من مفكرة سفير عربي في اليابان

ناقش البروفيسور الأمريكي، الإيراني الأصول، والي نسر، الأستاذ بجامعة تفت، التطورات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، في كتابه، قوى الثورة، صعود طبقة وسطى إسلامية في الشرق الأوسط، وما الذي ستعنيه للعالم. فيعلق الكاتب بقوله: quot; الشرق الأوسط ليس فقط منطقة للتطرف والعنف، بل أيضا موقع لاقتصاديات مكافحة ومزدهرة، منطقة تتصاعد فيها قوة طبقات جديدة، ومثقفي الإعمال الحرة، لتغير الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية. وتؤكد ذكرياتنا عن القوى الصاعدة، بأن الصعود في عالم العولمة الجديد لا يعتمد على القوة العسكرية، بل يحتاج لنجوم اقتصادية تقود التنمية في الدول التي من حولها. وليست إيران مثلا ساطعا لهذه النجوم حتى الآن، فاقتصادها المعزول ترتيبه 151 بين 160 دولة في العالم ... ولن تكون قوة إقليمية، إلا حينما تتحول لقوة اقتصادية بدل قوة ديكتاتورية دينية عسكرية، والذي لن يتحقق إلا بتناغم عملها مع جيرانها، ومع باقي دول العالم، وخاصة الولايات المتحدة، وعليها الاستفادة من تجربة دبي التي تحولت لأرض الأحلام في العالم الإسلامي، والتي يحب المسلمون أن يعيشوا فيها، بعد بلادهم، لجمعها بين الحرية الاجتماعية واحترام اللباقة الإسلامية.
وقد أكد الإسلام على حقوق الملكية الفردية، وعلى أهمية التجارة في اقتصاد المجتمع، بل أعتبر العمل الحر من خيرة الأعمال، ومع أنه وضع تشريعات تحمي التجارة، وأموال المستثمرين، وتمنع الاحتكار، والاستغلال، أكد أيضا في تشريعات أخرى على ضرورة إرجاع جزء من الأرباح، كزكاة، للاستفادة منه، لتمويل شبكة حماية اجتماعية، تحافظ على أمن المجتمع واستقراره، بتوفير رعاية صحية للمواطن، وتعليمه وتدريبه، وضمان تأمين تقاعده وتعطله. كما تشارك مفاهيم الإسلام الغرب في قيمه عن السلام والأمن والحرية وحقوق إنسان، والحداثة (والتي لا تعني غربنة أو علمانية)، والديمقراطية، واحترام الأديان والمعتقدات الأخرى، وهي جميعها جزء من القيم الإنسانية السامية. فقد طورت حداثة الحضارة الإسلامية اقتصاد مجتمعاتها، وشجعت الترجمة من الشرق والغرب، وطورت العلوم والرياضيات والفنون والاختراعات.
ويعلق الكاتب على معالجة أزمة العولمة لعام 2008، بقوله: quot;فلإحياء اقتصاد العولمة من جديد، بعد أزمة عام 2008، علينا تمكين براعم القوى التجارية في العالم الإسلامي. ولن يكون ذلك مهم لاقتصاد العولمة فقط، الذي سيضيف مليار ونصف مليار مسلم لنشاطاته التجارية، بل أيضا سيعجل انطلاقة تحرر الرأسمالية من شوائب انفلاتها. ويستطيع الغرب المساعدة، لتقليل سلطة حكومات دول المنطقة على الاقتصاد، وتحرير أسواقها، وعلينا القبول، بأن هذه الآلية التاريخية ضرورية، لانتقال المنطقة للمرحلة القادمة من الحرية والازدهار. ولا يعني ذلك إضعاف الحكومات، بل بالعكس نحتاج لحكومات قوية فاعلة، ولكن علينا تحديد مسئولياتها ومهامها، كما علينا تقليل سلطتها في التجارة، وتحرير سوقها من قبضة مسئوليها، وضبطها بالقوانين والأنظمة التي تسهل التجارة، وتحمي رؤوس الأموال، وتمنع الاستغلال والاحتكار والتلاعب والفساد. ليتطور العمل الحر وتبرز أجيال جديدة من تجار مبدعين، ولتوفر الفرصة لإبداعات العلماء والمهنيين، وتحول اختراعاتهم وصناعاتهم لمنتجات مربحة تقوي الاقتصاد وتحسن البنية التحتية والاجتماعية للمجتمع.quot;
ويعتقد الكاتب بأن على الغرب مساعدة منطقة الشرق الأوسط لتحقيق دول القانون، ونشر الشفافية، والمحاسبة، وتحرير التجارة من البيروقراطية، والشرائط الحمراء. كما عليه الدفع لتقليص القطاع العام، وزيادة نشاطات القطاع الخاص، وزيادة فرص العمل للمواطنين فيه، وتشجيع اقتصاد المنطقة للانفتاح للاستثمارات الخارجية، والتجارة، وحرية تحرك المنتجات والموارد الطبيعية. كما على الاستثمارات الغربية دعم العمل الحر والتجارة، وفتح أسواقه لمنتجات المنطقة، وعلية المساعدة كما ساعد الهند، والصين، واليابان، والفيتنام، وباقي دول آسيا من قبل، ليربح الجميع. وقد دفع الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي لتقدم التجارة في تركيا، مما أدى لتغيرات في القانون، والديمقراطية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومع إن الغرب ضيع التريليونات من الدولارات في مغامرات عسكرية في المنطقة، لحماية مصالحه، ولكنه لم يهتم بتطوير تجارته فيها. فالتجارة الغير نفطية، والغير دفاعية، بين الولايات المتحدة والعالم العربي، لم تتجاوز العشرين مليار دولار في عام 2007، ومع أن هناك كثير من اتفاقيات التجارة الحرة مع المنطقة، ولكن لا توجد حتى الآن منتجات مصنوعة بالعالم العربي في الأسواق الأمريكية. وبالعكس تجاوزت التجارة الأمريكية، في عام 2008، مع دول أمريكا اللاتينية مائتي وخمسة وعشرين مليار دولار، ومع والهند أربعة وأربعين مليار، ومع أوروبا الشرقية الاثنين والستين مليار، ومع البرازيل ثلاثة وستين مليار، ومع تركيا خمسة عشر مليار دولار. فصعود الطبقة التجارية في المنطقة، لن يؤدي لوقوفها ضد مصالح الولايات المتحدة، فالتجار برغماتيون، فمع أنهم لا يعبرون عن كراهيتهم للولايات المتحدة، ولكنهم مستاءون من الدعم الغير مدروس لإسرائيل، ومع أنهم لا يقفون مع الغرب كباقي شعوبهم. وتبين استطلاعات الرأي، بأن 83% من العرب لديهم تصورات سلبية عن الولايات المتحدة، 70% منهم لا يثقون بها، مع أنهم يعتبرونها في قمة الدول التي توفر الحرية والديمقراطية لمواطنيها. كما أن 65% من العرب لا يعتقدون بأن الولايات المتحدة جادة بنشر الديمقراطية في منطقتهم.
