يبدو أنّ الغارات الجوية اليومية والقصف المتواصل على مدينة حلب لم يثنيا عزيمة الثوار والسكان على السواء، الذين يفعلون ما في وسعهم لإقامة مجتمع مدني والحفاظ على سير الحياة الطبيعية.


بعد ما يقرب من عامين من الحرب الأهلية، لم تعد الكثير من أراضي سوريا تحت سيطرة الرئيس بشار الأسد، بما في ذلك نصف مدينة حلب. ورغم الغارات الجوية والهجمات الصاروخية، إلا أن السكان يفعلون ما في وسعهم لإقامة مجتمع مدني،خاصةالقضاة الذين يعملون بالوساطة لحل النزاعات والاسلاميين الذين يؤمنون الطحين لصنع الخبز.

النصف الشرقي من مدينة حلب، الذي يسيطر عليه الثوار عرضة للقصف اليومي من قبل النظام. وتحولت هذه الرقعة الشاسعة إلى خراب تحتله المباني المنهارة والغرف التي اخترقها الرصاص والصواريخ.

وتزور الكهرباء الأحياء بشكل متقطع، إن وجدت، ونادراً ما تكون المياه صالحة للشرب، كما أن سعر غاز الطهي ارتفع 17 مرة. وتحولت حديقة المدينة إلى ملجأ للنساء اللواتي يجمعن قطع الخشب من الشجر لاستخدامه في التدفئة، فيما يغوص الأطفال في حاويات المهملات بحثاً عن زجاجات بلاستيكية.

العودة

ورغم هذه الصورة المظلمة، يتدفق الناس مرة أخرى إلى هذه المدينة التي مزقتها الحرب، والتي كان يبلغ عدد سكانها في السابق نحو 2 مليون نسمة. وقد عاد عشرات الآلاف إلى حلب لأن تركيا رفضت قبول المزيد من اللاجئين بعد أن استنفذت طاقاتها على استيعاب المزيد منهم.

ويفضل هؤلاء أن يعودوا إلى منازلهم، على أمل أن القنبلة القادمة سوف تقع في مكان آخر، عوضاً عن اللجوء في خيام لا تقيهم البرد والمطر.

في المساء، تحتشد مجموعات من الناس حول الموقد كل بضعة أمتار على طول الأرصفة، فيما تتجول شاحنات صغيرة تحمل المدافع وتنفذ دوريات في الشوارع، في حين يمكن سماع قصف الغارات الجوية السورية على مسافة قريبة.

وبعد عامين من الحرب المتواصلة، لجأت القوات الحكومية إلى الدبابات والطائرات المقاتلة، وتحولت مؤخراً إلى صواريخ السكود لتدمير تلك الأجزاء من البلاد التي تحاول الهروب من الاضطهاد. وتطلق هذه الصواريخ عادة من دمشق، وتتميز بعدم دقة إحداثياتها، وغالباً ما تترك خلفها حفرة هائلة في مناطق غير مأهولة.

الثأر أهم من الحكم

لكن كيف يمكن للمجتمع المدني أن يبقى على قيد الحياة في مواجهة العنف المفرط من قبل حكام البلاد؟

كل غارة جوية، شنتها الميليشيات، كل مذبحة ارتكبها الشبيحة، تدفع الشعب بشكل متزايد للمقاومة، بما في ذلك أولئك الذين لم ينزلوا الى الشوارع للاحتجاج من أجل الديمقراطية والحرية، لكنهم الآن حملوا السلاح للانتقام لموتاهم.

وتكتظ صفوف الثوار بالمقاتلين، لكنها أيضاً تشهد اختلافاً في طبيعة أهدافها، فالعديد منهم يريد الثأر فقط من دون أي اهتمام لما سيحدث بعد سقوط الأسد. لكن كيف تستمر المدينة وسط الخراب والعنف؟

يقول رأفت الرفاعي، أحد المنظمين لمجلس المدينة الانتقالي لصحيفة quot;در شبيغلquot; إن هناك عدداً من اللاعبين الرئيسيين في المدينة الذين يحاولون الحفاظ على سير الحياة الطبيعية: منهم الثوار في لواء التوحيد، مجلس المدينة، ورابطة محامي الثورة، القضاء، وجمعية الأطباء، والإسلاميون في جبهة النصرة.

موارد ضيقة مقابل جهود حثيثة

ووفقًا للرفاعي، لا توجد جهة مسؤولة في المدينة quot;كل ما تبقى من حلب هو العقد الاجتماعي بين سكانها المبني على الاحترام المتبادل والقدرة على التوصل إلى حل وسط - على الأقل في الوقت الراهنquot;.

وتعمل مجموعة من التقنيين باستمرار على إصلاح خطوط الكهرباء بعد أن تم تدميرها بسبب القصف. المستشفيات تحت الارض لا تزال تعمل بما تبقى لها من موارد، ويقوم الأطباء بالحفاظ على بنوك الدم وتنظيم حملات التطعيم.

والدولة لم تعد تؤمن الدقيق للبلدات (30 حتى 70 طناً مترياً) يومياً، فاستلم إسلاميو جبهة النصرة هذه المهمة وعملوا على تأمين الطحين للخبز يومياً إضافة إلى مبالغ يومية توزعها على العائلات.

البحث عن العدالة

كان مروان القايدي أحد أول القضاة الذين انشقوا في حلب. وخلال الأشهر الأربعة الماضية، قال إنه ترأس المحكمة في حي الأنصاري، وهي وظيفة ليست سهلة كما تبدو، فيقول: quot;نحاول التنسيق بين جميع وحدات المقاتلين وقمنا بإقناعهم للإعتراف بنا كهيئة قانونية لمنعهم من اعتقال بعضهم البعض في النزاعquot;.

وأشار إلى أن الهيئة تحاول الارتجال مع مزيج من المعايير القضائية التي تنادي بها جامعة الدول العربية ومبادئ الشريعة الإسلامية. واضاف quot;لكن نحن نعتمد في المقام الأول على الوساطة للتوفيق بين أطراف النزاعquot;.