بتحريض من خطيب مسجد بعد صلاة الجمعة في وقت سابق من الشهر نزل مئات من الشبان الكورد في مدينة دهوك شمالي العراق الى الشوارع في موجة من أعمال الشغب. وعلى امتداد أربعة أيام أضرموا النار في عشرات من محلات بيع الكحول مهددين أصحابها لاحقا بمزيد من أعمال العنف إذا تجرؤوا على إعادة فتح محلاتهم. كما هاجموا كنيسة للمسيحيين الآشوريين ومنازل في قرية المنصورية المجاورة ودمروا ممتلكات بينها أربعة فنادق وناديا للياقة البدنية وناديا اجتماعيا آشوريا في دهوك.
كان الضحايا من الآشوريين وهم شعب متميز عرقيا ولغويا يُعرفون أيضا بالكلدان أو السريان حسب الانتماء المذهبي، ومن الازيديين. وينتمي أولئك وهؤلاء الى جماعتين عرقيتين قديمتين نالتا نصيبا مضاعفا من المعاناة في أعقاب الحرب مثلهما مثل سائر الأقليات المقهورة في المجتمع العراقي. وأدت القلاقل وأعمال العنف الى هبوط عدد الكلدان الآشوريين السريان من 800 الف على الأقل في عام 2003 الى 400 الف اليوم. وهم يمثلون 35 في المئة من مجموع اللاجئين العراقيين منذ الحرب ونسبة عالية من المهجرين داخل العراق. وتعكس المعاناة المضاعفة التي فُرضت على الأقليات العراقية استفرادهم بالاضطهاد من جانب الجماعات الأغلبية وبالدرجة الرئيسية من متشددي السنة العربوالكورد في حالة الآشوريين، فضلا عن غياب جهاز أمني يتولى حمايتهم.
وردت حكومة أقليم كردستان على أعمال الشغب في دهوك بالتزمير لما سمته quot;التقاليد الكردية في التعايش بين الأعراق والأديانquot; رغم ضرب هذه التقاليد عرض الحائط في واقع الحال. وظلت أعمال الشغب منفلتة رغم قيام السلطات باعتقال عناصر من الاتحاد الإسلامي الكردي المعارض وتسوية مقره في دهوك مع الأرض دون وجود أدلة دامغة على ضلوع الاتحاد في هذه الأعمال.
وهذا دليل آخر على أن حكومة إقليم كردستان تضع رغبتها في بسط سيطرة مطلقة في منطقة quot;كردستانquot; ذات الحدود المطاطة فوق حماية الأقليات الخاضعة لسيطرتها (بل وحتى الكورد الخاضعين لحكمها). ومع استمرار نزوح الآشوريين هربا من الجماعات الإرهابية والاضطهاد في الجزء العربي من العراق فان أعدادا كبيرة لجأت الى المنطقة الشمالية ذات الأغلبية الكردية. وتصف حكومة إقليم كردستان هؤلاء اللاجئين الآشوريين بالمسيحيين فحسب لتجريدهم من أي شرعية قومية وبالتالي سياسية، وتوظيفهم ديموغرافيا لخدمة هدفها في توسيع رقعة الأرض التي تسيطر عليها. ورغم الادعاءات القائلة أن حكومة إقليم كردستان أقدر على توفير الأمن وتحسين أحوال الآشوريين فان هؤلاء اللاجئين كثيرا ما يفتقرون الى الخدمات الأساسية ناهيكم عن الحقوق المدنية. وفي حين ان سياسات حكومة إقليم كردستان القائمة على التمييز العرقي والتوسع تلحق ضررا جسيما بالجماعات العرقية الأصلية غير الكردية في الإقليم الذي تسيطر عليه وحوله فان الشرخ الذي يتفاقم داخل الحكومة العراقية منذ انسحاب القوات الاميركية بين القوى التي تتحدث باسم السنة والقوى التي تحكم باسم الشيعة، يهدد سلامة العراق وسيادته الإقليمية. ولا تُعرف حتى الآن التداعيات المترتبة على استمرار الصدع في التفاقم. ولكن الأقليات المحشورة بين المكونات الأكبر في صراعاتها السياسية والمادية ـ مكونات كثيرا ما يراهن سياسيوها على دعم دول أجنبية ويتلقون التوجيه منها ـ ستجد نفسها في خطر أكبر من ذي قبل.
واياً تكن الإرادة الشعبية لدى العراقيين من اجل الحفاظ على التعدد العرقي والمذهبي لبلدهم فان توجه الإرهابيين الى استخدام العنف بلا حدود في محاولاتهم تطهير العراق من مسيحييه، مقترنة بفشل الحكومة في بناء تماسكها وحماية مواطنيها يجعل هذه الإرادة غير مجدية في الظروف السياسية الحالية.
يتمحور أهم مقترح لحماية وجود الأقليات العراقية وازدهارها حول تطوير إقليم سهل نينوى بمبادرة من مشروع الديمقراطية المستدامة في العراق ومشروع نينوى. فان سهل نينوى هو الموطن التاريخي للشعب الآشوري ومهد حضارة وادي الرافدين منذ غابر الزمان. وهو منطقة غالبية سكانها في الوقت الحاضر من الأقليات، نصفهم تقريبا آشوريون.
ومن العناصر الأساسية للمقترح كبح جماح القيادة السياسية والدينية التي أبدت استعدادا لتدعيم التوسع الكردي على حساب المصالح الآشورية. إذ دأبت حكومة اقليم كردستان منهجيا على ترهيب القادة السياسيين الآشوريين الذين أعلنوا تأييدهم لمشروع نينوى، وسعت الى إغراق المنطقة بالمواطنين الكورد وقوى الأمن وتأخير إجراء استفتاء على وضع المنطقة بأمل ان تتمكن من ضم المنطقة مراهنة على تنامي عدد السكان الكرد وضعف الإرادة السياسية بين الأقليات المنقسمة.
في هذه الأثناء لاقى عمل الائتلاف الأميركي الآشوري ومنظمات أخرى استجابة من الحكومة الأميركية. ورصدت وزارة الخارجية الأميركية اعتمادات مالية للأقليات العراقية. وفي 17 كانون الأول/ديسمبر اقر مجلسا الشيوخ والنواب مشروع قانون يمنح مساعدات الى الأقليات العرقية ـ الدينية في العراق للمساهمة في ضمان استمرارها. ويسعى القانون الى تيسير وتحقيق الأهداف المتوخاة من مشروع نينوى، وهو قانون مشجع في كونه يعترف بالحاجات الخاصة لسكان السهل الأصليين، بما في ذلك ضرورة إنشاء قوات شرطة من أفراد الأقلية.
وإذا أُريد تأمين وجود شعب من أقدم شعوب العالم فان ذلك يتحقق من خلال نشاطات منسقة بين أحرار من اجل حماية مقدراتهم ضد عصابات القتل الجهادية والمحسوبيات وبؤس السياسة، وقيادات دينية أثبتت منذ زمن طويل أنها تعتبر سلطتها المؤسسية أثمن من أرواح رعيتها من المؤمنين. وسيكون سهل نينوى اختبارا حاسما لديمقراطية العراق ومبعث أمل لأشد مواطنيه معاناة.

نشر هذا المقال أيضا في الغارديان انقر هنا لقراءته بالانجليزية
ترجمة عبدالاله مجيد