ما زالت الإحتجاجات مستمرة في الشوارع والمدن التركية منذ اندلاعها أوائل هذا الشهر، مطالبة برحيل رجب طيب أردوغان وحكومته، متهمين اياهم بمحاولة أخونة الدولة، والقضاء على الدولة المدنية، على الرغم من الإنجازات الإقتصادية التي حققها اردوغان.


نسرين حلس من واشنطن: شهدت حكومة رجب طيب أردوغان التركية الإسلامية موجة كبيرة من الإحتجاجات والتظاهرات غير المسبوقة، التي انطلقت أوائل هذا الشهر من مدينة اسطنبول، لتمتد لباقي المدن والمحافظات، فوضعتها في مأزق حقيقي مع الشعب، بعد القرار الذي اتخذه أردوغان بإزالة حديقة غازي في ساحة اتاتورك، والتي تعتبر من أهم المعالم السياحية في اسطنبول، وتحويلها إلى مشروع تجاري كبير، يحتوي على مراكز تجارية يستفاد منها اقتصادياً، بالإضافة الى تشييد مسجد بداخلها. هذا الأمر اثار حفيظة عدد كبير من المواطنين، الذين يرون في هذه الخطوة مساسًا بعلمانية الدولة، وتوجهًا نحو أخونتها.
خلّف هذا الأمر تساؤلات كثيرة، حول مدى نجاح نظام تركيا الحاكم الذي يضرب به المثل، خاصة أنه النظام الإسلامي الأول الذي حكم بلدًا على مدى 12 عامًا من دون مشاكل. فاستطاع الوصول بالبلاد لبر الأمان، وجعل من تركيا دولة إقتصادية متقدمة بعد أن كانت مثقلة بالديون. كما قدم نموذجًا رائعًا في تاريخ حكم الإسلام السياسي الحديث، فاستطاع بحنكة وذكاء حكم البلاد من دون المساس بأسس الدولة المدنية، مقدمًا نموذجًا فريدًا في فصل الدين عن السياسة.
ما حدث كانت له قراءة خاصة في نظر الكثيرين، الذين فسروا المشهد السياسي على أنه بداية لربيع تركي، على طراز الربيع العربي، خصوصًا بعد استخدام العنف المفرط مع المتظاهرين لتفريقهم وسجن عدد أكبر منهم.

النموذج التركي يهتز
يرى جلال الرداوي، الدكتور في القانون الدولي أن الصعوبات التي واجهتها تركيا هزت صورة النموذج التركي أمام العالم كله، وليس فقط أمام العالم العربي، quot;فتركيا كانت نموذجًا يضرب به المثل بعد الثورات في دول المنطقة العربية، التي تعاني أزمة بنيوية كونها مجتمعات منغلقة على ذاتها، لا تستطيع تحديد مرجعيتها السياسية والديمقراطيةquot;.
يقول: quot;ما حدث أثبت أن المشكلة أعمق من مجرد تظاهرات على ساحة، فثمة أزمة عميقة في المجتمع التركي، ولم يزل الإسلام السياسي، بعد مرور عشر سنوات على توليه السلطة، غير قادر على الإستجابة لمطالب الشعب للدخول في الحداثة، وبناء الدولة المدنية كما عرفها الغرب، ما يفسر الهاجس التركي في الدخولالىالإتحاد الأوروبي، وتوجس الإتحاد الأوروبي من الدور التركي الذي لم يستطع تحديد مرجعيته السياسية، دينية أم مدنية، ولا قدرته على الإنخراط في الحداثةquot;.
بالرغم من الإنجازات الإقتصادية التي حققها أردوغان، والتي نشلت إقتصاد تركيا، إلا أن ذلك لا يخفي عجز النظام الحاكم عن توسيع قدرة الطبقة الوسطى في المجتمع. والحراك الشعبي الذي حدث أظهر التململ الذي يعانيه المجتمع، الذي يرى أن الحكومة لم تحقق مطالبهquot;. مع ذلك، يرى الرداوي مجحفًا مقارنة تجربة أردوغان بتجربة مصر وتونس، quot;باعتبار أنه أول رجل سلطة متمرس، يمتلك من الخبرة والحنكة ما لا يمتلكه الإخوان المسلمون في مصر وتونس، ومع ذلك يعاني سوء إدارة في المسائل السياسية، واستعماله العصا في معالجته ما حدث في الشارع خير دليل على ذلكquot;.
ويقر الرداوي في الوقت ذاته أن عدم نجاح الحكومة في التعامل مع مطالب الشعب على المدى الطويل ينذر بسقوط أردوغان وحكومته، ما ستكون له انعكاساته السلبية على الإخوان في مصر وتونس، قائلًا: quot;ستكون لسقوط التجربة التركية انعكاساته السلبية على التجارب المستنسخة في كل من مصر وتونسquot;.

انقلاب عكسي
يرى الدكتور عباس كاظم، استاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا أن ما يحدث في تركيا ربيع من نوع آخر، quot;فكل أنواع الربيع العربي أوصلت الإخوان للسلطة، لكن ربيع تركيا إنقلاب على الإخوان في السلطةquot;.
واعتبر كاظم ما يحدث هزة كبيرة لم تصب النظام التركي فحسب، بل أصابت التنظيمات الدينية ككل، quot;فهذا النظام التركي الذي يضرب به المثل، ويعد نموذجًا مشرفًا تتخذه الدول العربية والغربية نموذجًا حيًا على التفاعل والتعايش ما بين الإسلام الديمقراطي والعلمانية، ويعطي صورة مثالية عن الحكم الرشيد، اليوم هو نفسه من تقوم التظاهرات ضدهquot;. وبسقوطه، لن يكون هناك أمل في الأنظمة الجديدة المستنسخة، لأنه يؤكد فشل التجربة من الأساس، ما سينعكس سلبًا على تلك الأنظمة، خاصة في مصر وتونس، لذلك سيكونون مطالبين بإثبات الكثير لشعوبهم.
ويشير كاظم إلى أن ما حدث نتج من تراكمات داخلية وخارجية، quot;فبالرغم من النجاح الذي حققته حكومة أردوغان اقتصاديًا، معيدة لتركيا كرامتها بعدما كانت تلهث وراء الإتحاد الأوروبي، في ظل الأزمة المالية العالمية، إلا أن الإتجاه نحو أخونة المجتمع ألب الأتراك على حكومتهم، فالمجتمع التركي لا يقبل الأخونة، كما أن تدخل تركيا في سوريا والعراق ساهم في توسيع الأزمة، بالإضافة إلى المشاكل الداخلية مع الأكراد، ,جاءت محاولة إزالة النصب التذكاري لأتاتورك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فاعتبر الناس هذه المسألة إنقلابًا على الدولة المدنية، صاحبه استخدام العصا الغليظة مع المتظاهرين، ما أظهر الوجه الحقيقي للنظام في تعامله مع الشعبquot;.