قضايا حقوق المرأة في العالمين العربي والإسلامي من القضايا الشائكة والمعقدة، بعضها مرتبط بالموروث والبيئة، والبعض الآخر بالأيدلوجيات التي أنتجت كثيرا من التيارات الفكرية والدينية التي عملت بدورها على إقصاء المرأة والتعامل معها بدونية إما باجتزاء بعض الأحاديث الدينية والآيات القرآنية للاستدلال على عدم أهليتها كمسألة اعوجاج الضلع، أو محاولة التعاطي معها كعنصر ناقص والذي للأسف الشديد أصبح حجة يستخدمها الإسلامويون في عملية فرض الوصايا على المرأة وإبعادها قدر المستطاع عن أي عملية تنموية أو تطويرية في المجتمع ومن ثم استخدامها كأداة متى ما أرادوا بتحطيم شخصيتها وتجريدها من إرادتها في الرفض أو القبول، والخنوع للسلطة الذكورية في المجتمع بحجة الولاية.

والمؤسف حقيقة أن مجتمعاتنا أصبحت تبتكر أساليب جديدة لانتهاك حقوق المرأة ربما كان أشدها وأكثرها مرارة محاولة دمجها واستقطابها الى التنظيمات الإرهابية والتي أجدها مفارقة غريبة، فهؤلاء يؤمنون بأنه quot;ليس الذكر كالأنثىquot; ويستغلون هذه الآية الكريمة للتقليل من شأن المرأة كمفاضلة بينها والرجل الذي كانوا يجدون في ضلعه الأعوج الذي خلقت منه حجة إقصائية جيدة، وليتهم فعلوا هذا ولم يعملوا على ضمها لصفوفهم الإرهابية التي لم يستقم ضلعها لديهم إلا فيها، وليتهم ظلوا على وضعهم في تلك النظرة المعوجة.

منذ الثمانينات، عندما شكّل أسامة بن لادن تنظيم القاعدة في حربه ضد السوفييت في أفغانستان لم نسمع بعمليات تجنيد نساء في العمليات الإرهابية، وقد بدأت هذه الظاهرة تظهر بعد الحرب على العراق بشكل واضح وربما ما زال في الذاكرة قضية ساجدة الريشاوي في الأردن والتي كانت في طريقها إلى تفجير نفسها وتحقيق مأساة محققة لكنها أخفقت قبل انفجار الحزام الناسف، وأيّا كانت المبررات لانخراطها في هذه التيارات فإني أجد أنها أضافت للمرأة العربية صورة سوداء قاتمة ودموية كانت هي في غنى عن إضافتها لنفسها وللمرأة العربية، ومنذ أيام وفي السويد تحديدا كانت هناك حادثة لا تقل بشاعة عن ما فعلته ساجدة والتي كانت بطلتها فتاة سويدية متحولة من المسيحية للإسلام، حيث ورطها زوجها في تفجير انتحاري في ستوكهولم، وهي في الواقع ضحية لعملية غسيل دماغ انتهت بتغيير مسار حياتهم من مستقبل مشرق كخريجين في جامعة بدفور رديشير ويعملون على التخطيط لمستقبلهم وأسرتهم الصغيرة المكونة من ثلاثة أطفال انتهى مستقبلهم قبل أن يبدأ وكل ذنبهم في الحياة أنهم ولدوا لأم وأب انجرفوا في تيارات شاذة ومرفوضة عملت على أدلجتهم وجعلهم أداة لتنفيذ مآربهم.

أسرة منى قالت إنها نشأت مسيحية لكنها اعتنقت الإسلام quot;كارهةquot; بضغط من عبد الوهاب قبل الزواج به عام 2004، وأوضحت أن منى التي ولدت في رومانيا وتربت في الجزائر والسويد، تغيرت بعد مقابلة عبد الوهاب قبل تسع سنوات في الجامعة التي درسا فيها سويا.

