سريعاً أخلت القرائن الساحة. جاء دور التهديد: إياكم والتشكيك فيها، وعليكم البناء عليها. في الحالين، لم يفعل السيد حسن نصرالله وفريق حزب الله الإعلامي غير الطلب إلى اللبنانيين اعتماد قرائن ومعطيات غير قاطعة، على حد تعبير أمين عام حزب الله، قدمها حزب الله متهماً إسرائيل باغتيال رئيس ورزاء لبنان الأسبق رفيق الحريري، بدلاً مما يعتبره الحزب نفسه، دلائل ومعطيات وقرائن غير قاطعة ومسيسة يتهيأ فريق التحقيق الدولي للجهر بها وإعلانها. النتيجة واضحة لكل من يريد ان يفكك الرموز والشفرات المتداولة: حزب الله يؤمن ان التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري فاقد المصداقية، وغير مبني أصلاً على أدلة صلبة. ويقدم للبنانيين بديلاً منه: قرائن ومعطيات تتيح الشك بالعدو الإسرائيلي بوصفه مستفيداً وقادراً على تنفيذ عملية الاغتيال.
بين الحدين اختفى ابو عدس. لم يعد ذا صلة بالموضوع. بات يفترض بنا ان نؤلف سيناريوهات معقدة لتبرير اختفائه. على أي حال، ليس مهماً للبنانيين ان يختفي ابو عدس او يظهر. أقله في السياسة. المهم ان يستطيع البلد تجاوز محنته المتجددة. هذه المحنة لها عنوان وحيد:
حزب الله يؤمن بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اداة في يد قوى دولية مشبوهة، إن لم نقل معادية. وهي تالياً تريد النيل من المقاومة. إلى هنا ليس في هذا الإيمان ما يبعث على الاستهجان. لكنه يردف ويضيف، في السياسة والميدان: ثمة بين اللبنانيين قوى غالية على قلوب هذه القوى الدولية المشبوهة، والمعادية، وعليها ان تدفع الثمن بوصفها رهينة يريد حزب الله التضحية بها إذا ما اصرت تلك القوى الدولية على معاقبته واتهامه بتدبير او المشاركة في عملية الاغتيال. باب التوبة مفتوح، وهو باب يفضي إلى الإيمان القوي يصدق نوايا حزب الله، والاكتفاء من التحقيق القانوني وتطلب العدالة القضائية بتقرير حدوث الواقعة، ثم يطلب إلى من يسألهم التوبة قبل فوات الأوان ان يعودوا إلى مرحلة الاتهام السياسي. إسرائيل هي المسؤولة. ولو حدث ان المحقق الدولي لم يجد في ما يقدمه حزب الله من قرائن ومعطيات ما يقيم أود فتح تحقيق جدي مشتبهاً بإسرائيل وأدواتها، فيجب على اللبنانيين الاكتفاء بالقناعة بمسؤولية العدو الإسرائيلي الذي يتربص بلبنان شراً. إن رفض اللبنانيون الاستجابة لهذا المنحى سيدفعون الثمن.
المشكلة في ما يطرحه حزب الله تتمثل في افتقاد المنطق الذي يحميه. ليس اللبنانيون اعزاء على قلوب المجتمع الدولي والقوى المتحكمة فيه. لم يكونوا يوماً أعزاء أصلاً. وعليه فالرهينة التي يهدد حزب الله بخطفها لا تملك عزوة دولية مستعدة لدفع فديتها. اقله وفق منطق حزب الله نفسه. إذ لو صح ما يعلنه تحليلاً وقطعاً للشك باليقين، فهذا يعني جملة واحدة، لكنها معبرة كثيراً: لقد اغتالت القوى الدولية المشبوهة و\او المعادية احد ابرز زعامات لبنان، مستفيدة من لحظة احتدام الخلاف بين الزعيم الراحل والنظام السوري الذي كان يهيمن على لبنان يومها، ليتسنى لها اتهام سوريا و\او المقاومة التي يمثلها حزب الله بالاغتيال. ثم الحقت هذه العملية التي هزت لبنان في ذلك الرابع عشر من شباط فبراير من العام 2005، بعمليات اغتيال متتابعة لمبرزين وقادة وسياسيين من لون واحد، هو اللون الذي يشتبه حزب الله بأنه غال جداً على قلوب القوى الدولية المشبوهة. لنصدق ما يدعيه حزب الله. ما الذي يمنع هذه القوى اليوم من التضحية مجدداً بمن يتلونون بلونها؟
ليس لغزاً ولا محاولة لتعقيد ما هو معقد أصلاً. ثمة كلمة واحدة يمكن ان نصف بها حملة حزب الله التي توجها أمينه العام بمؤتمره الصحافي الأخير: البندقية تصوب نحو الهدف الخطأ.