يتمسك الإسلاميون بحقهم في رئاسة الحكومة، وتظاهر العشرات اليوم لإيصال رسالة بهذا الخصوص، وانتقد المتظاهرون رئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي وحزبه quot;نداء تونسquot; الذي يطرح نفسه بديلا عن الحركة الاسلامية.
تونس: تظاهر نحو 15 الف شخص من انصار حزب النهضة الاسلامي الحاكم، السبت في وسط العاصمة التونسية، للدفاع عن احقية حزبهم بحكم البلاد التي تواجه ازمة سياسية حادة منذ اشهر عمقها اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد في السادس من الشهر الحالي.
والتظاهرة الاكبر التي ينظمها الاسلاميون منذ توليهم الحكم في تونس قبل 14 شهرا، تاتي في الوقت الذي اجل فيه رئيس الحكومة حمادي الجبالي ، وهو ايضا امين عام حزب النهضة، الجمعة الى اجل غير مسمى الاعلان عن تشكيلة حكومة كفاءات غير حزبية يرفضها حزبه.
لكن التظاهرة بدت بوضوح اقل حجما من الحشد الكبير الذي شارك في تشييع جنازة بلعيد الاسبوع الماضي والذي شهد مشاركة عشرات آلاف المشيعين رفع الكثير منهم شعارات مناهضة للاسلاميين.
وردد المتظاهرون شعارات مؤيدة لحزب النهضة مثل quot;الشعب يريد النهضة من جديدquot; وquot;بالروح بالدم نفديك يا شرعيةquot; واخرى دعوا فيها الى توحيد التيارات الاسلامية في تونس وتطبيق الشريعة مثل quot;تحرير، نهضة، سلفية : وحدة، وحدة اسلاميةquot; وquot;الشعب يريد تحكيم شرع اللهquot;.
وتجمع المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة رافعين اعلاما وطنية ورايات حزب النهضة وحزب التحرير ورايات سلفية سوداء.
وقدمت اعداد كبيرة من المتظاهرين من ولايات بعيدة عن العاصمة مثل القيروان (وسط غرب) وصفاقس (وسط شرق) وقابس (جنوب شرق) على متن حافلات.
وندد المتظاهرون ببعض وسائل الاعلام وبالباجي قائد السبسي رئيس الوزراء الاسبق وبفرنسا التي يتهمونها بانتظام بالتدخل في شؤون تونس.
ويقول مهتمون بالشان السياسي التونسي ان قائد السبسي وحزبه اصبحا quot;بعبعquot; الاسلاميين الذين يتهمونه بانه امتداد لحزب quot;التجمع الدستوري الديمقراطيquot; الحاكم في عهد بن علي.
وقائد السبسي (86 عاما) كان شغل مناصب وزارية وسياسية عديدة منذ منتصف خمسينات القرن الماضي في تونس وفي عهدي الحبيب بورقيبة (1956-1987) وزين العابدين بن علي (1987-2011) وايضا بعد الثورة على بن علي حيث تولى منصب رئيس وزراء قبل اجراء اول انتخابات حرة في تونس في تشرين الاول/اكتوبر 2011.
وقد دعا قائد السبسي اثر اغتيال بلعيد الى حل المجلس الوطني التاسيسي المنبثق عن تلك الانتخابات ويهيمن حزب النهضة على اكثر من 40 بالمئة من مقاعده.
وردد المتظاهرون شعارات من قبيل quot;يا سبسي يا جبان..الشرعية لا تهانquot; وquot;يا سبسي يا حقود..التجمع لن يعودquot; ويا سبسي..بابورك زفر (مستقبلك وراءك)quot; وquot;أوفياء..أوفياء..لا تجمع.. لا نداءquot;.
كما ردد بعض المتظاهرين شعارات معادية لبعض وسائل الاعلام والصحافيين.
