تراجع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن قراره تسليح المعارضة السورية، بعد أن تلقى تحذيرات من قادة الجيش من أن مثل هذا القرار يمكن أن يقحم القوات البريطانية في حرب شاملة. كما تبين أنّ الخطط الأميركية في هذا الاطار أكثر تواضعًا مما توحي به.


حذر القادة العسكريون البريطانيون دايفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، قائلين إنه من غير المرجح أن يُحدث ارسال اسلحة خفيفة وقذائف فارقًا على الأرض إزاء التغير الذي يحدث في ميزان القوى لصالح قوات النظام.

ونقلت صحيفة ديلي تلغراف عن مصدر قريب من مكتب رئيس الوزراء تأكيده أن كاميرون لا يخطط لتسليح مقاتلي المعارضة السورية. وهناك مخاوف متزايدة من وقوع الأسلحة التي تُرسل إلى سوريا بأيدي متطرفين بدلًا من الفصائل المعتدلة في المعارضة، وأن هذا يمكن أن يشكل تهديدًا لأمن بريطانيا نفسها على المدى البعيد.

والأهم من ذلك أن التدخل العسكري بفرض منطقة حظر جوي يمكن أن يورط بريطانيا في نزاع يمتد عدة أشهر بسبب دفاعات النظام الجوية القوية.

أقوى من الزوجة

يرى مراقبون أن الموقف الجديد يشكل تراجعًا مهمًا من جانب كاميرون، الذي كان متحمسًا للتحرك بشأن النزاع السوري مع وزير خارجيته وليام هيغ، وطالب في ايار (مايو) الماضي بإلغاء حظر الاتحاد الاوروبي على ارسال السلاح إلى سوريا لإطلاق يده. لكن قياديين في الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين ابلغوا كاميرون بأن احتمالات الفوز إذا وصل الأمر إلى التصويت على تسليح المعارضة في مجلس العموم ضئيلة.

في غضون ذلك، افادت تقارير أن سامانثا زوجة كاميرون كانت تلح عليه أن يتخذ موقفًا أشد حزمًا من النظام السوري بعد تأثرها بحجم الأزمة الانسانية في سوريا. ونقلت صحيفة تايمز عن وزير بريطاني قوله إن زوجة كاميرون هي أكبر تفسير لموقفه المتشدد من نظام الرئيس بشار الأسد.

وكانت سامانثا كاميرون زارت مخيمًا للاجئين السوريين مبعوثة لمنظمة انقاذ الاطفال. وقالت خلال الزيارة انها سمعت قصصًا مريعة من الاطفال الذين التقتهم. لكن رأي القادة العسكريين في مجلس الأمن القومي البريطاني كان على ما يبدو اشد تأثيرًا في تغيير موقف كاميرون من دعوات زوجته، وتمكنوا من دفعه إلى التراجع عن قراره تسليح المعارضة السورية. وبدلًا من ذلك، ستعد القوات البريطانية خططا للمساعدة في تدريب عناصر معتدلة من قوات المعارضة وتقديم استشارة عسكرية اليها.

ويعتقد وزراء بريطانيون أن 18 شهرًا قد تمر قبل أن يُجبر الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وربما أطول بعد المكاسب الأخيرة التي حققتها قواته. وقال مكتب رئيس الوزراء إن قرارًا لم يُتخذ بارسال اسلحة إلى المعارضة السورية وان مجلس الأمن القومي يواصل مراجعة القرار بشأن سوريا ويدرس كل الخيارات بعناية.

خطط متواضعة

من جهة اخرى، قال مسؤولون اميركيون وغربيون وعرب إن الخطط التي اعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما منذ شهر لإرسال اسلحة وذخائر إلى المعارضة السورية اكثر تواضعًا مما أوحت به الادارة الاميركية في تصريحاتها المعلنة، واجتماعاتها الخاصة مع ممثلي دول حليفة في الشرق الأوسط.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المسؤولين قولهم إن خطط الادارة لاستخدام وكالة المخابرات المركزية في تدريب مقاتلي المعارضة وتسليحهم يمكن أن تستغرق أشهرًا قبل أن يكون لها تأثير على الأرض. ويستبعد كثير من المسؤولين أن تعزز الأسلحة المتواضعة موقف المعارضة بما يكفي لحمل الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وتتضمن خطط الادارة تقديم وكالة المخابرات المركزية اسلحة خفيفة إلى فصائل محددة من المعارضة. يضاف إلى ذلك أن غالبية التدريبات التي من المفترض أن تجري على امتداد اشهر داخل الأراضي الاردنية والتركية لم تبدأ حتى الآن لأسباب عدة، منها اعتراضات الكونغرس.

ويعكس الموقف الأميركي الحذر استمرار التردد والانقسامات الداخلية في ادارة أوباما، التي ليس لديها شهية للتدخل جديًا في سوريا، لكنها دُفعت دفعًا إلى الموافقة على تسليح المعارضة بعد أن خلصت الاستخبارات الاميركية والاوروبية إلى أن قوات النظام السوري استخدمت اسلحة كيمياوية ضد المعارضة، مذكِّرة أوباما بتحذيره من أن استخدام هذه الاسلحة quot;خط أحمرquot; سيؤدي إلى تحرك اميركي.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم ما زالوا يريدون الاقتناع بأنهم اتخذوا كل الاحتياطات الممكنة لمنع وقوع اسلحة بأيدي متطرفين اسلاميين في سوريا. وهم يسمعون في خطة أوباما اصداء محاولات اميركية سابقة لتسليح المعارضة في انغولا ونيكاراغوا والمجاهدين ضد القوات السوفيتية في افغانستان، التي ارتدت لاحقًا إلى نحر الولايات المتحدة. كما أن هناك مخاوف في البيت الأبيض من جر أوباما إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.