ان وسائل الإعلام كثيراً، ما تضحي بالجانب الأخلاقي عند ممارسة عملها في سبيل الحصول على نسبة مشاهدة وتحقيق السبق الصحفي، ويتصادم حق وسائل الإعلام في الحصول على الأخبار والمعلومات ونقل الثقافة والفنون والعلوم مع حق المجتمع في الحفاظ على بنائه وأمنه وقيمه وتقاليده، وكذلك حق المواطنين في حماية سمعتهم من القذف والتشهير والحفاظ على أسرار حياتهم. ولكن في رأيي أن الإعلام مظلوم، وحسب نظرية الأواني المستطرقة، فالمياه تأتي عليها من كل جانب سواء من الحكومة أو الرأي العام، ومن النخب، إلا أن هذا لا يبرئ الإعلام، ولكن يجب أن ننظر إلى أطراف المعادلة بالكامل، لأن الإعلام ليس هو المتهم الرئيسي بل الذين يعملون في مجال الإعلام.
أن برنامج (خلن بوكا ) الذي تعرضه أحدى القنوات الفضائية في شهر رمضان يمثل تلاعب في مشاعر المواطن،واستخفاف بإنسانيته، حيث تقوم قصة البرنامج على الإيقاع بشخصية إعلامية معروفة من خلال زرع عبوة في سيارته،وتعثر الشرطة على هذه العبوة،ويتبرى مقدم البرنامج من هذه الشخصية وبالاتفاق مع عمليات بغداد، وتترك هذه الشخصية في حيرة من أمرها وهو بين ليلة وضحها قد أصبحت متهمة.
ولاعتقد إن أحدا من المشاهدين لم يتعاطف مع الشخصية التي تظهر عليها علامة الحيرة والتعجب والذهول،وصرن نرى الفنان في وضع لايحسد علية وهو ولايفكر في شي سوى بمصير عائلته، وكيف أصبح إرهابيا،بعد إن قدم هذه لإنسان الكثير البلدة خلال هذه السنين الطوال، وكنا نتمنى إن لانرى مثقفينا في هذا الموفق وهو فاقدا الاعصابة، متوترا، حاد المزاج،مما يغير الصورة التي نرسمها له طيلة هذه السنين،فكيف يقوم بزرع العبوات، وهو الذي رسم الضحكة على شفاه الملايين،وقدم حياته وشبابه خدمة لهذا الوطن، وكان الممكن إن يكون هذا الإنسان مصاب بمرض مزمن كالقلب،أو الجلطة، أو الضغط ولأسامح الله قد يقع حادث لاتحمد عقباه ونخسر شخصية إعلامية أو أدبية.
ولاعتقد إن البرنامج يختلف عن الجزء الأول الذي عرض في رمضان الماضي لما فيه من تجاوز وسلبيات عديدة، فهو رغم ذلك كان اقل تأثيرا على الشخصية المشاركة في البرنامج من الجزء الذي عرض هذه السنة، والادري كيف وافقت قيادة عمليات بغداد على المشاركة فيه، وجعل هذا لإنسان يعيش في رعب كبير، لان أصعب شي على المواطن العراقي هو اتهامه بخيانة بلدة، وهو الذي قضى حياته في محاربة الإرهاب من خلال الإعمال الأدبية التي قدمها كأن تكون قصة أو مسلسل أو رواية،أو قصيدة شعرية.
كما أن احترام القيم الإنسانية كالمواطنة هي التي يجب أن تسود في علاقة الإعلامي بالمؤسسة التي يعمل فيها أو بالمواطن أو بالحكومة أو بالمستهلكين أو بالرأي العام أو بالفكرة، وهذه الأطراف هي التي تخلق هذه القيم والتنافس الجاد في وسائل الإعلام، يجب إن لا يجعل القناة والمسئول عنها من الأطراف الضعيفة جداً، لأنه يجب أن يلهث في هذا الصدد حتى يكون موجوداً في السوق. ولكن إذا خرج عن المعايير التي تسود السوق أو حاول أن يستغل مهنته، سوف يفشل وينزوي، وبالتالي لا تكون ذات تأثير كبير، وخاصة أن الإعلام لم يعد مكلفاً، ويصل الآن للجميع، كما أن الميزة الاحتكارية سقطت منذ زمن طويل.
فوسائل الإعلام تعكس الكثير من القيم والعادات وأساليب الحياة، ليس لكونها تعبر عن الواقع والحقيقة وإنما لتلبية بعض حاجات المجتمع، ولا يستطيع الكثيرون منا أن يميّزوا بين الواقع الذي تخلقه وسائل الإعلام والواقع الحقيقي الذي نعيشه اليوم.
التعليقات