اتهامات بالتزوير في الجزائر والسلطة تلوذ بالصمت

بعد 48 ساعة على إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر، لا يزال الموعد يفرز الكثير من الضجيج حول ما يسميه مراقبون وساسة ناقمون quot;تزويرًا مفضوحًاquot; في الاقتراع الأكثر جدلاً في الجزائر هذا العام.
في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، يقول معارضون إنّ السماح لأفراد الجيش وسائر الأسلاك الأمنية بالتصويت في أكثر من جهة، أسهم في تضخيم حصص الحزب الحاكم والتلاعب بنسبة المشاركة، ويشير هؤلاء إلى مليون صوت وهمي.


الجزائر: يبدي quot;محمد صدّيقيquot;، رئيس اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات التشريعية استياءه العميق تجاه الشوائب التي طبعت الموعد، ويحصي محدثنا ما لا يقلّ عن 160 تجاوزًا رصدها ناشطو اللجنة عبر الولايات الـ48، وتعددت التجاوزات بين الإخلال بقانون الانتخابات كاصطدام ناخبين مسجلين بعدم وجود أسمائهم في المكاتب التي كان يُفترض أن ينتخبوا فيها، وجود صناديق غير مشمّعة، حالات تزوير، نقص في أوراق التصويت، استخدام البعض اعتداءات جسدية ضدّ مراقبي التشكيلات، وكذلك الإقدام على انتحال صفات أعضاء في مكاتب التصويت، فيما لم يجد بعض ممثلي الأحزاب حرجًا من ممارسة دعاية علنًا في بعض مراكز الاقتراع.

فيما اكتفى رئيس بعثة ملاحظي الاتحاد الأوروبي الإسباني quot;إناسيو سانشيز سالافرانكاquot; بمعاتبة محتشمة على عدم تمكين فريق المراقبين من الاطلاع على سجلات الناخبين، قال قائد المراقبين المحللين quot;محمد صدّيقيquot; إنّ الخروقات لم تنحصر في منطقة أو اثنتين، وبرزت على نحو خاص في 10 ولايات هي: الجزائر العاصمة ndash; بومرداس - تيزي وزو - الشلف ndash; تلمسان ndash; الجلفة ndash; سطيف ndash; المسيلة ndash; وهران ndash; مستغانم، وإذ يشدّد صديقي على أنّ كل الخروقات المدوّنة جرى الإبلاغ عنها، وسيتضمنها التقرير النهائي للجنة بعد أيام،مستغرباً إعلان وزير الداخلية quot;دحو ولد قابليةquot; النتائج عصر الجمعة الماضية في وقت كان الفرز مستمرًا في عديد المكاتب !
بحسب إفادات كل من quot;كمال ميدةquot;، المتحدث باسم التكتل الأخضر (ائتلاف إسلامي)، وquot;عبد الرزاق مقريquot;، الرقم الثاني في حركة مجتمع السلم ndash; أحد أضلاع التكتل المذكورndash; فإنّ النتائج الحقيقية للإنتخابات كانت عرضة لتزوير صارخ استفاد منه حزبا الإدارة ndash; في إشارة إلى جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي-، ويستند ميدة ومقري إلى ما حصل في الجزائر العاصمة التي سيطر فيها التكتل الأخضر ونال 25 مقعدًا قبل أن تتدخل الآلة الإدارية لتقلصها إلى 13 مقعدًا فقط.

