منذ عقود واللوبي الأرمني يحاول إستصدار قرار من الكونغرس الأمريكي يعترف فيه بأن المجازر التركية ضد الارمن هيquot;جريمة ضد الإنسانيةquot; أي جريمة إبادة. الدولة التركية تقول أن مثل هذه القضايا ليست من شؤون السياسيين أو الحكومات أو البرلمانات، وإنما أمرعائد تماماً الى المؤرخين والآكادميين فقط. كلام لا غبارعليه. ولكن المشكلة الأساسية هنا هو إصرار تركيا على عدم فتح أرشيف الدولة أمام المؤرخين ورجال العلم من الحياديين والمشهود لهم بالنزاهة في العالم. أي أن هناك تناقض في الموقف التركي، فمن جهة تدعي تركيا أن البحث في المجازر هو أمر يعود الى المؤرخين ومن الجهة الأخرى تسد أبواب الأرشيف في وجوههم.
لماذا؟.
فتح الأرشيف سيظهر كل الحقائق التي رافقت تطبيق quot;قانون التهجيرquot; الذي كان في الواقع quot;قانون إبادة الارمنquot;، وكذلك التفاصيل المتعلقة بالمجازرالروسية (الجيش الروسي كان يضم 200000 أرمني في صفوفه) بحق الكرد في نفس الفترة. لعل الكثيرين لايعلمون أن المجازرالروسية إمتدت لتصل الى منطقة رواندز الواقعة في إقليم كردستان العراق الحالي بدءاً من الحدود الروسية شاملة كل المنطقة الكردية في الدولة العثمانية {تحدث القنصل الروسي في استطنبول فكتب يقول : بشأن العلاقات الكردية الأرمنية :- (دعوت البطريارك الى الافطار وحاولت جره الى الحديث عن علاقة الكرد مع الارمن فكان رأي نيافته: اذا كان بين القبائل الكردية ولاسيما في ولاية بدليس من يعتبر عدوا للارمن، فان الآخرين ينظرون الى الارمن كاصدقاء وهم على استعداد ليضعوا ايديهم في ايدي الارمن. وان الحكومة التركية تنظر منذ زمن بعيد نظرة شك وريبة الى العلاقة الارمنية الكردية والتي سعت على الدوام لتحريضهما ضد بعضهما، وتبذل جهود خاصة لتوجيه رأس رمح هذه الحركة ضد الارمن. انظر كردستان في سنوات الحرب العالمية الاولى د.كمال مظهر ص ْ276.}}.
وفي هذا الشأن يؤكد البروفسور نيرسيسيان انه حسب الوثائق فان 300 ألف ارمني قتل على يد السلطان عبد الحميد ومليون ونصف ارمني قد قتلوا على يد (الاتحاد والترقي التركي) وحمّل (بيرو) التعصب والتخلف الديني لفئة من الكرد ولا سيما المخاتير الموالين للسلطان جزءا من المسؤولية الفردية في تلك المجازر، واضاف ان بقاء بعض الارمن احياء يعود فضله الى الكرد والامثلة كثيرة في هذا الشأن، ويؤكد ميجرسون ان الكرد ليس لهم أي مسؤولية في المجزرة والقليل منا يعرف ان ارمن كردستان كانوا يعيشون حياة سعيدة قبل ذلك(من موسوعة ارمينيا مملكة،حضارة،مذابح الارمن).
تركيا تعلم جيداً أن لا أمل من الإفلات من مسؤولية المجازرالارمنية. حتى الآن أصدرت أكثر من عشرين دولة غربية قرارات تعترف فيها بان تلك المجازرهيquot;جريمة إبادة ضد الإنسانيةquot;. كل ما بقي في يد الدولة التركية هو الكتمان على ما أصاب الكرد وفي نفس الوقت الإبقاء على الكرد زوراً كشركاء للأتراك في الجريمة لما لحق بالارمن. من المؤسف حقاً ان نجد أن الدعاية الارمنية المضللة ضد الكرد منذ مايقرب من قرن وحتى الآن هو مبعثه أن الكرد ورثوا quot;أراضي ارمينيا الكبرىquot; بما فيها آمد(دياربكر).
