باريس: اذا كان لنيكولا ساركوزي نقيض فلا يمكن ان يكون الا فرنسوا هولاند لانه يختلف عن الرئيس المنتهية ولايته في كل شيء، فضلا عن الاختلاف السياسي بينهما، اذ ان هذا الرجل البشوش يسعى دائمًا الى الاجماع ومثابر، في حين يتهمه منتقدوه بالتردد وعدم الخبرة.

ويجوب هولاند مختلف ارجاء البلاد منذ سنتين عمل خلالهما على تغيير صورته. ويحاول الرجل اللطيف الذي يتجنب الصراعات ان يظهر بمظهر القوي وquot;المثابرquot; كما يصفه صديقه الوزير السابق ميشال سبان.

ويؤكد هولاند (57 سنة) انه سيكون quot;الرجل القادر على تغيير البلادquot;، هذه الديموقراطية العريقة التي quot;اساءquot; اليها quot;رئيس افرطquot; في ممارسته الحكم بعنف ولا يستطيع ضمان مستقبل لشبابها. ويقول انه يريد ان يكون quot;رئيسا عادياquot; حيث ان الرئاسة بالنسبة اليه قضية رموز.

فمن حيث الارادة، تمكن بمساعدة رفيقته الجديدة الصحافية السياسية فاليري تريرفايلر، ان يفقد عشرة كيلوغرامات، واستبدل نظاراته، وتوقف عن المزاح باستمرار. ومن حيث الاخلاق، يريد فرض ضرائب على الاكثر ثراء تيمنًا بـquot;الوطنيةquot; وليس فقط لملء صناديق الدولة.

ويكرر المرشح الاشتراكي ان quot;الرئيس المقبل يجب خصوصا ان يكون نقيض ساركوزيquot;. وفي الربيع ركدت شعبيته، لكن الاستطلاعات ما زالت تتوقع فوزه في الجولة الثانية بنسبة تتراوح بين 53 و55%.

وقال رئيس الوزراء السابق ليونيل جوسبان الذي تخلى عن قيادة الحزب الاشتراكي لمصلحة فرنسوا هولاند في 1997 (لفترة دامت 11 سنة) انه quot;اشركه بشكل وثيق في كل القرارات التي اتخذهاquot; عندما كان يحكم البلاد.

وتلك طريقة يقول بها ان افتقار المرشح الاشتراكي الى الخبرة الحكومية ليس عائقا. واكد هولاند ان اوباما ايضا quot;لم يحكم ابداquot; قبل ان يصبح رئيسا، مبرزا المهمات التي تولاها كعمدة ونائب في الجمعية الوطنية ونائب رئيس مجلس اقليم كوريز.

وقد كان يقال عن هولاند انه quot;غير قادر على البتquot; في الامور وquot;غامضquot;. في المقابل يرى اصدقاؤه القدامى في مناوراته quot;قدرة على لم الشملquot;، فيجمع بين الحذر والشجاعة.

فماذا يخفي هذا المظهر الناعم؟ تقول رفيقته ان quot;ما يظهر منه صحيح، ليس هناك هولاند مخفيquot; بينما يقول ابنه البكر توما انه quot;لا يمكن الالمام بهquot; وذلك في دلالة على انه quot;رجل حرquot;، quot;متفائل حقيقيquot; وquot;استراتيجيquot; يريد ان يفهم الناس وان يستبق الاحداث ايضا.

ويروي واضع سيرته الذاتية سيرج رافي انه عندما خاض في سن السادسة والعشرين حملة انتخابات في دائرة جاك شيراك في كوريز، قال للاخير quot;انا من سميته بلبرادور (كلب) ميترانquot;، فيما اعتبر احد المقربين من نيكولا ساركوزي انه quot;كلب صغير قادر على العضquot;.

ويكن شيراك ودا لهولاند الذي فاز بنهاية المطاف بنيابة معقله في اقليم كوريز، حتى ان الرئيس السابق ذهب الى حد القول انه quot;سيصوت لهولاندquot; قبل ان يقلل من اهمية ذلك التصريح متذرعا بـquot;فكاهةquot; منطقة كوريز.

ولد هولاند في صيف 1954 في عائلة ميسورة في مدينة روان (شمال غرب) وبنى طموحه شيئا فشيئا وتخرج من كبرى المعاهد الواحد تلو الاخر. وفي المدرسة الوطنية للادارة، مهد النخبة السياسية الفرنسية، التقى الشاب هولاند سيغولين روايال التي تحولت الى رفيقة دربه طيلة 25 سنة وام ابنائه الاربعة. لكنها هي من دخلت الحكومة ولبست ثوب المرشحة الى انتخابات 2007 بينما اضطر هو الى البقاء في الظل.

ولا يتحدث هولاند الذي يغلب عليه الحياء، ابدا عن جروحه وعائلته، عن ابيه الطبيب العنيف المزاج والقريب من تيار اقصى اليمين، ولا عن امه التي كانت مساعدة اجتماعية تميل الى اليسار والتي اثرت فيه وفاتها سنة 2009 عندما كان يمر بمرحلة فراغ سياسي بعد التنحي عن قيادة الحزب الاشتراكي.

وبعد سنتين كان المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان، يطغى على جميع المرشحين في استطلاعات الراي حتى 14 ايار/مايو عندما اعتقل في نيويورك بتهمة التعدي الجنسي على عاملة تنظيف.

ويرى المحلل السياسي فريديريك ساويكي ان quot;ترشيح فرنسوا هولاند فرصة لم تكن في الحسبانquot; وبعد quot;اقصاء ستروس كان فاز هولاند على مارتين اوبري في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي، الامر الذي اضفى عليه شرعيةquot;.

ويعد الرجل الذي ينتمي بصراحة الى التيار الاجتماعي الديمقراطي ومن المدافعين عن الاتحاد الاوروبي والابن العقائدي لجاك ديلور، باصلاح ضريبي وعدالة اجتماعية. وبات هولاند يحظى بمصداقية. ويقول للفرنسيين الذين لا يثير اعجابهم كثيرا quot;لا تتأثروا باي شيءquot;، لكنه الوحيد الذي يطرح بديلا من نيكولا ساركوزي.