محمد بن رجب من تونس: انتفض عدد من أئمة المساجد وعلماء الدين ورؤساء وممثلي جمعيات دينية تونسية ضد فصول من الدستور الجديد، بسبب ما أعتبروه quot;خلو الدستور من الضمانات التي تحقق الحماية الفعلية للدين الإسلاميquot;.

واعتبروا أن صياغة الدستور تمت تحت quot;ضغوطات تيارات علمانيةquot; ما أتاح تمرير مفاهيم اعتبروها quot;غريبة عن الإسلامquot;على غرار quot;تحجير التكفيرquot; وquot;حرية الضميرquot;.

وكان عدد من الأئمة والعلماء والمشائخ التقوا الرئيس محمد المنصف المرزوقي مطالبين بإعادة النظر في بعض الفصول وتضمين توطئة الدستور اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع وإنشاء هيئة شرعية مستقلة تُنتخب من أهل الاختصاص من العلماء وتتولى الإشراف على الشؤون الدينية.

ضغط العلمانيين

أصدرت خمس جمعيات إسلامية بيانا استنكرت فيه صياغة فصول الدستور quot;تحت ضغوطات التيارات العلمانية من أجل فرض أفكار لا تمتّ إلى مقومات شعبنا الدينية والحضارية.

واستنكرت الجمعية التونسية للعلوم الشرعية والجمعية التونسية لأئمة المساجد وجمعية المحافظة على القرآن والأخلاق الحميدة بالشابة، وجمعية شباب الغد وجمعية البيان بالمهدية في بيانها، تمريرquot;تحجير التكفير quot;وquot;حرية الضميرquot; مؤكدة أنّ quot;هاتين المسألتين تتعاضدان حتما على انتشار العقائد الفاسدة والمذاهب المنحرفة وتضرب الوحدة العقائدية للشعب التونسي المسلم وتفتح البلاد أمام الطائفية الدينية والتطاول على المقدّسات الإسلامية وهو ما يخلّ بأمن البلادquot;.

وقال وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي لإذاعة خاصة quot;كان أولى إشراك الجهات المعنية كالمجلس الإسلامي الأعلى وجامع الزيتونة وديوان الإفتاء والوزارة في صياغة الفصل السادسquot;.

الضمانات المؤسساتية

أوضح الحبيب بن الطاهر نائب رئيس الجمعية التونسية للعلوم الشرعية أن الدستور quot;خال من كل الضمانات التي تتكفل بحماية الإسلام، والمقصود هو الضمانات المؤسساتية التي تعمل بإستمرار و بإستقلالية وتتابع الشأن الإسلامي على المستوى الإعلامي والتربوي والقيمي فقد رفضوا دسترة المجلس الإسلامي الأعلى ومؤسسة الإفتاء وليس هناك في تونس الآن مؤسسة ذات نفوذ قوي فالإسلام الآن متروك إلى المبادرات الفردية وجهود بعض الأفراد والجمعيات التي قد تعمل وفق أجندات خارجيةquot;.

استياء الشيوخ

وأكد الشيخ بن الطاهر في تصريح لـquot;إيلافquot; أنّ الدستور كتب تحت ضغوط تيارات علمانية متشددة ومتطرفة متسائلا عن سبب رفض المجلس الإسلامي الأعلى لشعب متجذر في الإسلام ومعتز به منذ 14 قرنا، فقد دستروا كل شيء إلا ما يهتم بالشأن الإسلامي.

وأبرز استياء العلماء والشيوخ استياء مستغربا من كون الفلسفات الغربية والإلحادية تقف على قدر المساواة مع الإسلام في تونس.

وأشارإلى أنّ quot;مفهوم حرية الضمير خطير جدا فهو يعمل على إضعاف الشعوب في خصوصياتها الدينية وهو مضمون غربي يقوم أساسا على حرية المعتقد بل على حرية الإشهار له جهرا وسرّا فرادى وجماعات و قامة الشعائر في كل مكان وهذا ما يتناقض مع الإسلام الذي يقرّ حرية المعتقد ولكنه يلزم الدول على المحافظة على دياناتها الأصلية وحمايتها وتترك للفرد حرية الإختيارquot;.

