سعدون المحسن

أشهر الأفكار التي تشيع هذه الأيام بين المثقفين العراقيين عن quot;الفيسبوكquot; هو أنه شكل حديث من أشكال المقهى. هذا ما يتردد كثيرا في الحوارات الجانبية والتعليقات السريعة، والعلة، كما يفهم الكثيرون، أن quot;الفيسبوكquot; وquot;التويترquot; يعرفان رسميا بكونهما قناتي تواصل اجتماعي. ومع هذا فإن أحدهم لمح اثناء حوار جانبي معي إلى فكرة تعلق المثقفين العراقيين بالمقهى وحنينهم الدائم لها، ثم رأى أنهم ربما نقلوا إلى quot;الفيسبوكquot; كل ما كان يفعلونه في مقاهيهم التاريخية كالبرلمان والمعقدين وحسن عجمي.
الفكرة وجيهة بعض الشيء فأنت إذا أردت، هذه الأيام، معرفة مواقف المثقفين مما يشهده العالم العربي من ثورات عاصفة فما عليك إلا الدخول لصفحات quot;الفيسبوكquot; التي يتشارك بها مئات الأدباء والفنانين والباحثين والأكاديميين. حينها فقط يمكن أن تفغر فمك دهشة من حرارة الأجواء وتصاعد النقاشات حول هذه القضية أو تلك. بل أنه سيخيل إليك، لوهلة، إنك داخل إلى مقهى quot;البرلمانquot; أيام عزها أو إلى مقهى quot;الشابندرquot; في صبيحة يوم جمعة صاخبة.
متابعة تلك النقاشات ستكون مفيدة وممتعة خصوصا أن فاعلي quot;الفيسبوكquot; العراقي متنوعون في كل شيء فهناك شعراء ونقاد وقصاصون وروائيون وهناك ايضا مسرحيون وممثلون ومطربون وتشكيليون. وإلى جانب هؤلاء ثمة مثقفون يرتبطون بعلاقات حميمة مع منتجي الأدب والفن وهذا الصنف من الرواد يوجد في المقاهي الأدبية أيضا كما تعرفون.
ومثلما تبرز الأمزجة الشخصية عبر الحوارات والتعليقات تبرز كذلك الانحدارات السياسية فثمة يساريون وقوميون وإسلاميون وهناك أيضا ليبراليون وصعاليك. ألم نقل أنها مقهى جديد!

أسئلة اللحظة الراهنة: نريد أن نعرف!
انعكاس ما يجري في العراق حاليا واضح تماما في هذه المقهى الافتراضية. فعدا نشر روابط لمقالات تنشر في الصحف، ثمة تأسيس لمجموعات شبيهة بالمنتديات حيث يتفق بضعة أصدقاء على تأسيس مجموعة يتداولون عبرها الآراء ثم يتجادلون في ما بينهم. وغالبا ما تكون هذه المنتديات مفتوحة لمن يرغب بالانتماء إليها حيث يكتب المثقفون ما يحلو لهم من أفكار تكون عادة بؤرة لنقاش محتدم.
إحدى هذه المجموعات انطلقت قبل حوالي عشرين يوما لكن أعضاءها يتجاوزون الألف الآن، والفضل في اتساعها السريع يعود لفكرتها الملفتة حيث أطلق عليها مؤسسها وهو الباحث سعدون محسن ضمد تسمية quot;نريد أن نعرفquot; ودشنها بعشرات الأسئلة الموجهة الى السلطة التشريعة والتنفيذية؛ نريد أن نعرف كم هو عدد ملفات الفساد التي لم تفتح لحد الآن؟ نريد أن نعرف ما هو موقف المرجعية الدينية من القضية الفلانية؟ وألخ.
آخر تطور حدث في هذه المجموعة هو تبرع الشاعر والروائي أحمد سعداوي بتصميم quot;لوغوquot; لطيف للصفحة استلهم فيه فكرة السؤال أو quot;إرادة المعرفةquot; التي تضغط هذه الأيام على أذهان المثقفين، ومنهم أحد الأدباء الذي تفتق خياله عن سؤال ربما لم يخطر في رؤوس صناع القرار السياسي. لقد سأل: quot;نريد أن نعرف ماذا يفهم الساسة والمسؤولون العراقيون، ممن يسكنون في قصور النظام السابق، من الآية 45 من سورة إبراهيم التي تقول: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال)؟
بالمقابل فأن الملاحظة التي تلفت النظر في مثل هذه المجموعات هو أنها كشفت عن الكثير من الأمراض الاجتماعية التي تميز المثقفين العراقيين ـ خصوصا الشعراء ـ، ومن ذلك التبجح والنرجسية الفاقعة وإلغاء الآخر والركون إلى لغة العنف والتحقير أثناء الجدالات. هذه الظاهرة اضطرت الشاعر سليمان جوني مثلا إلى اعلان انسحابه بالقول :quot;هذا اليوم انسحبت من كل المجموعات العراقية التي سبق وان اشتركت وشاركت بها..quot;. أما تبريره فهو: quot;لقد اكتشفت ان الطواويس تحتل المزرعة كلها، وهذا لا ينفع، نريد ما هو أكثر من الريش!quot;.
أحد التشكيليين من أصدقاء سليمان جوني، المقيم في الدنمارك، أجاب بلوعة: quot;أعترف لك ياجوني بانني عاجز وعاجز جدا ان أفهم الشخصية العراقية، ولا أجد أي أمل بأن نرى العراق بالمنظور الزمني القريب بلدا

