البيانات المفزعة التي اعلنتها وزارة الحوكمة ومقاومة الفساد التونسية حول هذه الآفة دفعت بها لإعلان استراتيجية لمجابهة الفاسدين، وذلك بالتوعية والزجر وتطوير المنظومة المالية والقانونية والإدارية على أساس الحوكمة الرشيدة.


تونس: أعلن وزير الحوكمة ومقاومة الفساد التونسي عبد الرحمان لدغم أنّ ثلث المواطنين تورّطوا في عمليات فساد ولو لمرّة واحدة في حياتهم، مشيرًا إلى أنه وفقًا للإحصائيات المتوفرة فإنّ 90 % من التونسيين يعتبرون الفساد جريمة. كما أنّ شخصًا من بين ثلاثة قبل الرشوة أو قام بها، وهو ما يطرح أسئلة حارقة حول هذه الآفة وأسبابها وسبل تجاوزها ومستقبل الحوكمة الرشيدة في بلد كتونس.

بيانات صادمة

أوضح هشام الحامي، مدير ديوان وزير الحوكمة ومقاومة الفساد في تصريح لـquot;إيلافquot;، أن الوزير بيّن أنّ ثلث التونسيين تعرضوا أو شاركوا أو شاهدوا حالة فساد من حولهم طوال حياتهم، وليس مثلما قالت بعض وسائل الاعلام إنّ ثلث التونسيين فاسدون.

وأشار إلى استشراء الفساد في المجتمع التونسي في الفترة الماضية في ظل دولة مستبدة وفي ظلّ غياب الشفافية في آليات الرقابة الإدارية والمالية، إلى جانب المستوى الإجتماعي المتردي للموظفين الذي يجعل من الموظف مرغمًا على الإرتشاء في غياب العدالة الاجتماعية.

لفت وزير الحوكمة ومكافحة الفساد عبدالرحمن لدغم إلى أنّ الأهداف الرئيسية للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تتلخص في quot;النأي بوزاراتنا وإداراتنا وكافة الهياكل والمنشآت العمومية عن مظاهر الفساد والإفساد من أية جهة كانتquot;.

الفساد بعد الثورة

يؤكد هشام الحامي أنّ الفساد تواصل في تونس بعد ثورة 14 يناير 2011 وهذا أمر طبيعي على حدّ تعبيره، فالوضع في البلاد اتسم عمومًا بعدم الإستقرار نتيجة الإحتجاجات والإعتصامات والإضرابات، وبالتالي يمكن أن يفسد المواطن إذا وجد الوضع هشًا، ومن تعوّد بذلك سابقًا سيعود بأكثر قوة.

وشدد على أنّ الفساد يوجد ويترعرع أينما اجتمع البشر والسلطة والمال، ومن الطبيعي أن يكون الموظف العمومي الأكثر عرضة للفساد لما يتوفر عليه من سلطة قرار تتقاطع أحيانًا مع مصالح شخصية ضيقة تتعلق به مباشرة أو بصفة غير مباشرة أو بالمتعاملين مع الادارة وهو ما يساهم في تفاقم الظاهرة في ظل الفراغ القانوني.

التوعية والشفافية

دعا هشام الحامي الى توعية الموظف العمومي وتوفير آليات واضحة وشفافة تمكن الموظف من الاسترخاص من رئيسه أو من أي جهة إدارية للقيام بعمل موازٍ أو التصريح بأية مداخيل أخرى يتحصل عليها، إلى جانب وضع آليات تمكن الإدارة من الرقابة وكشف كل التجاوزات.

آلاف من ملفات الفساد

جمعت الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد نحو 11 ألف ملف فساد أحيل منها 400 ملف إلى القضاء، أما عن رجال الأعمال الفاسدين وبعضهم استفاد من النظام السابق وتهرب جبائيًا وقمرقيًا من أداء الواجب نحو بلاده، وهي جرائم اقتصادية بحتة اتخذت الحكومة تجاهها قرارًا بمنع سفر نحو 70 رجل أعمال وقد تم تسجيل تباطؤ في عملية التعاطي مع هؤلاء.

ويطالب معارضون وحقوقيون وخبراء اقتصاديون بضرورة الإسراع بإيجاد حلول عاجلة حتى يساهم هؤلاء في تنمية البلاد ببعث الإستثمارات والمشاركة في تنمية الجهات الداخلية والمحرومة، في حين يؤكد هشام الحامي مدير ديوان وزير الحوكمة ومقاومة الفساد على ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق البلاد.