بيد ان عامر العريض (شقيق علي العريض وزير الداخلية) القيادي المحسوب على الجناح المتشدد في حزب النهضة، خطب في المتظاهرين عبر مضخم صوت قائلا quot;نريد ان يرفع في هذه المظاهرة علم واحد هو علم تونس الذي يجمعنا جميعا (..) هذه المظاهرة هي مظاهرة الوحدة الوطنية (..) ودعم الشرعية الانتخابيةquot;.
والجمعة انتقد ائتلاف quot;الاتحاد من اجل تونسquot; المعارض لجوء حزب النهضة الى quot;التجييش وتوتير الاجواء وشق صف التونسيين للدفاع عن اجندات حزبيةquot;.
ونبه قياديون في الائتلاف الى ان الدفع بعشرات او مئات الالاف الى الشوارع ليس دليلا على اتساع القاعدة الشعبية للاحزاب، مذكرين بان هذه quot;السياسةquot; كان يعتمدها حزب quot;التجمعquot; الحاكم في عهد بن علي.
واقعيا اثار اغتيال شكري بلعيد موجة جديدة من العنف وفاقم الازمة السياسية، وهو ما دفع رئيس الوزراء حمادي الجبالي ورغم كونه المسؤول الثاني في حزب النهضة، الى اقتراح تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية.
وجاء مقترحه رغم معارضة حزبه الذي يدعو الى حكومة تجمع وزراء حزبيين اضافة الى كفاءات غير حزبية لانهاء المرحلة الانتقالية.
واعلن الجبالي ان جولة ثانية من المشاورات مع مسؤولي الاحزاب السياسية ستجري الاثنين وذلك اثر جولة الجمعة.
وحزب النهضة الذي تاسس في 1981 على يد رئيسه راشد الغنوشي، تعرض لفترة طويلة للقمع في تونس قبل ان يفرض نفسه بعد ثورة quot;الحرية والكرامةquot; في 2011 والانتخابات التي تلتها، كاكبر حزب سياسي في البلاد.
وحاز حزب النهضة على 89 مقعدا من 217 مقعدا في المجلس التاسيسي ثم شكل ائتلافا حاكما مع حزبي المؤتمر من اجل الجمهورية (يسار قومي) الذي اسسه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي والتكتل من اجل العمل والحريات (يسار وسط) بزعامة رئيس المجلس التاسيسي مصطفى بن جعفر.
ويتجاذب حزب النهضة جناحان احدهما متشدد بزعامة الغنوشي والثاني معتدل بزعامة الجبالي.
وفي الوقت الذي لم يعلن فيه عن اي تقدم في التحقيق في اغتيال بلعيد، اعلن مقربون منه انهم سينظمون السبت موكبين للترحم على روحه احدهما في العاصمة والثاني في جندوبة (شمال غرب) التي تتحدر منها عائلته.
ويتهم مقربون من بلعيد الاسلاميين الذين يحكمون البلاد بالمسؤولية عن مقتله، الامر الذي يرفضه هؤلاء.
وعلاوة على استمرار الازمة السياسية فان كتابة الدستور الجديد في مازق وذلك خصوصا بسبب غياب التوافق بشان طبيعة النظام السياسي الجديد وهل يكون راسه رئيس الوزراء على الطريقة البريطانية او الايطالية او رئيس الجمهورية على الطريقة الفرنسية او الاميركية؟ وحول صلاحيات كل منهما بالتالي؟.
في الاثناء تستمر النزاعات الاجتماعية التي كثيرا ما تكون عنيفة في تونس على خلفية الفقر والبطالة الافتان اللتان كانتا وقود الثورة التونسية، كما تشهد البلاد تنامي تيار سلفي متطرف تزعزع تحركاته الاستقرار وتؤثر على اقتصادها.
الغنوشي: إقصاء quot;النهضةquot; خطر على أمن تونس
من جانبه، قال راشد الغنوشي، زعيم حركة quot;النهضةquot; في تونس، إن إقصاء حركته quot;خطر على أمن البلاد وتجاوز للشرعيةquot;. ووصف الغنوشي، في كلمة له اليوم في مسيرة quot;الوحدة الوطنيةquot;، التي دعت إليها حركة quot;النهضةquot;، وسط العاصمة تونس، حركته بأنها quot;العمود الفقري للبلادquot;.
