تتربع الدول الأوروبية على عرش الدول المنتجة لأجهزة التجسس والمراقبة حول العالم، ورغم غضب القادة الأوروبيين من الوثائق التي كشفهاالمحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الاميركية ادوارد سنودنإلا أن أوروبا نفسها ربما تكون متورطة في قضايا مماثلة، وسابقًا تورطت شركة فرنسية بتزويد نظام القذافي بأجهزة مراقبة.


ثارت ثائرة القادة الاوروبيين بعد أن كشفت وثائق سربها المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية الاميركية ادوارد سنودن أن الولايات المتحدة تتجسس على الاتحاد الاوروبي وسفارات دول غربية حليفة. ولكن حين يتعلق الأمر بانتاج المعدات التجسسية وتصديرها يقول مراقبون إن لا أحد عمليًا يضاهي الاوروبيين أنفسهم بهذه التجارة.
وظهرت القدرات الاوروبية في هذا المجال مؤخراً، حين توافدت كبرى الشركات المختصة بصناعة اجهزة التنصت والمراقبة الالكترونية في العالم على براغ لترويج بضاعتها في المعرض الدولي quot;للحلول الخدمية المتكاملةquot;، الذي أُقيم الشهر الماضي في العاصمة التشيكية.
واستمع قادة شرطة ومسؤولون استخباراتيون خلال جلسات مغلقة عقدتها شركات اوروبية متعددة الى قدرات أجهزتها المتطورة على مراقبة الانترنت واعتراض الاتصالات الهاتفية. وقدمت شركة هاكنغ تيم Hacking Team الايطالية المتخصصة ببرمجيات التنصت منظومتها التجسسية الجديدة التي يمكن التحكم بها عن بعد. واستعرضت الشركة قدرة منظومتها على اختراق الاتصالات المشفرة والتنصت على الاحاديث التي تجري عن طريق سكايب والاطلاع على الرسائل الفورية. ومن مواصفات هذه المنظومة قدرتها الصوتية والبصرية التي تمكِّن الشرطة من التجسس باستخدام كاميرا الشخص المستهدف نفسه على شبكة الانترنت.
وتتولى شركة تروفيكور Trovicor الالمانية تدريب العملاء السريين على جهازها التجسسي الخلوي للتعامل مع الاتصالات المسجلة بالجملة. وعرضت شركة غاما انترناشيونال Gamma International البريطانية - الالمانية منظومتها المثيرة للجدل quot;فن فيشرquot; FinFisher لمراقبة الاتصالات الهاتفية الخلوية عن بعد.
انتهاك الخصوصية
ويخشى ناشطون مدافعون عن الخصوصية وسياسيون أوروبيون أن مبيعات التكنولوجيا التجسسية الاوروبية إذا بقيت بلا ضوابط يمكن أن تنتهك حقوق الانسان في الخارج الى جانب تهديد الأمن الالكتروني للأشخاص في اوروبا نفسها.
وقالت عضو البرلمان الاوروبي الهولندية مارييته شاكة التي تطالب بتشديد الضوابط على تصدير تكنولوجيا المراقبة والتنصت: quot;علينا نحن في الاتحاد الاوروبي أن نتوثق من اننا نمارس بالأفعال ما ندعو اليه بالأقوالquot;.
وتشترط جميع البلدان تقريباً أن تضيف شركات الاتصالات آلية تتيح للأجهزة الأمنية مراقبة الاتصالات الالكترونية على أن يكون لديها ترخيص قضائي يجيز لها ذلك. ويُعرف هذا الحق في صناعة الاتصالات بأنه quot;تنصت قانونيquot;.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن مالت بولمان، الرئيس التنفيذي لشركة التيماكو سايفوير Ultimaco Safeware ،المختصة بصناعة منظومات تجسسية تتيح ممارسة quot;التنصت القانونيquot;، أنه quot;من حيث الأساس ليس هناك شكل من أشكال الاتصالات الرقمية لا تستطيع الأجهزة الأمنية أن تخترقهquot;.