حمّل الرجلان المسؤولية لما سمياه بـquot;مخابر متخصصةquot; تفننت ndash; بحسبهما - في التزوير عبر الولايات وكذلك في هياكل ومؤسسات الدولة، وهو كلام أيّده quot;عبد الله جابق اللهquot;، زعيم حركة العدالة والتنمية، رافضًا أن تسمى انتخابات العاشر مايو بالاقتراع، فهي مسرحية سيئة الاخراج بنظره، بينما وصفت quot;لويزة حنونquot;، زعيمة حزب العمال ما حصل في العاشر من أيار (مايو) بـquot;الانقلابquot; على الإرادة الشعبيةquot;، ما سيلقي بظلاله على المرحلة المقبلة في البلاد، طالما أنّ quot;تقاليد التزويرquot; لا تزال قائمة على حد ما قاله مقري وجاب الله.
على النسق ذاته، يؤكد quot;عبد المجيد مناصرةquot;، رئيس جبهة التغيير (حزب إخواني اكتفى بأربعة مقاعد)، أنّ انتخابات الخميس المنقضي تخللتها خروقات عديدة لاسيما في مجال الانتخاب بالوكالة، وذهب الوزير الأسبق للصناعة إلى حد اتهام وزير داخلية بلاده، بكونه quot;مهداً للتزويرquot; عبر تصريحات أطلقها عشية الانتخابات، ما يعني ndash; يعلّق مناصرة - أنّه كانت هناك quot;ثمة برمجة للتزويرquot;.

يعتقد مناصرة بلغة الجزم أنّ التزوير تمّ في ثكنات الجيش والقوى الأمنية، حيث مكّنت quot;الصناديق الخاصةquot; العسكريين من التصويت ثلاث مرات، على حد قوله ما أنتج مليون صوت إضافي وهمي، على الأقل، كما يدرج مناصرة عاملاً إضافيًا يتعلق بعدم انسجام تحصيل الأصوات مع المقاعد حسابيًا، مستدلاً بأنّ مرشح ما قد ينجح في نيل ألفي صوت في العاصمة دون أن يشفع له ذلك في نيل مقعد، بينما قد يظفر مرشحون بعشرات المقاعد في ولايات أخرى رغم نيلهم أصواتًا أقل، ويعود ذلك لنظام الاقتراع النسبي المعتمد حاليًا.
أشار مناصرة إلى أنّه لا يمكن الحكم على الانتخابات بالتزوير لأنها أكبر من التزوير، فكل المراحل والمعطيات كانت مزيفة حيث أن نصف الشعب، بحسبه، لم ينتخب، والانتخابات أفرغت من محتواها الاستحقاقي لأن أدوات التزوير المتوفرة في يد السلطة قد مورست، رغم الصعوبات أمام الرأي العام ويقظة الشعب ونضج الأحزاب.
رغم حرص قوى المعارضة على قطع دابر التزوير وإبطال مفعول الأدوات المستخدمة في التحايل على الارادة الشعبية، إلاّ أنّ المحظور وقع ndash; مثلما يؤكد مناصرة ndash; عبر: التسجيلات الجماعية لأفراد الجيش، الاستعمال المتكرر وغير القانوني للوكالات (تقدر بمئات الآلاف)، المراقبة الافتراضية وإفراغ مكاتب التصويت من مراقبة الأحزاب، عدم تغيير مؤطري المكاتب والمراكز، الإشراف الإداري المتحزب لأن الإشراف القضائي لم يكن حقيقيًا، رفض مقترحات الأحزاب السياسية أبرزها الورقة الواحدة، تطهير القوائم الانتخابية، وتقديس نسبة المشاركة ورفعها إلى الضعف.

بدوره، يشجب quot;سمير العرابيquot;، المتحدث باسم حزب العمال الاشتراكي، مسارعة السلطة إلى الإعلان عن النتائج الرسمية قبل انتهاء عمليات الفرز وضبط محاضرها، معتبرًا النتائج التي كرّست الانتصار الساحق لحزب الغالبية quot;جبهة التحريرquot; وحليفها التقليدي quot;التجمع الوطني الديمقراطيquot;، خيالية وغير مقبولة.
بنظر العرابي، لم يتجاوز رصيد القوى المذكورة الـ15 في المئة من العدد الإجمالي للمسجلين، فضلاً عن حدوث انتهاكات عبر كامل البلاد، مثل منع حضور رؤساء اللجان البلدية ومراقبي القوائم داخل مكاتب التصويت، عدم تسليم محاضر الفرز للمفوضين قانونًا في معظم البلديات، التصويت بالوكالة بأعداد كبيرة جدًا، واستخدام اعتداءات جسدية ضد مترشحين ومراقبين، وهي تجاوزات تطعن في صدقية العملية الانتخابية والنتائج المعلن عنها، وتجعل هذا الاقتراع لا يمثل مخرجًا للأزمة.

