جعلت البرامج اليومية التي عرضت على قنوات التلفزيون التركي خلال حملة الشرطة العنيفة في ساحة اسطنبول، من طيور البطريق رمزاً للسخرية من الرقابة الحكومية التي تفرض على تغطية وسائل الإعلام للاحتجاجات في تركيا.


بيروت: تشتهر تركيا بسمعتها السيئة عندما يتعلق الأمر بقمعها الصحافيين وسجنهم والقيود المفروضة على الحريات في الصحافة التركية. هذا ينبع من عقلية رئيس الوزراء العنيد رجب طيب إردوغان، الذي لا يأخذ على محمل الجد الانتقادات والروابط التجارية المعقدة بين حزب التنمية والعدالة الحاكم وبارونات الإعلام الذين يسيطرون على هذه الصناعة.

البطريق رمز السخرية
على الرغم من أن البيئة السياسية التركية غير متسامحة مع النقد أو المعارضة، إلا أنها لم تقف في وجه الحملة الإعلانية الساخرة التي جعلت من البطريق رمزاً ساخراً للتعتيم الإعلامي، واعتمدت على الرسوم الكاريكاتورية وروح الدعابة التي تحرج اردوغان، في الوقت الراهن، على الأقل.
كانت قناة (سي ان ان التركية) تعرض فيلماً وثائقياً عن طيور البطريق في حين نقلت قناة الـ (سي ان ان) الدولية لقطات حية تظهر فيها الوسائل الوحشية التي استخدمتها الشرطة التركية لتفريق المتظاهرين في اسطنبول، الأمر الذي تحول إلى احتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد عنف الشرطة والصمت الإعلامي.
نتيجة لذلك، لجأ المعارضون لحزب العدالة والتنمية إلى وسائل الإعلام الاجتماعية للتعبير بشكل خلّاق عن فشل وسائل الإعلام التقليدية بأن تكون منبراً للاحتجاج، فانتشرت الرسوم الساخرة لطيور البطريق على مواقع فايسبوك وتويتر وغيرها تنتقد تجاهل الإعلام التركي للتحركات المعارضة في البلاد.

الاعلام التركي بعيد عن الواقع
في أحد هذه الرسوم، يظهر طائر بطريق يقف على جبل جليدي يشاهد قناة (سي ان ان) الدولية تبث مشاهد لساحة اسطنبول التي يغطيها الغاز المسيل للدموع، فيما يشاهد الأتراك قناة الـ (سي ان ان) التي تعرض فيلماً عن طيور البطريق، في إشارة إلى غربة الإعلام التركي عن الواقع.
بدوره، فاجأ الممثل التركي سرميان مديات، مذيع قناة (سي ان ان) خلال البث المباشر عندما خلع قميصه ليكشف عن صورة بطريق على ملابسه القطنية التحتية، مطالباً القناة بالنيابة عن والدته أن تعيد عرض الفيلم الوثائقي عن هذه الطيور مرة أخرى- على أن تكون طيور البطريق أصغر سناً وبحجم مختلف!

رمز كوميدي
في حين أن صورة البطريق أصبحت منذ ذلك الحين رمزاً كوميدياً مألوفاً بين هؤلاء الذين يحتجون على الرقابة الإعلامية، انتشر هذا الرمز في عدة أشكال من ضمنها أقنعة البطريق، والبالونات، ولعب للنفخ، في صورة احتجاجية خلاقة ضد العنف غير المبرر الذي تستخدمه الشرطة ضد المتظاهرين السلميين.
وخلال الحلقة الأخيرة من البرنامج الحواري الكوميدي (3 +1)، ارتدى المضيفون الثلاثة بفخر قمصاناً تسخر من الإعلام التركي والتعتيم على عنف الشرطة. وتحدث أحدهم عن تجربته الخاصة بالاحتجاج، بعد أن عجز عن الرؤية بسبب الغاز المسيل للدموع، واعتقد ان احدا ما يحاول مساعدته بينما كان في الواقع يريد التقاط صورة معه.
مع أن الجمهور كان يضحك بصورة هستيرية على هذه الرواية الهزلية، إلا أنها كانت مؤشراً واضحاً على استخدام المعارضة للفكاهة كوسيلة فعالة لانتقاد تكتيكات الحكومة الخرقاء.
هذه القدرة على العثور على النكتة في الظروف الصعبة والخطرة واستخدامها كسلاح ضد الاستبداد المتزايد لحكومة حزب العدالة والتنمية، تبرز أكثر من غيرها في الاحتجاجات المستمرة في تركيا.

الابداع في البيئة المقيدة
في أجرأ تعبير عن المعارضة الإبداعية في البيئة المقيدة، عمد احسان فارول مقدم برنامج quot;لعبة الكلماتquot; الترفيهي الذي يشبه الكلمات المتقاطعة، على اختيار جميع الإجابات التي على المتنافسين معرفتها خلال البث الحي للبرنامج من سياق الاحتجاجات في اسطنبول.
وكانت الإجابات خلال الحلقة مستوحاة من الاحتجاجات ضد حكومة إردوغان بما في ذلك إجابات مثل الغاز المسيل للدموع، ديكتاتور، تويتر (الذي وصفه رئيس الوزراء بوسيلة نشر الكذب).
أما الإجابة اللاذعة التي كانت الأكثر قوة خلال الحلقة فكانت (قناع الغاز) التي ألمح إليها فارول ساخراً بعبارة quot;رئة الديمقراطيةquot;. وما لا يثير الدهشة، هو أنه - منذ ذلك الحين ndash; توقف البرنامج عن البث الحي وعوضت المحطة عنه بحلقات مسجلة مسبقاً.
في حين أن مصير كل من الاحتجاجات والمحتجين أنفسهم لا يزال غير مؤكد، إلا أن مجريات التظاهرات في تركيا تحولت إلى إلهام للأتراك لتوليد الفكاهة في ظل ظروف صعبة وخطرة.
مع الآلاف من المصابين واثنين من القتلى من جراء حملات الشرطة على الاحتجاجات حتى الآن، تواصل الغالبية العظمى من المتظاهرين استخدام الوسائل السلمية للتعبير، أهمها السخرية التي تحولت إلى سلاح quot;دمار معنوي شاملquot; ضد الديكتاتوريات.