لايرتاب أحد في إن المصالحة الفلسطينية هي مقدمة أولية وضرورة تاريخية لتأصيل العملية السياسية الفلسطينية على مرتكز جديد يتطابق مع حيثيات المرحلة الثورية في المنطقة العربية، ولتطوير المنهجية الفكرية وأسلوب الكفاح السياسي وفق معطيات تناسب أبعاد المعادلة التثليثية ( الحق، الديمقراطية، السلم )، ولتحديث جوهر فحوى ومحتوى المفاوضات مع دولة أسرائيل على غرار يوائم ويناغي مضمون الحوار بالمعنى المعاصر له، ويساوق مقومات الهدف والمبتغى. كما لايرتاب أحد في إن تصديق ثلاث عشرة فصيلاُ على ورقة المصالحة يؤلف بنياناُ لامتجانساُ، لإن هذه الفصائل تتخالف، فيما بينها على الأقل، وبدرجات متفاوتة، في أسسها التاريخية المكونة لشخصانيتها المستقلة، وفي علاقاتها التحتية المتجذرة هنا وهناك، وفي رؤياها الفكرية والإيديولوجية والمؤدلج الأسلامي، وفي تورطها بشكل أو بآخر في صراعات مدفوعة الأجر وتصفيات جسدية مبرمجة حتى من قبل دول الجوار. كما لايرتاب أحد في إن مفهوم المصالحة وحسب الوثيقة التي أقرت في القاهرة يدل فقط على وجود الرغبة والإرادة في إنهاء الخلاف، لكنه يفتقر للأسس الموضوعية والسيرورة الفعلية في القضاء عليه، مع أخذ الأعتبار من جانب أولي إن الأختلاف ( رغم مفهومه التعددي والغني ) فيما بين هذه الفصائل لاينصب في محتوى الإيجابي له، إنما يرجح إشكالية الخلاف أكثر.

ومن جانب ثاني إن اقرار مبدأ ( الإرادة التوافقية ) المقرة في نصوص الوثيقة فيما بين الفصائل بعيداُ عن سلطة وأستفتاء الشعب تعتوره مسوغات الخلاف أكثر مما هو متصور. كما لايرتاب أحد إن الملفات الثلاثة، مصدر الخلاف ) الظاهري ) ما بين حماس وفتح، إختيار أعضاء الحكومة ورئيسها، اختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، مسألة الأجهزة الأمنية وملفاتها وعلاقاتها، لن تكون إلا عقبة صعبة الأذلال، لاسيما إذا تذكرنا إن حركتي حماس والجهاد الأسلامي لم تكونا يوماُ منضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وإن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ndash; القيادة العامة ( أحمد جبريل ) قد أنسحبت من المنظمة لأسباب سورية. كما لايرتاب أحد إن الوثيقة، آن التمعن في خباياها، لم تعالج سوى المسألة الإجرائية ما بين هذه التنظيمات، وكأن المسألة كلها هي مدارات سياسية في المواقف، ومتغافلة عن كشف لب الموضوع، فالأختلاف ما بين هذه الفصائل ليست في الدرجة إنما تؤوب إلى الطبيعة المؤدلجة لها. كما لايرتاب أحد في أن محتوى الوثيقة، وحسب هذه المعطيات، هو الجواب التطبيقي على السؤال الضمني ( ما الذي تغير وأستجد حتى غدت عملية المصالحة في القرار السياسي ممكنة ). وهكذا نحصل على مفهوم جديد للمصالحة ينسجم بل ويتطابق مع المستوى السياسي ( فقط دون غيره ) للحيثيات التالية، تلك الحيثيات التي أدركتها حركة حماس ونفذت فحواها مباشرة. فما هي هذه الحيثيات؟ لقد أدركت حركة حماس أولاُ : إن الثورات العربية أحدثت مقاماُ جديداُ في مفهوم البعد العملي للقرار السيادي وأضفت علية شرعية ضمنية تتصادق مع المضمون لا الشكل، فالمعادلات العربية الوهمية الأفتراضية السابقة تمركزت حول الشكل الغائب وأزدرت قوة المحتوى.