سلمان جوني

يعيش فيه أناس طبيعيون يحلمون ويعملون من أجل إنسانيتهم وأن تكون الحياة مصدرا للحب والألفةquot;. وفي الحال أجاب سليمان جوني: quot;العزيز سعد عباس..أنا أعتقد أن في العراق طاقة إنسانية هائلة، ولكن طبيعة الأزمات التي مر بها الإنسان العراقي جعلته يحتمي مرة بالطائفة ومرة بالايديولوجيا ومرة بالقبيلة، وهكذا تولد لدينا كائنً مهزومً، وان لم نعترف بهذه الهزيمة. المشكلة التي نعاني منها ان المثقف الى الان يرفض النزول الى الشارع للمشاركة في صناعة الهوية العراقية، كنت قد اثنيت على اداء بعض المثقفين العراقيين وما زلت ارى ان هذه النخبة المتنورة اذا ما ارادتْ ومَلكتْ القوة على التغيير فأن العراق بشعبه المتنوع بالإمكان ان يتحول الى مصنع لخلق الانسان الجديد في المنطقة. أعتقد اننا ينبغي ان نتعلم من ثقافة العالم ويجب ان لا نخجل من التعلم، مصر وتونس مثال جيد للوصول الى الهدف، ولكن المشكلة تكمن في هذه الطاقة التي لدى المثقف والتي يرفض استعمالهاquot;.

عبوات ناسفة تحت شقق الشعراء
الفيسبوك العراقي يشبه العراق تماما فهناك مفاجآت غير متوقعة يمكن ان تصادفك في أية لحظة. فهذا هو الشاعر نصير غدير quot;يزفquot; لأصدقائه خبرا quot;لاصقاquot; بالقول: quot;عبوة ناسفة علقها أحدهم على واجهة محل بيع المشروبات الذي بمواجهة شقتي انفجرت في السادسة صباحاً، وطبعاً أحرقت المحل وحطمته، كما خلعت أبواب شقتي وحطمت نوافذها، وأفزعت الأطفال.أمران شغلا اهتمامي؛ الأول هل فكر الذي علق هذه العبوة بالضحايا من أفراد وأطفال العوائل الذين يسكنون البناية؟ والثاني هو كيف تعلمتquot; جود quot;ابنتي كلمة عبوة ومعناها وقد ذكرتها أمها مرة واحدة لإحدى النساء اللائي سألن عن سبب الانفجار؟quot;
مثل هذه الأخبار تحظى، دون شك، بالمزيد من التعليقات فهناك من وجدها فرصة للتنظير حول الإرهاب ومحاصرة quot;الخمارةquot; في بغداد وثمة من وجدها مناسبة للتغني بالوطن غير أن أغلبية التعليقات ذهبت مباشرة لشد أزر الشاعر ومواساته بالخسائر المادية والنفسية التي لحقته.