كمن صب سطل ماء بارد عليه، وهو غاف، فينتفض جراءه مذعوراً متخبطاً لا يلوي على شيء، شاغلاً الأنحاء صياحاً وضجيجاً. هكذا بدت ردود أفعال الرافضين لمبدأ حق تقرير المصير للكرد الذي أعلنه البارزاني. وما زال ذعرهم منه يتواصل كبركان يقذف بحممه إلى داخل العراق وما بين المحيط والخليج. ومن عجيب منطقهم، أن الحق المذكور مكفول حصراً للأمم المحتلة أوطانها، أما المطالبة به من حكومات quot;وطنيةquot; مهما طغت وبغت وفاق ظلمها ألف مرة ظلم الاستعمار الأوروبي السابق، فأنها باطلة ومردودة. في جهل مطبق لهم، بإنفصال السلوفاك عن التشيك وسوريا عن مصر و15 جمهورية سوفيتية سابقة عن الروس، وغير من الأمثلة على انفصال شعوب غير quot;محتلةquot;. ومن غريب اعتراضهم، أنه يجب حجب هذا الحق عن الكرد والجنوبيين السودانيين لئلا تحذوا شعوب أخرى حذوهما. نعم حجب الحرية عن شعب كي لا يطالب به شعب آخر!!

ليست الظلامية وحدها، ما يعانون منها، بل الجهل بحوادث الأمس ذات الصلة بالشأن المطروح. ففي عام 1992 أقر برلمان كردستان ومؤتمر quot;فييناquot; للمعارضة العراقية، ذلك الحق للكرد. وفيما بعد صوت 98.5% في استفتاء بكردستان لصالح استقلال الأخيرة، ناهيكم عن درج الأحزاب الكردية كافة لهذا الحق في مناهجها، فيما نادت أخرى بالإستقلال ويسري القول على رافضي الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان المنصوص عليه في اتفاقية quot;نيفاشاquot; بين حكومتي الشمال والجنوب عام 2005. وكأنهم كانوا نياماً لم يسمعوا بها إلا يوم التحضير لإجرائه في كانون الثاني المقبل. آنذاك شأنهم شأن رافضيه في العراق. راحوا يصرخون بكل ما أوتيت لهم من قوة: حذاري الكارثة آتية!

وهكذا لا يتورعون دون أي إحساس بالخجل من التصدي للمعاني النيرة: الاستقلال والحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها والانفصال. ناسين أنها نتيجة حتمية للإقصاء والتهميش اللذان تمارسهما النظم العربية بحق مكوناتها الاجتماعية غير العربية وغير المسلمة. وأنه لفهم ناقص اعتبار زعيم أو حزب كردي وحدهم المثيرون للحق المشار إليه، فالشعب الكردي الأشد تحمساً له، لذا فأن نفي هذا الحق نفي لإرادته.

وفق المبدأ الحل مع بغداد، كان من المتوقع اتخاذ الحكومة الشيعية لموقف من المطلب الكردي، لكن من المستهجن أن تكون قائمة quot;العراقيةquot; السنية الأشد كفراً به، في جهل لها بمبدأ هام في السياسة تمثل في تقديمها للتناقض الثانوي quot;مع الكردquot; على الرئيسي quot;مع الحكومةquot; وهي التي دون القوائم البرلمانية الأخرى تنعت الحكومة بالطائفية والمحاصصة والخمينية والطاليبانية والدكتاتورية والفساد وبالعمالة لإيران وانتهاك حقوق الانسان، وغيرها من الاتهامات والنعوت الرهيبة التي تبرر للكرد وللفور حتى المناداة بالاستقلال هرباً منها حتى من غير المرور بالاستفتاء، لقد كان حرياً بالعراقية أن تعلم، أن المكون السني الذي تعبر عنه سيواجه غداً تنازلياً أكثر مالم يكافح لأجل الحق نفسه الذي لم يعمل الكرد من أجله.

ختاماً، يؤسفني القول، أن الخلف العربي والكردي معاً، دون السلف في هضم وتمثل معاني الحرية والاستقلال التي كانت عنواناً للحركات التحررية العربية لذلك السلف والآن يتنكر له الخلف العربي، فيما كان معجم السلف الكردي لا يعرف إلا الإستقلال، ملكي quot;ملكية الشيخ محمودquot; وجمهوري quot;جمهورية القاضي محمدquot; الذي يخلو منه معجم الخلف الكردي اليوم ومنذ زمن.

[email protected]