تركيا نجحت الى حد بعيد في تصوير الكرد كـquot;وحوش ضاريةquot; لدى العالم الغربي،لاسيما بعد تأسيس الجمهورية. لقد بذخت الأموال بسخاء على بائعي الضميرمن السياسيين والصحافيين ورجال المال والأعمال ومن بينهم بعض الارمن لتشويه صورة الكرد وإظهارهم شركاء في المجازر. هذه الدعاية التي روج لها الارمن بشكل خاص في سنوات ما بعد الحرب العظمى، ربما كانت السبب في تبديل الغرب رأيه لاحقاً في عدم السماح بتشكيل دولة كردية عند رسم خارطة الدول آنذاك ضاربين بعرض الحائط المجازر التي أرتكبت بحق الكرد من قبل الحلف الروسي الارمني كما ورد في المقال الأول. لقد نجحوا في إظهار الضحية كجلاد.
إنطلت لعبة الدولة التركية على الارمن وسريان طورعابدين في إظهارالكرد كفاعل رئيسي مع الدولة التركية.
عند ذكر تلك المجازر يستعمل هؤلاء كلمة الأكراد....هل من المعقول أن يتم توجيه التهمة الى شعبٍ بالكامل؟ بينما توجه التهمة الى السلطنة العثمانية أو الدولة التركية أو الإتحاد والترقي وهم مرتكبوا الجريمة في الواقع وليس الى الشعب التركي،وهذا هو الصواب. هل حاول أحد ما معرفة هذا التضليل المشين؟.لماذا الدولة التركية ولكن كل الكرد؟.
من المؤسف أن يرضع كل أطفال سريان طورعابدين الحقد مع الحليب على كل ماهو كردي وهم في المهد. كل إنسان كردي هوعدو لهم، وكأن طورعابدين كانت دولة مستقلة تدارمن قبل حكومةٍ كردية بيد حاكمٍ واحد والذي فرض الفرمان السلطاني على حكومة استانبول؟؟؟. مرتكبو الجرائم كانوا حثالة المجتمع ومجرمين جناة كالقتلة واللصوص الموجودين في جميع المجتمعات. هذه الحثالة النتنة المجردة من كل ماهو إنساني فتكت بأخوتها الإيزديين الكرد أيضاً. من النادرأن نسمع من الأخوة السريان كيف حافط الزعماء الكرد على إنقاذ الكثيرين منهم متحدين بطش العسكرالتركي.
هل على اللبنانيين والبوسنيين والصرب تربية أبنائهم على الحقد والإنتقام لحل مشاكلهم التي كانت وليدة مجازر الإبادة؟ أم أن ذلك هو اللاحل وإستمرار للعنف؟. هل طالب شعب كردستان العراق الإنتقام والبغضاء على العرب جميعاً وأخذهم بجريرة العهد البائد في جرائم حلبجة والأنفال من التاريخ القريب جداً؟. على العقلاء وأصحاب الضمائرالإستفادة من تلك التجارب.
بين الفترة والأخرى يبث التلفزيون التركي مشاهد تظهر فيها المقابرالجماعية في المنطقة الكردية،وتُقدمْ على أنها ضحايا أتراك. إلا أن الحقيقة أن هؤلاء هم الكرد الأبرياء الذين تعرضوا للإبادة عند الغزو الروسي.إحدى أهم الحقائق المخزية هي أن تلك الحرب كانت قد تحولت الى حربٍ دينية quot;مقدسةquot; دنيئة بين المسلمين والمسيحيين أي الدولة العثمانية والدولة الروسية.
لماذا لا توجد أية محاولات من الارمن والاتراك لفتح الأرشيف الروسي؟.أمر يبعث على الحيرة. إذا تم ذلك ستظهر بوضوح المجازر بحق الكرد أيضاً. يبدو أن ذلك ليس من مصلحة الطرفين، فالترك يصابون بنوبة الصرع عند سماعهم حروف كلمة الكرد، بينما الارمن لايزالون مصرين على أن الكرد هم المحتلون لأجزاء من أراضي ارمينيا الكبرى.
إنها تكرارللجريمة بحق الضحايا أن يتم إستثمارهذه الكارثة الإنسانية والتي تهم البشرية جمعاء كمادةٍ للحصول على مكاسب سياسية. هذا بالضبط هو ما يقوم به المتنفذون من أرمن الشتات والذي سيكون موضوع الغد....وسنرى كيف أن مأساة الشعب الارمني لا تزال هي هي لم تتغير.....
هذه القضية الكبيرة يجب أن تبقى خارج دهاليز السياسة الفاسدة.....
كيف سنبني المستقبل؟
التعليقات