تطرح قضية موت الرضيعة غنى محمود هوانة التي عُنّفت وكُسرت أضلعها أكثر من علامة استفهام حول من قام بهذا العمل الاجرامي، وبالتالي من المسؤول اليوم عن حماية الطفولة في لبنان والمحافظة على حياتها من أي عمل همجي.


بيروت: إلى مستشفى سانت تريز في الحدث نُقلت رضيعة في الشهر الثالث، وصلت الطفلة ميتة وجثة بلا روح، كانت مضرّجة بدمائها، والكدمات تملأ جسدها الصغير، كذلك أضلعها محطّمة وكسورٌ كثيرة في رأسها، الغريب ان الطفلة لم تكن في جوّ مشحون بالحرب والقذائف بل كانت في منزل والديها، ورغم ذلك، يقول الطاقم الطبي، توفيت الرضيعة نتيجة الضرب. مشهد الطفلة كان مؤلمًا لكل من رآها في المستشفى، وحتى الذي لم يشاهد الجثة الصغيرة، وجد صعوبة في إعادة رسم صورة لها في مخيلته.

معاينة جثة الطفلة غنى محمود هوانة أظهرت وجود 20 كسرًا في أنحاء مختلفة من جسدها، كما بيّنت آثار خنق حول رقبتها وكسور في رأسها، كما وُجدت آثار لكدمات حديثة وأخرى قديمة، ولا تزال التحقيقات جارية في أسباب ومفتعلي هذه القضية.

هذه ليست القصة الوحيدة، فكثيرةٌ هي حالات العنف الممارَس على الأطفال في لبنان وأحيانًا من أقرب الأقرباء، في المنزل أو في المدرسة أو في المحيط والشارع، وغالبًا ما تكون هذه الحالات غير مرئية.

مفهوم العنف

ثمة تعريفات عدة للعنف منها ما ورد في المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل بأنه quot;أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو العقلية أو الإهمال أو الإستغلال كافة، بما في ذلك الإساءة الجنسيةquot;.

وفي تقريرها العالمي عن العنف والصحة (2002) تعرّف منظمة الصحة العالمية العنف بأنه quot;الإستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية، المهدّد بها أو الفعلية، ضد أي طفل من قبل أي فرد أو جماعة، وتؤدي الى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الطفل أو لبقائه على قيد الحياة أو نموه أو كرامتهquot;.

ويتناول التقرير الإقليمي للمنظمة الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فيفيد بأن البيانات حول حجم العنف ضد الأطفال قليلة بشكل عام وهذا يرجع الى أسباب عدة، منها ما هو ناجم عن حساسية هذه القضية خصوصًا داخل الأسرة، ومحدودية التبليغ عن مثل هذه الحوادث، وعدم توافر آليات فاعلة للتبليغ. بالإضافة الى غياب الثقة في إمكان التصدي لهذه المشكلة، وغياب الوعي للآثار السلبية لهذه الممارسات على الأطفال وكذلك لمفهوم حقوق الطفل، وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم المؤشرات يؤكد تزايد حجم العنف الموجّه ضد الأطفال في الوطن العربي وأنماطه، بما في ذلك لبنان.

تصنيف العنف

تصنّف الاختصاصية في علم الاجتماع لارا حداد أنواع العنف ضد الأطفال وتميز بين أربعة منها أساسية هي:

اولاً العنف الجسدي، أي الإعتداء الذي يُلحق الأذى بجسم الطفل سواء باستخدام اليد أو أي وسيلة أخرى، وينجم عن ذلك إصابته برضوض أو كسور أو جروح، وقد يصل العنف الجسدي الى حد القتل.

أما المفارقة فهي أن نسبة غير قليلة من الناس ما زالت تعتمد الضرب والأذى الجسدي كوسيلة لتأديب الأطفال.

ثانيًا العنف الجنسي (أو الإعتداء الجنسي)، هو شكل من أشكال العنف الجسدي، ويُقصد به استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لشخص آخر، وهذا يؤدي بلا شك الى آثار سلبية خطيرة على الطفل.

ثالثًا العنف العاطفي، وهو إلحاق الضرر النفسي والاجتماعي بالطفل، من خلال ممارسة سلوك ضده يشكل تهديدًا لصحته النفسية، بما يؤدي الى قصور في نمو شخصيته، واضطراب في علاقاته الاجتماعية بالآخرين.

ومن أشكاله حرمان الطفل من الحب والحنان والرعاية والحماية والشعور بالأمن والأمان، وحرمانه من حقه في التعليم واللعب، وكذلك القسوة في المعاملة أو التدليل الزائد والحماية المسرفة.

رابعًا الإهمال وهو فشل الأسرة والمدرسة في إشباع احتياجات الطفل البيولوجية (غذاء، كساء، مأوى)، والنفسية (الأمان، الرعاية، الصحة، التعليم، التربية) أو ضعفها ما يحرم الطفل من حقه في تنشئة اجتماعية سليمة.

أسباب ونتائج

ما هي أسباب ونتائج العنف ضد الأطفال؟ تجيب حداد:quot; تختلف وتتنوع أسباب ممارسة العنف ضد الأطفال، أما النتيجة فواحدة، الأطفال ضحايا العنف يصابون بأضرار نفسية وجسدية وعاطفية خطيرة، وإذا لم يجدوا من ينتشلهم من الدّوامة التي يعيشون فيها فإن كلاً منهم يشكّل مشروع منحرف أو مجرم.

بعض أسباب ممارسة العنف ضد الأطفال مردّه الى المجتمع وبعضه الآخر الى الأسرة أو المدرسة، أو حتى الطفل نفسه في حال معاناته خللاً عقليًا أو نفسيًا أو أيضًا في حال عدم ثقته بنفسه أو كونه بطبعه ولدًا عنيدًا.

كيف يتعاطى المجتمع اللبناني بمؤسساته الرسمية والمدنية مع ضحايا العنف من الأطفال؟

تجيب :quot;من الناحية القانونية صدّق لبنان على المعاهدات والاتفاقيات التي تحمي حقوق الطفل، وتتضمن التشريعات اللبنانية قوانين في هذا الإطارquot;.

ويشكّل المجلس الأعلى للطفولة في لبنان (تابع لوزارة الشؤون الإجتماعية) المرجعية الوطنية المعنية بمشاكل الأطفال وكل ما يتعلق بحقوقهم.

بموازاة هذا المجلس كمرجعية رسمية ثمة عدد كبير من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بقضايا الطفولة، والتي تمد يدها للمعنَّفين والمهمَّشين لتنتشلهم من واقع مرير ظالم، وتعيد اليهم الأمل بحياة تراعي حقوقهم كأطفال.

وبين المرجعيتين الرسمية والأهلية يقع دور الاتحاد لحماية الأحداث وهو جمعية ذات منفعة عامة تعمل لصالح الأحداث وتتمتع بصلاحيات تخوّلها التدخل لحمايتهم.