عبّر بعض الجامعيين الجزائريين في باريس من خلال إطار مدني شكلوه حديثًا، أصبح يعرف quot;بدائرة نجمةquot;، عن عدم ثقتهم في الوعود التي قدمتها السلطات الجزائرية في تنظيم انتخابات تشريعية حرة ونزيهة، واصفين دعايتها لهذه الانتخابات بكونها quot;تجتر خطابها القديمquot;.
الرئيس الجزائري بوتفليقة إلى جانب وزيره الأول أويحيى |
بوعلام غبشي من باريس: تساءلت quot;دائرة نجمةquot; في بيان لها، وصلت إلى إيلاف نسخة منه، quot;هل يسعنا أن نثق في خطاب الحكام من دون تحليل موضوعي للظروف التي ستجري فيها الانتخابات والوسائل التي ستستعملها السلطة السياسية لضمان حريتها ونزاهتها؟quot;.
ووقف البيان مطولاً عند الحرية وعلاقتها بهذه الانتخابات، موضحًا أنها من بين الشروط الأساسية في أي عملية انتخابية تؤمن فعلاً بالنزاهة والديمقراطية، معتبرًا أن quot;الحرية التي لا يمكن ربطها كليًا بنزاهة الانتخابات، تتضمن السمات الجوهرية للنظام السياسيquot;. بناء على ذلك، يدعو البيان إلى quot;تعطيل وإلغاء كل الوسائل القمعية في مراقبة المجتمع وضبطه، ولاسيما في ما يتعلق بأنشطته السياسية والنقابية وأنشطة جمعياته، لأن وجود الشرطة السياسية يتنافى مع تنظيم انتخابات حرةquot;.
كما يوصي quot;بوجود أحزاب سياسية مستقلة تمثل الفئات الاجتماعية المختلفة، وتكون لديها مشاريعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنظيم مناظرات عامة بين المتنافسين حول المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المواطنونquot;.
يؤكد البيان أنه quot;يجب أن تُستوفى هذه الشروط قبل فترة طويلة من الانتخابات حتى تستعد كل قوة سياسية لأن تنظّم نفسها، وأن يعرف أهل البلاد مشاريعها، فينتقون أنسب الخيارات التي تلبّي تطلعاتهاquot;، موضحًا أن quot;مشاهدة الساحة السياسية تكفي لإدراك أنه لم تستوف بعد أيّ شرط من شروط العملية الانتخابية السليمةquot;.
بالنسبة إلى quot;دائرة نجمةquot;، quot;تتطلب حرية الانتخابات احترام الحريات الديمقراطية، حتى يكون في وسع كل القوى الاجتماعية السياسية أن تجهر بمطالبها في الساحة السياسيةquot;، معتبرة quot;أنه بعد مرور عقود عدة من إنكار أكثر حقوق المواطنين أولوية، تبقى الحرية أقوى مطلب لهم، وليس عبر تعزيز سلطات وزير الداخلية على حساب الجمعيات والأحزاب ووسائل الإعلامquot;.
استعرضت quot;نجمةquot; في بيانها معوقات إجراء انتخابات بالشروط المتعارف عليها ديمقراطيًا في الجزائر، من تحضيرات لها والأجواء المحيطة بها، وطبيعة عدد من الأحزاب المشاركة فيها، وكذا تعذر كل من الإدارة والقضاء للاضطلاع بدور الحياد الإيجابي فيها، بسبب ما تعتبره quot;تبعيتهما للسلطات السياسيةquot;.
ويخلص البيان إلى القول إنه quot;يصعب علينا اليوم اعتبار الانتخابات التشريعية التي ستجري في أيار/مايو 2012 حرة ونزيهة حسب ما تدعيه أعلى السلطات في البلاد. فهي تبدو كأنها وسيلة لإعادة ترتيب فوقية للمسرح السياسي، وما من شيء في الانتخابات المقبلة يبدو ممهدًا للشروع في الانتقال الديمقراطيquot;.
كما ترى quot;دائرة نجمةquot;، بحسب ما ورد في البيان نفسه، أن quot;الانتخابات لن تختلف عمّا كانت عليه دائمًا، كأي نوع من حوار السلطة مع نفسها وإعادة توزيع للأوراق ستوصف بأنها تغييرquot;.
دحماني: المجتمع الجزائري رهينة البوليس السياسي
يؤكد الباحث الجامعي والحقوقي أحمد دحماني أن quot;الشروط التي ستنظم فيها هذه الانتخابات غير مرضية، سواء تعلق الأمر بالحرية أو الديمقراطية. فالمجتمع الجزائري رهينة البوليس السياسي، ولا يمكن تنظيم انتخابات في ظل هذه الأجواء، زيادة على غياب النقاش علنًا وبحرية في الجزائرquot;.