إغراء للشركات الأميركية
ولدى الولايات المتحدة أكبر ميزانية على الاطلاق مرصودة خصيصاً لشراء تكنولوجيات تجسسية، ولكنها تفضل شراء هذه المنظومات حسب المواصفات التي تحددها هي من شركات أميركية كبرى. وكثيراً ما تتلقى الشركات التكنولوجية الاميركية الجديدة تمويلاً من وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية لتشجيعها على الامتناع عن تصدير منظوماتها التجسسية الى بلدان أخرى ، كما يقول جيري لوكاس منظم المعرض الدولي quot;للحلول الخدمية المتكاملةquot; في براغ.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن لوكاس قوله إن المعرض يقدم المنتجات التكنولوجية quot;وما تفعله الدول التي تشتري هذه التكنولوجيا عائد الى قرارها هي. فنحن لا نستطيع أن نضبط ذلكquot;.
وبحسب لوكاس، فإن شركات اوروبية غربية تسيطر على اكثر من 50 في المئة من تجارة المعدات التجسسية البالغ حجمها زهاء 6 مليارات دولار سنويًا.
وعندما كان المحتجون يقتحمون مقرات أجهزة أمنية خلال انتفاضات الربيع العربي كانوا في احيان كثيرة يجدون أن هذه الأجهزة ابتاعت تكنولوجيات تجسسية اوروبية لمراقبة المحتجين والمعارضين. وعلى سبيل المثال أن شركة اميسيس Amesys الفرنسية باعت برمجيتها لتحليل حركة الانترنت الى العقيد القذافي عام 2007 وقاضاها الاتحاد الدولي لحقوق الانسان في المحاكم بتهمة التواطؤ مع التعذيب.
حصار تكنولوجي على ايران وسوريا
ولا يسمح منظمو معرض quot;الحلول الخدمية المتكاملةquot; في براغ بحضور ممثلين عن ايران وكوريا الشمالية وسوريا، ولكنهم يقولون إن التحفظات الأخلاقية quot;ليست مسؤوليتناquot;.
وتمنع اوروبا بيع تكنولوجيات المراقبة الى سوريا وايران، لكنّ ناشطين يؤكدون أن القيود المفروضة على تصديرها ليست كافية بأي حال من الأحوال.
وأيد البرلمان الاوروبي في تشرين الأول/اكتوبر الماضي مقترحًا قدمته النائبة الهولندية شاكة يُلزم شركات الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي بالحصول على ترخيص لتصدير معداتها إذا كان لديها سبب للاعتقاد بأن تصديرها يشكل انتهاكًا لحقوق الانسان أو يضر بالمصالح الاستراتيجية للاتحاد الاوروبي. ولكن المقترح لم يصبح قانونًا حتى الآن.
تشديد الضوابط
وتقول الحكومة الالمانية إنها مع تشديد الضوابط على تصدير تكنولوجيات المراقبة ذات الاستعمال المزدوج، ولكن الصعوبة تكمن في تحديد التكنولوجيات المختلفة التي يجب شمولها بهذه الضوابط وخاصة إزاء الوتيرة المتسارعة للتطورات التكنولوجية وتعدد الاستعمالات الممكنة لبعض التكنولوجيات.
ولكن باستثناء النائبة شاكة فإن قلة من السياسيين الاوروبيين على ما يبدو يدركون أن تجارة اوروبا الرائجة بالتكنولوجيات التجسسية تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن القارة نفسها. وفي الحقيقة أن رئيس الاستخبارات الوطنية الاميركية جيمس كلابر هو الذي قال في افادة امام مجلس الشيوخ في آذار/مارس الماضي إن حكومات أجنبية بدأت تستخدم تكنولوجيات تجسسية جرى تسويقها في الأصل لأغراض quot;التنصت القانونيquot;، لكنها سُخرت من اجل استهداف منظومات اميركية.
ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز عن الباحث في الاتحاد الاميركي للحريات المدنية كريستوفر سوغويان قوله: quot;يبدو من الغريب أن يُغَض الطرف عن بيع تكنولوجيات تُستخدم في القرصنة الالكترونية في الوقت الذي تستثمر فيهالحكومات الاوروبية موارد في الدفاع الالكتروني عن أمنهاquot;. واضاف quot;أن الحكومات تدَّعي أنها تحمي المعلومات الشخصية لمواطنيها وشركاتها المحلية من الهجوم الخارجي، ولكن هذه الصناعة تتعارض تعارضًا مباشراً مع هذا الهدفquot;.