ثانياً : إن الوضع في المنطقة العربية حتم وأقتضى شرطه الخاص به والمميز له، وهو إما أن يكون الفعل جزءاُ من العام الديمقراطي ومنضوي تحت رايته وبالتالي يحوز على القيمة الإيجابية، أو أن يكون جزءاُ من الطرف النقيض، السلبي، فلاتوسط ولاوسط ( المبدأ الثالث المرفوع ).

ثالثاُ : إن المسألة الفلسطينية، على المستوى المعرفي، قد أخذت أبعادها الجديدة خارج المحتوى الجغرافي لفلسطين نفسها، لإن الشعوب في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وسوريا ( وبالتأييد المطلق والتام من كافة الشعوب العربية الأخرى ) أرتأت أن تمزق الرداء القديم وتكشف عن الوجه الجميل لفلسطين والمنطقة كلها، من خلال مفهوم جديد للمقاومة، من خلال مقاومة لاسياسية إنما فكرية معرفية إجتماعية، من خلال مقاومة خالية من فرضيات ماوراء الكواليس واللعب في ميدان موازين القوى الأفتراضية، من خلال مقاومة مليئة وليست خاوية.

رابعاُ : إن السلطة السورية الحالية قد أمسىت في حكم المنقرض، وإنها وإن بقيت لأمد فإنها عملياُ لن تكون إلا غائبة تماماُ، وسوف تتآكل وتنهار، إذ كيف يمكن لهكذا سلطة، التي تقتل شعبها وتحاصره بالدبابات بعد أن أعلنت الحرب عليه، أن تدعي مساندة المقاومة الفلسطينية، أو أي مقاومة في العالم!

خامساُ : إن محتوى ( غزة ) لن يساندها في البقاء لفترة طويلة، لسبب بسيط واضح هو المناطقية والأساليب البؤروية نفدت مقوماتها في المنطقة العربية، لاسيما إذا أرتبط بمفهوم إن الجوار في الغد لن يكونوا جوار اليوم، وإن هؤلاء الجدد لن يملكوا سوى أياد نظيفة، لاتخشى في الله ( الوطن والديمقراطية ) لومة لائم.

سادساُ : إن الدور الإيراني التدليسي في دعم المقاومة المفترضة قد أضحى خاوياُ، فلاهي قادرة على الأستمرار بالطريقة المزيفة، ولاهو قادر أن ينافق أكثر مما نافق، بل بالعكس، وعلى الأرجح، فإن إيران تخشى على نفسها من المد الثوري الديمقراطي، ولاسيما وإن المعارضة الإيرانية قد أماطت اللثام عن وجه السلطة الإيرانية المقرف البشع، وإنها تملك رصيداُ رائعاُ في تاريخ وظروف المقاومة، وهي مصممة المضي حتى النهاية مهما كانت نوعية العواقب.

سابعاُ : إن الشرط ndash; القطري ndash; ( نسبة لدولة قطر ) قد أصبح شرطاُ ضرورياُ، قوياُ، لازباُ، لأي عملية سياسية في منطقة الشرق الأوسط، لأي ميكانيزم جديد يؤمل منه مايؤمل. فدولة قطر غدت بعداُ دينامكياُ، بعداُ ثابتاُ في كل قضايا ومسائل وأطروحات المنطقة العربية. وهذا الشرط الجديد هو صمام الأمان في العلاقة مابين القديم الحالي والجديد المستقبلي، وعلاقة كلاهما بالشرط الدولي.

الثامن : إن الشرط الدولي قد تغير فحواه، حسب منطوق الحراك الشبابي في المنطقة، وحسب معادلة جديدة ضد الإرهاب. ولولا هذا التغير لأنكسرت وتحطمت ( ظروف ) الشرق الأوسط، ولحدث ما لايمكن السيطرة عليه من الجانبين، جانب السلب، وجانب الإيجاب.

التاسع : لقد برز على الساحة لاعبون جدد ملامحهم النهائية غير واضحة وقد تكون مشاكسة إلى حدود غير متوقعة لإنها ثارت ضد الكل ولن تشفق على أحد. لكن هؤلاء السادة، اللاعبون الجدد، يتمتعون بثوابت معينة، سواء في كيفية التعامل، أم في مستوى الرؤيا الموضوعية، أو في مستوى الفرز الفعلي ما بين تلك الفصائل، من هنا تحديداُ، أعتقد إن محتوى الحق التاريخي سوف يعاد من جديد إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وإلى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
[email protected]