ويعتقد الكاتب بأن على الولايات المتحدة القبول بأن صعود الطبقة المتوسطة في المنطقة ستكون إسلامية ومحافظة، ولا يحتاجون لنصيحة من الغرب للتخلص من بعض قيمهم التقليدية، ولا يعني ذلك بأنهم لا يرحبون بالإصلاح، ولا يرغبون في العمل للحرية، وحقوق الإنسان، وسيضر الأمريكيون بمصالحهم، إذا ركزوا على ولاء المنطقة للإسلام، فهناك قليل من الدلائل بأن نمو المحافظين في المجتمعات الإسلامية، يتناقض مع نضالهم للحرية والازدهار، والصورة واضحة في تركيا. ولن يستطيع الغرب كسب الطبقات الفقيرة بحرب الثقافات، فحينما يحس هؤلاء بالخطر الغربي على قيمهم، سيستمرون في الاعتماد على المتطرفين، وسيؤدي ذلك لخسارة المعتدلين. وفي النهاية، وبعد المقاطعة والصراعات، تبقى الطريقة الوحيدة لخفض التطرف والرفض ليس بزيادة المقاطعة والصراعات، بل بزيادة التجارة والتفاعل. ويعلق الكاتب على سياسة المقاطعة بقوله: quot;قد نكبح بالحرب الدول التي نعتبرها مهددة لمصالحنا، ولكن لو أردنا تغير هذه البلدان علينا زيادة تجارتنا معهم، لا أن نقللها ونقطعها. وفي النهاية سيكون حافز المنافسة والربحية حليفنا القوي، وسيشجع الطبقة المتوسطة للدفع لإصلاحات اقتصادية صديقة للتجارة ولقوانين تحميها، ولفتح اقتصاديات بلادهم للتجارة مع العالم، وسيدفعون لحكومات جيدة فاعلة كما فعلوا في الهند والصين.quot;
وتؤكد الوقائع بأن جميع دول العالم الإسلامي مستعدة للتجارة، وبنجاح بعضهم بمساعدة الغرب، سيقود هؤلاء الناجحون التجارة في المنطقة بأسرها، لينشغل شعوب العالم الإسلامي بتنميتهم الاقتصادية والاجتماعية، ويتجنبون التطرف والإرهاب، لتثرى مجتمعاتهم، وتزدهر، ويزداد استهلاكهم. وستحتاج منطقتهم لمنتجات الغرب، لتشغل مصانعها، وتقل البطالة، وينمو الاقتصاد، وينتشر السلام والرخاء. ويعتقد الكاتب بأن هناك ليس أية شك، بأن توازن القوى في الشرق الأوسط، معتمد على القوة الخشنة اليوم، ولكن في المستقبل، سيقاس هذا التوازن بالاقتصاد. فالعالم الإسلامي يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة، وموبوءة بالتخلف، والتطرف، والعنف، وإذا لم يتحرك الغرب، لدفع المنطقة بطاقاتها الاقتصادية المبدعة، فعليه توقع الأسوأ، والذي سيضعف أمن، وسلم، واقتصاد، وقوة الغرب الخشنة. وقد حاول الغرب لسنوات طويلة معالجة هذه التحديات بالصراعات، والمقاطعة، فلم يفلح، فعليه أن يعمل، لكي ينشط القطاعات التجارية، لتقوم من الداخل بإصلاحات اقتصادية واجتماعية، تدفع بالمنطقة للثراء، والازدهار، والسلام. ويختتم ولي ناسر كتابه بالقول:quot;حينما هاجم المتطرفون كلية الشرطة في لاهور في مارس عام 2009، وقتلوا الكثيرين، وحاولوا إسقاط الحكومة الباكستانية، اتصلت بتاجر محلي كبير متدين وصديق، لأطمأن عليه، وسألته عن الوضع، فقال: أنهم يقتلون هذه البلد بالرصاص كل مرة. فسألته ما الذي نستطيع عمله، فرد بقوله: لا اعرف ما يمكن أن نفعله، ولكن اعرف ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، الغوا التعرفة الجمركية، وساعدوا نمو الاقتصاد، أما الباقي سينحل بنفسه.quot; ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان