يجيب على هذا السؤال بالإيجاب الاختصاصي الفرنسي في الفلسفة السياسية، فيليب نيمو، في كتابه الجديد، المعنون quot; فرنسا المعميّة بالاشتراكيةquot;، الصادر للتو [Philippe Nemo- La France aveugleacute;e par le socialisme
سنحاول استعراض الكتاب باختصار، رغم انه يتعرض لمشاكل فرنسية كثيرة يستوجب بعضها مقالا خاصا.
يبدأ المؤلف بالقول إن فرنسا 2011 تعاني من عدد مؤلم من المشاكل المزمنة: البطالة، تراجع التصنيع، الكساد الاقتصادي، ازدياد الفقر، الديون، الضرائب التي تثقل من عام لعام، هروب الأدمغة والشباب، الهجرة غير المنضبطة، الضواحي التي تعمها الفوضى، فقدان الأمن، انهيار النظام التعليمي والجامعي، شلل وتحيز القضاء، انحسار النفوذ الدولي، استياء جميع الفئات الاجتماعية، عدم ثقة المواطنين الواحد بالآخر، وعدم ثقة الجميع بالمؤسسات؛ وغيرها من معضلات.
ويرى الكاتب أن هذه المشاكل ليست غير قابلة للحل، وأن بإمكان المجتمع ككل تجاوز المصاعب بالدماء الجديدة. وفي الماضي، عانت فرنسا أوضاعا أسوأ من أوضاع اليوم، وهي ليست فقط استطاعت التجاوز، بل وحققت أيضا منجزات جديدة ولامعة.
من أجل ذلك، فإن المطلوب هو التحرك والمبادرة؛ ولكن الفرنسيين يشعرون أن المسالك المفتوحة أمام الدول الديمقراطية الأخرى، لتصحيح الأخطاء ولتجاوز الصعاب، هي مغلقة في وجوههم. ومن هنا تبدو اللوحة مظلمة.
والواقع، أنه لأجل التصحيح والتجاوز، فلابد أولا من طرح المشكلات بكل وضوح وصراحة، وتحليلها بعقلانية، و- عند اللزوم- التشكيك في جميع quot;الكلايشquot; والقوالب الفكرية التي أدت لحدوث تلك المشاكل. وبتعبير آخر، ينبغي أن يكون التفكير السياسي والاجتماعي حرا. وهذا مفتقد في فرنسا، كما يرى المؤلف. فهو يرى أن فرنسا سجينة الأساطير والمحظورات، ومعمية ب quot; الفكر الواحدquot;، بحيث أن أية مقترحات جديدة عقلانية وبعيدة النظر لا يجري استقبالها كفرضيات تستحق النقاش، بل ينظر لها كتجديف يجب رفضه مسبقا حتى من دون أي نظر فيها. هذه مثلا، ومن بين مشكلات أخرى، هي حالة التعامل مع قضايا كالهجرة، والأمن، والنظام الضريبي، وأثقال الوظائف العامة، والحق في العمل، والضمان الاجتماعي، ونظام التقاعد، ووضع المدرسة والجامعة.
أما تفسير هذا quot; العمىquot; الفرنسي، عند المؤلف، فهو: quot; أن شريحة واسعة جدا من الفرنسيين، وشريحة أكبر من [ النخب]، هي، وسواء أدركت ذلك أم لم تدركه، قد أصبحت اشتراكيةquot;.
وتتساءل مجلة فرنسية هل إن هذه الفرضية هي استفزاز مقصود مع أن quot; اليمينquot; يحكم فرنسا منذ نحو عشر سنوات؟، ويجيب المؤلف:
quot; إن اليمين الفرنسي لا يدرك أنه أكثر يسارية من اليسار في الدول الأوروبية الكبيرة الأخرىquot;. وهو يدلل على هذه الفرضية في فصول الكتاب، البالغ عدد صفحاته 207 صفحات. وهو يحدد سنوات التحول نحو اليسار، بكل أشكاله، اعتبارا من عام 1981، أي رئاسة الاشتراكي ميتران، وإذ تعمد اليسار الهيمنة بوجه خاص على المدرسة ووسائل الإعلام. وبعد ثلاثين عاما، صارت المدرسة تدار بالعقلية التي زرعها الاشتراكيون، وأصبح الرأي العام يفكر تفكيرا متشابها في مسائل المجتمع والاقتصاد، وحتى في المسائل الأخلاقية، مع تهميش مساحة المبادرات الخاصة للأشخاص والمشاريع الصناعية ومجموعات المجتمع المدني.
ومن أخطر فصول الكتاب ذلك الذي يعالج جملة من القوانين التي اعتمدها اليسار الاشتراكي والشيوعي سابقا، والتي، كما يرى المؤلف، هي ذات جذور وحيثيات شمولية، تحد من حرية الرأي والتفكير والتعبير، خلافا لتقاليد اللبرالية، وبحيث أصبح مجرد الكلام في موضوع quot; محظورquot; جريمة يعاقب عليها القانون. ومن ذلك ما يخص الهجرة والمهاجرين، أو المحرقة النازية، أو دور الأفارقة أنفسهم والعرب في الرق وليس تجريم الأوروبيين وحدهم. واليوم، تريد الحكومة الفرنسية سن قانون يجرّم كل من يشكك في حملة إبادة الأرمن في تركيا، مع أن هذه وأمثالها أحداث تاريخية معترف بها دوليا، وأكدها المؤرخون والباحثون المنصفون، وأكوام من الوثائق والمعلومات. رغم ذلك، فلا يجب غلق الباب أمام أي كلام حولها يحمل رأيا آخر. والواقع أن من ينكر المحرقة، إنما يضع نفسه في قفص التحيز الأعمى المطبق وهوس الكراهية، أو الجهل التام. ومن يشكك في إبادة الأرمن، فهو أيضا يجد نفسه في وضع أخلاقي لا يحسد عليه. ولكن هل يجب إخضاع تناول أمثال هذه الأحداث التاريخية الموجعة لقوانين التجريم القضائي، كما هو الحال في فرنسا- وهو ما لا نجده مثلا في الولايات المتحدة؟؟!! والنتيجة هي غلق نوافذ الرأي الآخر والتفكير ومنافذ الإضافة أو التصحيح او التعديل في التوثيق التاريخي. وبعبارة، فإن ذلك اعتداء على حرية الرأي والتعبير، وخنق لهما.