دستور فاسد

وأوضح أنّ المصادقة على هذا الدستور تلزم الذين صادقوا عليه، مشددا على ضرورة إقناع الشعب بفساد عدد من فصول هذا الدستور التي تعمل على خلخلة الوحدة العقائدية القائمة على العقيدة الإسلامية واللغة العربية، على حدّ تعبيره.

الهيمنة والتبعية

ودعت الجمعيات الاسلامية المذكورة في بلاغها إلى quot;تخليص الدستور الجديد من التبعية للأجنبي وتحريره من الهيمنة الإيديولوجيه العلمانية، كما دعت إلى quot;تضمين توطئة الدستور اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، حذف عبارة quot;والضميرquot; من الفصل السّادس لمخالفتها تعاليم الإسلام الّذي هو دين الدولة والمجتمع على حدّ سواء ولأنّها تفتح المجال لظهور الأفكار الشاذة والانحراف في السلوك والممارسةquot;.

وحددت الجمعيات المقدسات من خلال مطالبتها بفصل يجرّم الإعتداء عليها وهيquot;الله عزّ وجلّquot;وquot;الرسل عليهم الصلاة والسلامquot;وquot;القرآن الكريمquot; وquot;السنّة النبوية الشريفةquot;وquot;بيوت اللهquot; وquot;الشعائر الدينيةquot; وquot;الصحابةquot;.

فتوى شرعية

أمضى 33 من العلماء والأئمة والشيوخ على quot;فتوى شرعيةquot;، جاء فيها أنّ quot;حرية الضميرquot; مفهوم quot;مبنيّ عند الغرب على عدم وجود مقدّس، وتخلّي الدولة عن رعاية المقدّسات وحمايتهاquot;، وquot;أنّ الإسلام يوجب على الدولة أن تقوم بحماية المعتقد الإسلامي ولا تسمح بالدعاية لغيره وبالتالي فالتنصيص على أن تكون الدولة كافلة لحرية المعتقد والضمير يتعارض مع دورها الشرعيquot;.

وأكد البيان أنّquot; ما جاء في الفصل السادس يخلّ بأعظم كلّيات الإسلام الضرورية الخمس ويفتح الباب على مصراعيه لانتشار الإلحاد وما يخالف العقيدة الإسلاميةquot;.

وأوضح رضا بلحاج الأمين العام لحزب التحرير الإسلامي في وقفة احتجاجية بالعاصمة، أنّ الدستور الجديد quot;يخالف شرع اللهquot;، لانه أضاع كل الحقوق الشرعية.

وأعتبر بلحاج دستور تونس الجديد quot;ترضية للغربquot;، مؤكدا أنه عبارة عن quot;توافقات بين فرقاء سياسيين لا دخل فيها للشعب التونسي المسلمquot;.

الدستور ولد ميتا

وفي وقت سابق، قال عضو حركة النهضة بالمجلس التأسيسي الصادق شورو خلال الجلسة العامة quot;كان من المنتظر أن يولد هذا الدستور على يد نواب الشعب في ظروف طبيعية ولو بعملية قيصرية إلا أنّ أطرافا من خارج هذا المجلس تتدخل في هذه الولادة تارة بإسم الحوار الوطني وتارة بإسم الخبراء وأخرى بإسم التوافقات فتدخل عليه تشوهات كبيرة فإذا بهذا المولود يولد في الأخير ميتا فما كان مني إلاّ أن كبرت عليه أربعاquot;.

ودعا مفتي الجمهورية الشيخ حمدة سعيد إلى مراجعة الفصل السادس مؤكدا أنّ quot;التنصيص على حرية الضمير في الدستور مصطلح غير منضبط وليس له مفهوم واحد، وقد استغل للإستعاضة به عن الدين لتسهيل التخلص منه والارتداد عنهquot;، على حد تعبيره.

وأكد الدكتور بشير شمام عضو لجنة الهياكل الدستورية في المجلس التأسيسي لـquot;إيلافquot; أنّ الدولة حامية للدين راعية للمقدسات وبالتالي، هناك ضمانات كافية لحماية الدين الإسلامي، وأشار إلى أنّه تم تنقيح الفصل وحذف quot;تحجير التكفيرquot; وتغييره بمنع التكفير.