واعتبر أن من يحاول تمزيق النهضة وإقصاءها من الحكم بالحيلة والقوة quot;يعرّض الوحدة الوطنية للخطرquot;، لافتًا إلى أن النهضة لها ثقل اجتماعي وسياسي كبير، quot;وأن الشعب سيجدّد ثقته فيها خلال الانتخابات المقبلة بنسب أكبرquot;. وقال الغنوشي إن الدعوة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط يعدّ quot;انقلابًا على الشرعية الانتخابية وعلى شرعية المؤسسات المنتخبةquot;. وشدد على تمسّك حزبه بموقفه الرافض لمقترح رئيس الحكومة حمّادي الجبالي (الأمين العام للنهضة) بتشكيل حكومة quot;كفاءات مستقلّةquot;، معتبرًا ذلك quot;تجاوزًا للشرعيةquot; التي منحها الشعب للمجلس التأسيسي والحكومة التي انتخبها الشعب.
وأضاف الغنوشي، في إشارة إلى مبادرة الجبالي، أنّ من يخرج عن مؤسسات حركة النهضة سيجد نفسه quot;في الفراغquot;، مشددًا على أن quot;النهضة متماسكة، ولا يحكمها شيخ من الشيوخ، وإنمّا مؤسسات شورى منتخبة، وكلّ من خرج عن المؤسسات، مهما كان حجمه، سيجد نفسه في الفراغquot;.
ولفت الغنوشي إلى أن تونس quot;لن تقبل بأي تدخّل أجنبي في شؤونها الداخليةquot;، معتبرًا أن quot;العالم كلّه يدعم الثورة التونسية، ويدعم الحكومة الشرعيةquot;، مضيفًا في الوقت نفسه quot;لسنا في معركة مع أصدقائنا وجيرانناquot;. كما دعا الإسلاميين إلى أن يكونوا quot;الأكثر حرصًا على الوحدة الوطنية ، لأن الوحدة الإسلامية تجمع بين حقائق الإسلام وحقائق الحداثةquot;.
وأكد حرص حزبه على إنجاح الثورة التونسية وتحقيق الديمقراطية وضمان الحقوق والحرّيات العامّة والخاصّة. كما أشار، في ختام كلمته، إلى أن quot;معركة محاربة الفساد والمفسدين في تونس بدأت لتوّها بعدما جرى إشغال الحكومة بقضايا أخرىquot;.
حزب النهضة الاسلامي الذي يتولى زمام السلطة
حزب النهضة الذي تظاهر آلاف من انصاره اليوم السبت وسط العاصمة التونسية للدفاع عن شرعية حكمه لتونس، تنظيم اسلامي تاسس في 6 حزيران/يونيو 1981 تحت اسم quot;حركة الاتجاه الاسلاميquot;، وتعرض للقمع طويلا قبل فوزه في اول انتخابات اجريت في تونس اثر الاطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العادبدين بن علي.
ورفض حزب النهضة المنقسم بين جناحين quot;متشددquot; وquot;معتدلquot;، قرار امينه العام حمادي الجبالي تشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة لاخراج البلاد من ازمة سياسية عمقها اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد في السادس من الشهر الجاري.
تاسس التنظيم تحت اسم quot;حركة الاتجاه الاسلاميquot; على يد أستاذ الفلسفة راشد الغنوشي وعدد من رفاقه المتأثرين بفكر الاخوان المسلمين في مصر، وأبرزهم المحامي عبد الفتاح مورو نائبه.
وفي شباط/فبراير 1989 غير اسمه إلى quot;حركة النهضةquot; للتأقلم مع قانون الاحزاب الذي يحظر quot;اقامة احزاب على اساس دينيquot;.
وتقول حركة النهضة على موقعها الرسمي في شبكة الانترنت إن تاريخ نشأتها يعود إلى 1969 عندما انطلقت quot;كحركة تربوية فكرية اجتماعية ثقافيةquot; تحت اسم quot;الجماعة الاسلاميةquot; ثم quot;تحولت تدريجيا مع نهاية السبعينات إلى العمل السياسي باعتباره أحد المداخل الرئيسية للاصلاحquot;.
