من أجل الحصول على الأسلحة، تستمر دمشق بتلقي إمدادات عسكرية منتظمة من روسيا.

وفي وقت سابق من هذا الاسبوع، قالت روسيا إنها ستلتزم بالعقود القائمة لتسليم الأسلحة الى سوريا على الرغم من حملة الأسد. ودافع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن هذا الموقف يوم الاربعاء، قائلاً ان موسكو تقدم السلاح لسوريا لدرء التهديدات الخارجيةquot;.

وحتى الآن، لا يشكل الجيش السوري الحر خطراً حقيقيا على الجيش النظامي المحترف والصارم. لكن متحدثاً باسم المجموعة أكد إصرار الثوار على مواصلة الكفاح. وقال quot;نحن نخطط لنصب الكمائن، والتي ستكون مؤلمة لجيش بشار الأسد وحلفائهquot;. وأضاف quot;اننا نعد بشار أن ذلك سيكون مؤلماًquot;.