يتابع دحماني، وهو من مؤسسي quot;دائرة نجمةquot;، مفسرًا رأيه لإيلاف أن quot;هناك من نادى بمقاطعة الانتخابات، وكان مصيره الاعتقال، وفي بعض الأحيان السجن. هناك نظام شمولي يتغير على مستوى الشكل، لكن الجوهر يبقى نفسهquot;.
ونفى محدثنا أن تكون quot;نجمةquot; تلقت على ضوء بيانها quot;أي رد فعل من قبل الدوائر الجزائرية المسؤولة، ولا حتى الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابيةquot;، مفسرًا ذلك بكون quot;هناك من يعتقد أننا ننادي من أجل مقاطعة الانتخابات، وهذا غير صحيح، فكل ما نحاول القيام به ما هو إلا تشخيص لوضع سياسي معين، مع إبداء رأينا فيه، علمًا أن مقترحاتنا نشرت على جريدة جزائرية كبيرة، تجاوب معها إيجابًا الجزائريونquot;.
ويعترف دحماني أن quot;هذه الانتخابات تنظم في توقيت عادي، يحترم موعد الانتخابات التشريعيةquot;، مستدركًا بقوله quot;لكن الحكومة الجزائرية كما كان شأن الحكومة المغربية استبقت الأحداث، ونادت بالإصلاح. الديمقراطية بالنسبة إليها بدأت منذ 1988، والآن يجب فقط تسريع العملية الديمقراطية وتعميقهاquot;.
quot;الجزائر ستبقى هي نفسها بعد الانتخاباتquot;
عن التشكيلة الحكومية التي قد تفرزها التشريعيات الجزائرية، يقول هذا الباحث الجامعي، quot;يمكن لها أن تعطي حكومة وطنية إسلامية، تتكون من الجبهة وإسلاميين عرفوا بمجاراتهم للسلطة كحمسquot;. إلا أنه، يضيف في السياق عينه، إن quot;مشاكل الجزائر ستبقى نفسها. هذه الانتخابات لا يهتم بها الجزائريون، حيث من المنتظر أن تسجل معدلاً كبيرًا بخصوص نسبة الممتنعين عن التصويت، وإن كان حضور مراقبين دوليين لها سيعقّد من مهمة تزويرها بالنسبة إلى النظام، إلا أن عددهم قليل، ولا يمكن لهم أن يراقبون العميلة الانتخابية برمتهاquot;.
يستبعد دحماني أن يخلق أحد أحزاب المعارضة المفاجأة في هذه الانتخابات، هذا في حالة إن مرّت فعلاً في أجواء شفافة ونزيهة. والتنظيم السياسي الوحيد الذي بإمكانه أن يحقق ذلك، يقول هذا الحقوقي، quot;هو جبهة القوى الاشتراكية، التي ظلت تدعو إلى المقاطعة لسنوات، إلا أنها فاجئتني أنا شخصيًا كما فاجأت العديد من الجزائريين بانخراطها في هذه الانتخابات مقدمة تبريرات لذلك غير مقنعةquot;.
quot;المعجزة الوحيدةquot; التي يعتقد فيها، يوضح ضيفنا، quot;هي أن يتعبأ الجزائريون سلميًا، ولو أنه من الصعب جدًا ذلك، لأن النظام لا يتساهل مع هذه الأمور، ويقمع هذه التحركات. يمكن أن أحلم. لكن ما أخشاه هو أن يستمر كابوس الجزائريين أكثر. وأفضّل بهذا الخصوص السيناريو التونسي.الجزائريون شرعوا في تنظيم أنفسهم، والخروج من الانغلاق على ذواتهم للمطالبة بالحرية والديمقراطيةquot;.
حول الطريقة التي تشكلت بها quot;دائرة نجمةquot;، يشرح دحماني، أنه quot;منذ سنتين كنا نلتقي نحن مجموعة من الجامعيين المهتمين بالشأن الجزائري، ونتبادل النقاش حول مشاكل الجزائر، فتوصلنا عقب اندلاع الانتفاضات الشعبية في عدد من الدول العربية وتظاهرات في الجزائر إلى هذه الطريقة إلى أن ندلي بدلونا في ما يهمّ شؤون البلدquot;.
وعن طبيعة أبعاد العناصر المكونة quot;للدائرةquot;، يؤكد الباحث الجزائري، quot;هي أطر جامعية ليست لها أية طموحات سياسية، وإنما تنصهر في إطار فكري يهدف إلى خلق النقاش بخصوص الشأن الجزائري والإسهام فيهquot;.
التعليقات