آلية مسح النزاهة

أبرز مدير ديوان وزير الحوكمة ومقاومة الفساد أنّ وزارته قامت بعملية تشخيص نقاط قوة وضعف الإدارة التونسية على مستوى الفساد من خلال آلية مسح النزاهة.

وتمت هذه العملية في جميع الإدارات التونسية بالتعاون مع خبراء منظمة التنمية والتعاون الدولي، كما سيتم وضع مدونة سلوك خاصة بالموظف العمومي إلى جانب منظومة شفافة ومؤمنة تهتم بالصفقات العمومية التي ستكون عبر الإجراءات الإلكترونية المؤمنة.

ومن بين الآليات الأخرى إصلاح منظومة التصريح بالكاسب من خلال تشديد الرقابة والعقوبات على المتجاوزين، وإيجاد آلية رقابة على صحة التصريح بالذمة المالية وإصدار قانون لحماية المبلّغين عن حالات الفساد والشهود والعاملين في البحث عن قضايا الفساد.

وكذلك إصدار قانون يجرّم الكسب غير المشروع ومنظومة جبائية شفافة تكون قادرة على كشف عمليات التهرب الجبائي ولها القدرة على ملاحقة المخالفين والمتهربين من أداء الواجب. وتحدّث الحامي عن إعداد قانون لتنظيم تمويل الأحزاب السياسية إلى جانب ميثاق وطني للنزاهة تمضي عليه جميع الأطراف الفاعلة.

وأكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، سمير العنابي في تصريحات صحافية أنه لا يمكن الاكتفاء بالإستراتيجية الوطنية لمقاومة الفساد حيث لا يمكن الحديث عن مقاومة جذرية للفساد، مشددًا على ضرورة المرور إلى مرحلة التنفيذ التي ستلقى مقاومة من المتورطين مع منظومة الفساد التي كانت قائمة.

الفساد متفشٍ في العام والخاص

أوضح وزير الحوكمة ومكافحة الفساد عبد الرحمن لدغم أنّ ظاهرة الفساد كبيرة ومتنوعة ومتفشية في القطاعين العام والخاص، وهي تمثل ظاهرة اجتماعية واقتصادية خطيرة.

وأكد هشام الحامي مدير ديوان وزير الحوكمة لـquot;إيلافquot; أنّ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تتضمن أربعة محاور أساسية تتمثل في تعزيز وتدعيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتفعيل وتدعيم دور المجتمع المدني وتركيز خطة اتصالية خاصة بمقاومة الفساد إلى جانب تركيز منظومة وطنية للنزاهة.

وأبرز الحامي أنّ مقاومة الفساد تتطلب إمكانيات كبيرة وتطبيق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وقد تم الإعلان عن هذه الإستراتيجية أخيراً، وهي تتضمن عديد الآليات منها آليات مقاومة الفساد وتطوير عدة منظومات منها المنظومة المالية والإدارية والإستثمارية وتطويرها على أسس الحوكمة الرشيدة التي تتميز بالشفافية.

مقاومة الجريمة الاقتصادية

قال الخبير الاقتصادي محمد الفريوي في إفادة لـquot;إيلافquot; إنّ مقاومة الفساد تبدأ أولاً عبر مقاومة الجريمة الإقتصادية وإيقاف نزيف التهريب والإحتكار من خلال وسائل وآليات للمراقبة وقوانين للمحاسبة، وبالتالي يجب العمل على التدقيق المالي والإداري وتكوين إطارات قادرة على التحكم في ظاهرة الفساد وسرعة التعاطي معها وإيجاد الحلول المناسبة من أجل إيقافها لأنها ظاهرة تنخر أولاً وأساسًا الإقتصاد الوطني.

أشار الفريوي إلى أنه يجب التشخيص الجيد لظاهرة الفساد التي تتمثل في منظومة كانت قائمة ولا تزال، لذلك يجب التفكير جيدًا في بعث مؤسسات تسهر على متابعة الظاهرة وتفكيك المنظومة باعتماد التوعية والزجر.

يذكر أنّ الفساد في تونس يقلص 2 % من النمو الاقتصادي بينما ترفع منه الحوكمة والنزاهة بنسبة 2 %. ويقرّ 9 مواطنين من بين 10 بأنّ الفساد يمثل ظاهرة اجتماعية واقتصادية خطيرة جداً، كما أكدّ 35 % من المواطنين التونسيين تعرضوا لظاهرة الفساد.