لا تريد الولايات المتحدة التورط عسكريًا في سوريا، وتظن أنها تترك إيران لتغوص في مستنقع شبيه بمستقعها العراقي، لكن خبراء يؤكدون أن طهران أحرزت تقدمًا كبيرًا على المجتمع الدولي، بفضل موقفها الداعم لبشار الأسد.


لندن:دقّ انزلاق سوريا إلى حرب أهلية خلال العامين الماضيين نواقيس الخطر في واشنطن، وانطلق سجال بين المسؤولين الاميركيين حول حدود تدخل الولايات المتحدة، وحول وجوب هذا التدخل. لكن الجميع كانوا وما زالوا متفقين على أن النزاع يشكل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة في عموم الشرق الأوسط، بما في ذلك استقرار دول حليفة، ويضعف الصراع ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة، والعمل على إبقاء اسلحة الدمار الشامل بعيدة عن أيدي الارهابيين. غير أن مصادر قالت إن رأيًا آخر انضم إلى هذا السجال، يتمثل في أن تفكك سوريا قد لا يشكل ذلك الخطر الجسيم على مصالح الولايات المتحدة، بل قد ينطوي على مكسب ميكافيللي هو توريط ايران، عدوة الولايات المتحدة اللدودة في المنطقة، في صراع مديد مع تنظيم القاعدة يستنزف قوى الطرفين. وتذهب هذه النظرية إلى أن سوريا قد تصبح بالنسبة لايران ما شكّله العراق بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

رأي هامس
قد يكون هذا رأيًا مغريًا لإدارة أوباما، التي تتعرض لانتقادات شديدة بسبب تخبطها في التعامل مع الأزمة السورية، لا سيما أن هذا الرأي يوفر تبريرًا مناسبًا لتقاعس الادارة عن التحرك بحزم، لوقف دوامة العنف ونزيف الدم في سوريا. لكن هذا الرأي ما زال يُطرح بهمس، وعلى هامش السجال في الغالب، ربما بسبب نقاط الضعف التي تعتري حجة أصحابه. ويقول محللون إن المدافعين عن هذا الرأي يفترضون أن النزاع السوري استدرج الايرانيين إلى مستنقع يغوصون فيه أعمق كل يوم، ينهكهم ويشغلهم عن مصالح أكبر. لكن صحيفة واشنطن بوست تنقل عن فانس سرتشوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، قوله إن الأدلة تشير إلى أن ايران التي هبت لنجدة رئيس النظام السوري بشار الأسد حققت اختراقات ومكاسب في أماكن أخرى، بينها اليمن والعراق.
ومن أسباب هذه المكاسب الايرانية أن طهران تستثمر انعدام الاستقرار الذي يذكيه النزاع السوري لمصلحتها، وان الاستقطاب الطائفي يدفع حكومات مثل حكومة المالكي والشيعة عمومًا إلى احضان إيران، في حين يشكل تدفق اللاجئين عبئًا على حلفاء الولايات المتحدة، مثل تركيا والاردن.

تقدم إيراني
في هذه الأثناء، ليس هناك ما ينم عن تداعيات ذات معنى في ايران نفسها، بسبب تدخلها في سوريا. بل على العكس، فإن استمرار سفك الدماء يشيع ظروفًا إقليمية من المرجح أن تخدم اتساع النمو الايراني. كما يلاحظ محللون أن دور إيران في سوريا لم يفعل شيئًا لتغيير موقفها في الاصرار على مواصلة البرنامج النووي، ورقتها الرابحة مع الغرب. وحققت طهران خلال العامين الماضيين منذ اندلاع الانتفاضة ضد الأسد تقدما في تطوير قدراتها النووية. فهي زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب، ونصبت جيلًا جديدًا من أجهزة الطرد، ومضت قدمًا في بناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل، من شأنه أن يوفر مسارًا بديلًا نحو انتاج سلاح نووي.
ولم يكن تعامل طهران مع الأزمة السورية على طريقة الولايات المتحدة في العراق، بدفع مئات آلاف الجنود إلى المعمعة، رغم أن الأزمة السورية تمثل عبئًا لا تريده إيران، في وقت تواجه فيه عقوبات اقتصادية شديدة. وبحسب سرتشوك، من مجلس العلاقات الخارجية، يقترب موقف ايران من موقف إدارة أوباما في خوض الحرب على الارهاب، باعتمادها على عدد صغير من أفراد فيلق القدس، النسخة الايرانية من القوات الخاصة الاميركية، يُرسلون لدعم حلفاء ايران ووكلائها في المنطقة.

افتراض متفائل
في غضون ذلك، قررت إدارة أوباما إرسال أسلحة خفيفة إلى المعارضة. ويرى محللون أنه حتى إذا بدأ أن هذا القرار يوقف تقدم قوات الأسد، وهو افتراض متفائل كما يصفه سرتشوك لصحيفة واشنطن بوست، فإن العودة إلى حالة التعادل السابقة تبقى مكسبًا لطهران، لأن الأسد لا يحتاج إلى بسط سيطرته على سوريا بأكملها، ليخرج الايرانيون رابحين.
وكل يوم يمر مع بقاء الأسد في الحكم بفضل الدعم الايراني، تثبت فيه ايران للولايات المتحدة انها قادرة على منع إدارة أوباما من تحقيق هدفها المعلن، وهو تنحي الأسد. وكلما طال امد النزاع، زاد التطرف خطورة في سوريا، وترسخت مواقع ايران في غمرة الفوضى. وإذا كانت إدارة أوباما سلمت العراق إلى ايران، فمن المستبعد أن تكرر طهران الخطأ نفسه في سوريا، بحسب تعبير سرتشوك.