وإذا كانت هذه أخر مشاهد الإرهاب الذي يسلب الحياة والحق فيها، فقد سبقها استغلالات وتوظيفها أخرى على شاكلة أشهر نساء القاعدة وهي هيلة القصير المعروفة بأم الرباب والتي اعتقلتها السلطات السعودية في مارس الماضي والتي كانت ضحية لرجلين هم زوجها الأول والثاني والذين كانوا منخرطين في التنظيمات الجهادية كما يطلق عليها وقتلوا على يد القوات السعودية وكعادة البيئات المغلقة دائما تجد المرأة نفسها ضائعة بلا زوج فتراها تبحث عن ذاتها في أي مكان أخر يؤمن لها بعض من كيانها المفقود في رحيل هذا الزوج فتكون صيد سهل لمثل هذه التنظيمات التي ترى في استخدامها للنقاب وغطاء الوجه وسيلة جيدة للتنقل والتخفي وسرعة التنفيذ وهو مطلب لمثل هذه التنظيمات التي أصبح أكثر أفراده مكشوفين لأجهزة الأمن لذلك ذهبت كثير من الدول الأوروبية على منع النقاب على أراضيها وهي محقة الى ما ذهبت اليه فخوفها من عمليات إرهابية حق مشروع خاصة بعد أحداث 11سبتمبر.

مسلسل المأساة مليء بالقصص التي نجد فيها المرأة ضحية وجلاد في نفس الوقت، وعليه فإن غسيل دماغ القصير مثلا الى جانب الظروف التي جعلتها حانقة طورت من قدراتها السلبية حتى جعلت منها امرأة من جحيم، وقد نجحت الى حد كبير في دعم تنظيم القاعدة لوجستيا وتجنيدا، ومن أبرز منجزاتها ضم وفاء الشهري الشهيرة بـquot;أم هاجر الأزديةquot; التي أقنعتها بالانضمام لزوجها سعيد الشهري في اليمن، لتكون أول امرأة سعودية تخرج من بلدها، وتندرج مع التنظيم في اليمن بعد الانضمام إليه.

وفي وقت سابق ناشدت أم أسامة، القيادية السابقة في الجناح النسائي لتنظيم القاعدة، وفاء الشهري ودعتها للتراجع عن اعتناق الفكر المتطرف، والتخلص من حالة الضياع التي أقحمت نفسها فيها بهروبها بطفليها وفي تقديري أن الناصحة والمنصوحة ضحايا التغرير واستغلال الظروف سواء الفردية منها أو الاجتماعية أو البيئية، فمنى كان بإمكانها أن تستمع بحياتها في سلام مع زوجها وأطفالها، والقصير كان يمكنها أن تمضي حياتها بعيدا عن أفكار وتخلد ذكرى زوجها بسلام وتؤكد حبها له دون أن يتأذى الآخرون، وكذلك وفاء الشهري وحتى أم أسامة، كل أولئك كانت أمامهن حياة رحبة يعشنها بعيدا عن أفكار الدجل والتغرير الذكوري من حولهن، وإذا امتثلن صحابيات أو مناضلات في التاريخ فقد كان ذلك لغايات اكبر من تفجير الأنفس وترويع الآمنين وتخريب المنشآت والذكر بين العالمين كأسوأ ما يكون الذكر، وكل إرهابي يجرؤ على تجنيد امرأة فإنه ناقص عقل ودين بأكثر منها، وينبغي أن ينظر لنساء القاعدة وكل من يتم توريطها بمنظور حقوقي يعيد اليها حياتها بكل ما فيها من امن وأمان لأنها تبقى ضحية مهما أظهرت من قناعات سالبة.

ولا أتصور أن هناك امرأة تنضم لتنظيم إرهابي بقناعة ذاتية واختيار حر، دائما هناك تغرير أو استغلال أو ابتزاز أو حتى خديعة، وفي كل الأحوال هناك ظروف غير طبيعية وراء إنتاج إرهابية تتحدث بقال الله وقال الرسول دون دراية منها بحسب مناهج التلقين التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية في خطابها التعبوي، واستغلال ضعف المرأة وقلة حيلتها في كثير من الحيان أصبح منهجا متطرفا يستوعب كثيرا من القاصيات بمتاعبهن في الحياة وحتى يأسهن، ومن السهل أن يكنّ هدفا للتنظيمات الإرهابية، وذلك طبيعي خاصة إذا تمت معالجة مشكلاتهن بصورة احتوائية ومخطط لها، فحقد المرأة ومكرها أشد ضراوة من الرجال، وذلك ما يتطلب مجهودا توعويا وحقوقيا مضادا تضطلع به الجمعيات الحقوقية، لأننا مازلنا بحاجة لكم هائل من الدراسات والجمعيات الحقوقية التي تعمل على نشر الثقافة الحقوقية لرفع المستوى الفكري للمرأة في المجتمعات العربية حتى لا تكون أداة يسهل استغلالها، فوضع المرأة العربية والمسلمة ليس على ما يرام.

إعلامية سعودية*