فتوى قانونية

في سياق متصل، كشف مصدر مطّلع ndash; طلب عدم ذكر اسمه ndash; إنه خلافًا لما تروّج له السلطات عن اقتراع شفاف، فإنّ التجاوزات كانت كثيرة إلى مستوى التلاعب بأصوات الناخبين وتحويلها لصالح قوى الموالاة، وهي اتهامات رفض ممثلو الداخلية الجزائرية الردّ عليها.
في هذا الصدد، أسرّ مصدرنا أنّ النتائج الحقيقية تضمنت فوز جبهة التحرير بـ130 مقعدًا، تكتل الجزائر الخضراء (إئتلاف إسلامي) بـ90 مقعدًا، وحلّت القوى الاشتراكية (حزب أمازيغي) بـ60 مقعدًا، ثمّ التجمع الوطني الديمقراطي بـ29 مقعدًا، لكن دوائر القرار رأت غير ذلك، وفرضت منطقها بعدما جرى تأخير إعلان النتائج بأربع ساعات كاملة، لتنقلب الآية ويحصد الحزب الحاكم 220 صوتًا بينما قفز التجمع الديمقراطي إلى الصف الثاني ليتركا الفتات للبقية.
وبحسب مصدرنا، فإنّ أهل الحلّ والعقد اعتمدوا على quot;فتوى قانونيةquot; مكّنت الحزب الحاكم من غالبية الأصوات، حيث تمّ توزيع المقاعد وفقًا للقواعد والإجراءات التسلسلية التالية: حساب الأصوات المعبر عنها بخصم عدد الأصوات الملغاة من عدد الناخبين المصوتين، حساب نسبة 5 في المئة من الأصوات المعبر عنها لاستبعاد القوائم التي لم تتحصل على هذه النسبة من سباق الحصول على المقاعد المطلوب شغلها، جمع عدد الأصوات التي تحصلت عليها القوائم التي لم تصل إلى الحد القانوني المقدر بـ5 في المئة وخصمها من عدد الأصوات المعبر عنها للحصول على عدد الأصوات التي وُزعت بمقتضاها المقاعد المطلوب شغلها، ضبط قائمة النساء الفائزات وفقًا للنسبة المخصصة للمرأة في كل دائرة انتخابية، ثمّ إستخراج المقاعد المخصصة وجوبًا للمرأة، وذلك بحاصل عملية ضرب عدد المقاعد في النسبة المخصصة للمرأة.

خطأ الأحزاب؟

يعتقد المحلل السياسي quot;هيثم ربانيquot; أن الخطأ من البداية كان خطأ الأحزاب ولو بنسبة معينة، ذلك أنهم قبلوا بنسبة إلغاء نتائجهم في أي ولاية انتخابية إذا ما تدنت عن 5 في المئة، من ناحية أخرى قبلوا أيضًا بمبدأ القرعة في اختيار مراقبي الصناديق الذين قررت وزارة الداخلية أن لا يتجاوز عددهم خمسة في كل مركز، على اعتبار أن عدد الأحزاب المشاركة وهو 39 ولا يسمح بوجود 39 شخصًا داخل كل مركز، فتقرر وجود خمسة مراقبين عن أي حزب يفوز بالقرعة.
يقدّر رباني أنّ الأحزاب التي تشتكي، تدرك جيدًا أنّ عدم تمثيلها في المئات من مراكز التصويت وقبولها بهذا الأمر قبل يوم الانتخاب، معطيان يجعلانها لا تلوم إلاّ نفسها على ارتضاء لعبة من هذا النوع منذ البداية، واللوم عليها لا على الأحزاب الفائزة، ثم إنهم حتى ولو طعنوا في النظام برمته فهذا لن يفيدهم شيئًا إلا لو قرروا الانسحاب بما فازوا به من نواب، وهذا أمر مستبعد ولو كان ممكنًا.