تظاهرة ضد الدعم الروسي للأسد أمام السفارة الروسية في ستوكهولم في 8 آب (أغسطس) 2012

في الوقت الذي يشن فيه الرئيس السوري بشار الأسد حملة دامية للبقاء في الحكم، تعزز واشنطن استعداداتها لمرحلة ما بعد نظامه، مستفيدة من الدروس بعد غزو العراق في العام 2003.


واشنطن: لا يعلم المسؤولون الاميركيون الكبار الى متى يمكن أن يتمسك الرئيس السوري بشار الأسد بالنظام في مواجهة هجمات المعارضة، الا أنهم يصرون على أن رحيله لا مفر منه ويقولون إن الحذر يحتم ضرورة الاستعداد لمشاكل السياسة الخارجية التي لن يكون من الممكن تفاديها لاحقًا.

وتدعو واشنطن منذ فترة طويلة الى مرحلة quot;انتقاليةquot; في دمشق، الا أن انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب هذا الاسبوع عزز الآمال المتزايدة بأن نظام الأسد شارف على الانهيار. وصرحت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في جنوب أفريقيا الثلاثاء quot;يمكننا أن نبدأ بالحديث والاستعداد اكثر لما سيحصل لاحقًا، غداة انهيار النظامquot;. واضافت quot;اعلم أن هذا سيحصلquot;.

وتغلب على السيناريوهات المتوقعة في سوريا بعد الأسد حتى الآن الاسئلة الصعبة اكثر من وجود اجوبة. وهناك مخاوف من انهيار الدولة ونشوب حرب طائفية وانعكاسات امنية اقليمية بالاضافة الى أزمة انسانية. واحتمال ان يحصل كل ذلك في اوج حملة الرئيس باراك اوباما لاعادة انتخابه امام منافسه الجمهوري ميت رومني، ما يعطي البيت الابيض دفعًا آخر للاستعداد لأسوأ الاحتمالات وايجاد حلول ممكنة لها.

ومن بين دروس الربيع العربي، أن القوى الهائلة التي تحركت غالبًا ما تحدت جهود الدول الغربية لمواكبتها مما جعل المسؤولين يواجهون صعوبات لاعتماد سياسات جديدة تستجيب للتطورات المتسارعة. وشددت كلينتون وغيرها من كبار المسؤولين مرارًا على ضرورة عدم المساس بمؤسسات الدولة السورية حتى تظل الدولة متماسكة بعد الاطاحة بنظام الأسد.

ويقول مسؤولون إن المداولات في الولايات المتحدة تستند بشكل جزئي الى دروس غزو العراق عندما أدت حملة اميركية لاجتثاث البعثيين الى استبعاد مسؤولين من الحزب الحاكم مما ساعد على تضافر شروط الفوضى واعمال العنف والتمرد التي اندلعت لاحقًا.

وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني quot;من المنطق القول إن من المفيد النظر الى التجارب السابقةquot;، الا أنه اشار الى أنه وبالقياس الى ما حصل في الربيع العربي، فإنه لا يوجد قالب واحد ينطبق على كل الثورات الاقليمية.

واقرت ريفا بالا الخبيرة لدى منظمة ستراتفور للتوقعات الجيوسياسية أن تجربة واشنطن المؤلمة في العراق تجعل المسؤولين الاميركيين يتريثون في تقييمهم وهم يحددون ما سيكون عليه المستقبل في سوريا. واضافت أن quot;الولايات المتحدة مدركة تمامًا لعواقب حملة اجتثاث البعثيين في العراقquot;.

ومضت تقول إن quot;الولايات المتحدة تفضل الا ينهار النظام فجأة في سوريا مما قد يحتم عليها (الولايات المتحدة) التدخل عسكريًا لتأمين مخزونات الاسلحة الكيميائية قبل وقوعها في أيدي جهاديين وعناصر مدعومين من ايرانquot;.

وفي حال انهيار نظام الأسد، يقول المسؤولون إنه من الضروري الحفاظ على الخدمات الاساسية مثل المياه والكهرباء مما يتطلب بقاء تكنوقراط غير متورطين مع اعوان الأسد السياسيين. وخلافاً للعراق، فإن الاستعداد للمستقبل في سوريا لن يقتصر على الولايات المتحدة فهي تجري حواراً مع حليفيها الاساسيين تركيا والاردن وغيرهما من القوى الاقليمية لاحتواء التأثير الاستراتيجي لايران.

وتباحث اوباما مرارًا في النزاع السوري مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وحلفاء الولايات المتحدة الاوروبيين. ومن المقرر أن تعود كلينتون الى تركيا في نهاية هذا الاسبوع.

والاسبوع الماضي، زار وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا الاردن للتباحث في الوضع في سوريا بعد الأسد مع الملك عبد الله الثاني. كما التقى السفير الاميركي السابق الى دمشق روبرت فورد مع مسؤولين بارزين من المعارضة السورية في القاهرة.

وفي الوقت الذي تلتزم فيه واشنطن بعدم تسليح المعارضة في سوريا، فإن هناك اشارات واضحة بأن الولايات المتحدة تؤدي دوراً اكبر. واشارت تقارير الاسبوع الماضي الى أن اوباما وقع وثيقة تجيز لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية القيام بنشاطات سرية لدعم المعارضة المسلحة في سوريا.

كما قدم 12 مليون دولار اضافية على هيئة مساعدات انسانية للمدنيين السوريين. وقال مسؤول اميركي رفيع المستوى quot;إنه وضع انساني خطير ونحن نتكلم عن نصف مليون شخص يعانون من الجوع. كما هناك عشرات آلاف الاشخاص الذين يفرون عبر الحدودquot;.

وقدمت واشنطن ايضًا ما قيمته 25 مليون دولار من ادوات الاتصالات والمعدات الطبية للمقاتلين المسلحين في سوريا. وتواجه الجهات الخارجية التي لها دور في مستقبل سوريا مجموعة من المشاكل تتراوح بين التحقق من مخزون الاسلحة الكيميائية ومراقبة قدرات المعارضة المفككة وكيفية الانتقال نحو بناء المؤسسات السياسية.

كما تواجه هذه الجهات احتمال أن يؤدي انهيار نظام الأسد الى وقوع اعمال عنف أثنية وطائفية وغياب السلطة الذي يمكن أن تستغله مجموعات مثل تنظيم القاعدة. ويمكن أن يؤدي انفجار الوضع على هذا النحو وربما بدعم من ايران الى انتقال انعدام الاستقرار الى المنطقة المتوترة اصلاً مما يمكن أن يهدد اسرائيل والاردن ولبنان الذي شهد سابقًا حربًا اهلية.

واشار العاهل الاردني الى احتمال آخر وهو أن يلجأ الأسد الى معقل الطائفة العلوية في شمال غرب سوريا واقامة كيان فيه في حال سقوط نظامه. وقال الملك عبد الله الثاني quot;بالنسبة لنا اعتقد أن ذلك سيكون أسوأ سيناريو -- لان ذلك يعني انقسام سوريا الكبرىquot;.