الوفد الايراني يزور الرئيس بشار الأسد

تميل حكومة طهران إلى مداهنة المعارضة السورية، للحفاظ على وضعيتها في سوريا ولبنان حال سقوط نظام بشار الأسد، وترى التحليلات السياسية في دمشق وبيروت أن مؤشرات سياسة إيران الجديدة لاحت في الأفق، بعد التراجع الروسي النسبي في دعم النظام السوري، واستخدام موسكو للفيتو اكثر من مرة لصالح الأسد دون جدوى.


على العكس مما تروج له حكومة طهران من دعم وتأييد لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، تستعد الدولة الفارسية لليوم الذي يلي سقوطه عبر إجراء اتصالات مع القوى السياسية المعارضة في سوريا ولبنان، لضمان مكانة إيران في البلدين بعد الاطاحة بالأسد، وربما يزيد من هذا الاعتقاد، التقرير المطول الذي نشرته صحيفة هاآرتس العبرية، إذ تقول إن المنظومة الدبلوماسية التي تبادر اليها حكومة طهران في الوقت الراهن، تؤكد إعادة ترتيب أوراقها مع القوى السورية واللبنانية المعارضة لنظام الأسد، فبالأمس القريب، زار بيروت مستشار الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، وفي المقابل قام وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بزيارة مماثلة لتركيا، التقى خلالها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وقادة حكومته.

مركز ثقل يوازي الجبهات المعارضة للأسد

كما ستشهد العاصمة طهران مؤتمراً، يحضره العديد من الدول المعنية بالشأن السوري، ومن المقرر أن تشارك فيه دول مثل الصين وروسيا، لخلق مركز ثقل يوازي الجبهات المعارضة للنظام السوري، في حين تصف المعارضة السورية هذا الاجتماع بـ quot;مؤتمر حماية النظام السوريquot;.

وفي إطارها الرسمي استهدفت مباحثات مستشار الأمني القومي الإيراني في دمشق وبيروت ومع حسن نصر الله أمين عام حزب الله، إيجاد السبل الكفيلة لوضع حلول جذرية للأزمة السورية عبر القنوات السياسية، أما في أنقرة فانصبت مباحثات وزير الخارجية الإيراني على التفاوض مع تركيا حول ضرورة إقناع الجيش السوري الحر، بإطلاق سراح عشرات المواطنين الإيرانيين، الذين اختطفتهم عناصر الجيش.

وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي بدأ زيارته الى تركيا بقدمه اليسرى بحسب تعبير الصحيفة العبرية، إذ استبقت زيارته تصريحات هجومية، أطلقها قائد الأركان الإيراني الجنرال حسن برفيز ابادي، حينما حذر الأتراك وحلفاءهم من مغبة الاستمرار في سياستهم الحالية المناوئة للنظام السوري، فلاقت تلك التصريحات استنكاراً بالغاً من قبل وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو، الأمر الذي يؤكد تباين وجهات النظر داخل المؤسسة الحاكمة في طهران عينها، واحتل هذا التباين مركز المباحثات التركية الإيرانية خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة.

على النقيض من ذلك، ذهبت التحليلات اللبنانية والسورية العلنية إلى أن الهدف الحقيقي من الزيارتين الإيرانيتين لأنقرة ولبنان هو سياسة طهران الجديدة، الرامية إلى الحفاظ على الوضعية الإيرانية في سوريا ولبنان بعد سقوط نظام بشار الأسد، فإيران - على ما يبدو ndash; تعي أن روسيا بدأت في التراجع عن مواقفها السابقة، وأن الائتلاف الداعم للرئيس السوري بات في الطريق إلى السقوط، خاصة أنه لم يرد عن حكومة موسكو خلال الأسبوعين الماضيين ما يفيد بثباتها على موقفها الداعم للنظام السوري، فبعد أن استخدمت حق الفيتو اكثر من مرة ضد قرارات مجلس الأمن الخاصة بدمشق، وفي أعقاب فشل مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان في التوصل إلى حل للإشكالية السورية، فضلاً عن الانتقادات الدولية التي واجهتها على خلفية موقفها من النظام السوري، قررت حكومة موسكو أن تتوارى وتخفف من مواقفها الداعمة لنظام الأسد، ليس فقط من اجل ضغوطات المجتمع الدولي، وإنما في ضوء الحقيقة التي تؤكد أن الأسد لم يعد مسيطراً على بلاده، فضلاً عن احتمالات تردي أداء أجهزة الأمن الداخلي السورية واقتراب سقوطها هي الاخرى.

قلق إيراني يفوق نظيره الروسي

وبموجب تلك المعطيات، رأى الصحافي الاسرائيلي quot;تسيفي بارئيلquot; أن إيران تتبع السياسة الروسية عينها، وتتخذ من دبلوماسيتها محركاً لبناء آخر ائتلاف يمكن أن تساند به الرئيس السوري، غير أن القلق الإيراني يفوق نظيره الروسي، إذ تدرك إيران أن أي نظام جديد في سوريا بعد نظام الأسد، لن يتردد في دعم علاقاته السياسية وغير بموسكو، وهو الأمر الذي يختلف بالنسبة للدولة الفارسية، إذ تقف quot;حسابات الدماءquot; حائلاً بين إيران والمعارضة السورية، فلم يتورط الضباط الروس في مشاركة نظرائهم السوريين في سفك دماء الشعب السوري كما فعل الإيرانيون، فضلاً عن أن نشطاء الدولة الفارسية سبق وقدموا الدعم والاستشارة للضباط السوريين، كما أن إيران تواصل ضخ مبالغ مالية ضخمة في خزينة النظام السوري، وليس ذلك فحسب وانما تعتبر إيران والنظام السوري جزءاً واحداً من الكتلة الشيعية التي تعمل ضد الاغلبية السنية السورية.

إيران تستعد لمرحلة ما بعد الأسد



ووفقاً للتصريحات العلنية التي أطلقها مستشار الأمن القومي الإيراني جليلي، فإن إيرانما زالت حتى الآن موالية للنظام السوري، غير أنه بحسب صحيفة هاآرتس، بات على حكومة طهران المفاضلة بين خيارات أخرى وبشكل عاجل، إذ برهنت العديد من الشواهد أن الدولة الفارسية تسعى الى خلق قنوات من التواصل مع الدوائر السورية واللبنانية المعارضة في إطار بالغ من السرية، كما ستزيد طهران من تلك الاتصالات خلال الفترة الانتقالية التي تلي سقوط نظام بشار الأسد، إذ تشير تقديرات سياسية إلى أنه من الممكن أن تستغل إيران الأقلية الكردية في سوريا لخلق موقع لها على خارطة سوريا ما بعد الأسد، وهو الامر الذي سيؤثر سلباً على تركيا، ومن الممكن أن تلعب إيران ايضًا بورقة الاخوان المسلمين في سوريا، ليؤثر ذلك على النظام التالي لنظام الأسد، ولعل ذلك هو ما فعلته حكومة طهران في العراق ولبنان وحاولت أن تفعله في اليمن، فإذا ما تبنت إيران تلك السياسة فإن ذلك قد يحول بحسب التقديرات الاسرائيلية دون تشكيل حكومة سورية بديلة، لكي تطول المرحلة الانتقالية التي تلي نظام الأسد، وربما يؤدي ذلك إلى سفك المزيد من الدماء والفوضى في الشارع السوري.