وتعرضت للقمع في عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة (1956-1987) وفي عهد خلفه زين العابدين بن علي (1987-2011) اللذين رفضا الاعتراف بها.
بيد انها شاركت في نيسان/أبريل 1989 في الانتخابات التشريعية ضمن لوائح quot;مستقلةquot; وحصلت على 17 بالمائة من الاصوات بحسب نتائج شبه رسمية و30 بالمائة من الاصوات بحسب تقديرات قيادييها.
واثر تلك الانتخابات دخلت الحركة في مواجهة مع نظام بن علي الذي اعتقل نحو 30 ألفا من مناضليها ومؤيديها، واصدر احكاما ثقيلة بالسجن بحق مئات منهم في محاكمات وصفتها منظمات حقوقية بانها غير عادلة.
واضطر مئات من قياديي النهضة وبينهم راشد الغنوشي زعيمها التاريخي إلى الهجرة هربا من قمع النظام.
وفي 30 كانون الثاني/يناير 2011 عاد الغنوشي إلى تونس بعد أكثر من 20 عاما قضاها في المنفى ببريطانيا، واستقبل من انصاره في المطار استقبال الابطال.
وفي الاول من آذار/مارس 2011 حصلت حركة النهضة على ترخيص للعمل القانوني بعد أن ظلت محظورة طوال عقود.
وتعهد حزب النهضة بضمان واحترام الحريات العامة والخاصة (حرية المعتقد والتعبير واللباس..) وبالحفاظ بل وبتطوير مكاسب المرأة التونسية التي تحظى بوضع حقوقي فريد من نوعه في العالم العربي.
وأصبح حزب النهضة أول قوة سياسية في تونس إثر فوزه بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أجريت في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 وكانت أول انتخابات تعددية حرة في تاريخ تونس حيث حصل فيها على 41 % من مقاعد المجلس (89 من جملة 217 مقعدا) وشكلت تحالفا حاكما مع حزبي quot;المؤتمرquot; (يسار قومي) وquot;التكتلquot; (يسار وسط) اللذين حصلا مجتمعين على 23 % من مقاعد المجلس.
وبموجب هذا التحالف، تولى حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة، رئاسة الحكومة ومنصف المرزوقي مؤسس حزب المؤتمر رئاسة الجمهورية، ومصطفى بن جعفر مؤسس حزب التكتل رئاسة المجلس التأسيسي المكلف اعداد دستور جديد لتونس. استأثرت حركة النهضة لنفسها بالوزارات السيادية، الداخلية والعدل والخارجية.
في آذار/مارس 2012، أعلن حزب النهضة تخليه عن مطلب سابق بالتنصيص ضمن دستور تونس الجديد على أن تكون quot;الشريعةquot; المصدر الرئيسي للتشريع. ووضع بذلك حدا لتظاهرات شعبية وتجاذبات سياسية بين مؤيد ورافض لمطلبه.
ومنذ وصوله الى الحكم، يواجه حزب النهضة ازمات متتالية بسبب عجزه عن الاستجابة للمطالب الاجتماعية الملحة للعاطلين والفقراء الذين انهكهم غلاء المعيشة ، وتدهور علاقته بالمعارضة والنقابات ووسائل الاعلام والمثقفين.
ويرى مراقبون ان حزب النهضة الذي ليس لديه خبرة في الحكم، لم يوفق في اعادة الاستقرار الامني للبلاد وفي كبح جماح الجماعات السلفية الجهادية العنيفة التي يقول مراقبون انها اصبحت تشعر ان quot;ظهرها صار محمياquot; بعد وصول الاسلاميين الى الحكم.
ولعل ذلك ما دفع امينه العام رئيس الحكومة حمادي الجبالي الى اقتراح تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية لادارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، لكن المقترح يتعثر خصوصا بسبب معارضة النهضة.
التعليقات