انهيار النظام الليبي فتح الباب على مصراعيه لانهيار النظام العربي التقليدي الذي بدء من زمن توليد الخلافة في عهد معاوية بن ابي سفيان لخلافة ابنه يزيد على كرسي الحكم وانتهاءً بخلافة بشار الاسد لأبيه في العصر الحديث، ولعنة الكراسي التي تلاحق أنظمة دول شمال افريقيا تبدو أن شعوبها لم يستتدرك بها الا في الزمن الحاضر، والتاريخ لم يكن يدرك هذه القراءة الا في الانهيارات التي مازالت ترافق زحف ثورات الربيع العربي من تونس ومصر الى ليبيا وما سيلحق بها من سقوط قادم في سوريا واليمن.

ومن لا يعيد سمات الأنظمة العربية في التاريخ الحديث الى جذورها القديمة ابتداءا بالدولة الاموية ومرورا بالخلافة العباسية يقع في خطأ كبير لأن السمات التي رافقت تلك الدولتين رافقت نفس الأنظمة السياسية العربية التي تشكلت بعد انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهو ما شكل النظام العربي الذي قاد شعوب المنطقة طوال قرن كامل اعتمادا على اسس استبدادية واستعبادية.

والسمات الرئيسية التي اتسم بها النظام العربي تنحصر بما يلي:

1.توريث الحكم على اساس الخلافة في الأنظمة السياسية الملكية والجمهورية والاماراتية والمشايخية والسلطنية التي اتصفت بها دول العالم العربي.
2.تثبيت اركان حكم العائلة الحاكمة على سلطة الدولة بجميع اشكالها والسيطرة على جميع مفاصل السلطة بجميع مواردها ومنابعها.

3.فرض النظام الاستبدادي بجميع مقوماته ووسائله الجائرة على العامة واغتصاب الحقوق الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من جميع افراد الشعب.
4.تحويل الدولة بجميع اشكالها التى شهده النظام العربي الى ثكنات عسكرية وأمنية وفرض النظرة الدونية على العامة وتحويلها الى كائنات مجردة من طاقات العمل والابداع والانتاج وتسخيرها للسياسات الايديولوجية الفارغة للسلطة الحاكمة.
5.تحويل أموال الدولة وممتلكاتها ومواردها الى ممتلكات شخصية للسلطة الحاكمة والتصرف بها كيفما تشاء وحرمان العامة والشعب منها.
6.قمع الشعوب غير العربية والاقليات والطوائف الدينية ومنها الكرد والامازيغ والتركمان والاقباط.

باختصار هذه السمات الاستبدادية المتصفة بالطغيان الكامل اتصفت بها الكيانات القديمة والحديثة للنظام العربي، واستمرت على حالها في الكيانات السياسية التي تشكلت في القرن الماضي الذي رافقه تحول ثوري وجذري في المفاهيم الانسانية والاجتماعية والثقافية والعملية والاقتصادية على المستوى العالمي.

والعروش المتهاوية في تونس ومصر وليبيا والتي عاصرناها في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة بفعل النهضة الثورية والصحوة الانسانية لشعوبها شكلت الضربة القاضمة بوجه هذا النظام العربي الاستبدادي الذي ساد المنطقة طوال قرون والذي حرمها من كل أشكال التقدم والتطور نحو الامام ومنع الحاقها بالركب الحضاري للانسانية.

والمؤكد ان العرشين السوري واليمني سيلحقان عن قريب بهذا التهاوي والاشارات الجديدة في الايام الاخيرة تشير الى ان هاذين الكرسين سيلحق بهما الانهيار قبل حلول عيد الاضحى المبارك وقد يعلن انتصار الثورة اليمنية في الفترة بين العيدين ولكن الأضحى سيشهد احتقالية تحقيق نجاح الثورة السورية.

وسيلحق بانهيار هذا النظام العربي البائس كل من الجزائر والسودان وموريتانيا وبعض دول الخليج والمملكة الاردنية اذا لم يلجأ ملكها الشاب الى اصلاح جذري، والعراق الذي خرج من هذا النظام عام الفين وثلاثة سيشهد ثورة اجتماعية سلمية على الفساد لاعادة توزيع الثروة، ولكن الجديد في الأمر ان حكم الملالي في ايران بدأ يتخوف من امتداد شعلة الثورات الى طهران لاسباب سياسية واقتصادية، والجميل لشعوب المنطقة التواقة للحرية والكرامة بدء ينظر للثورات الزاحفة كأنها تسونامي ستصيب دولا كثيرا كما أصابت دول شمال أفريقيا.

وبعد سرد هذه الرؤية الموجزة عن انهيار النظام العربي الاستبدادي، هنالك حقيقة مرة نسننتج منها نتيجة تلاحق سقوط الأنظمة بفعل ثورات الشعوب، والحقيقة هي أن الأسباب الرئيسية لهذا السقوط الشنيع للأنظمة هي الاستبداد وقمع الحرية والجمع بين السلطة والثروة من قبل أهل الحكم وتحويل الدولة الى ضيعة في جيوب العائلة الحاكمة، وهي الاسباب التي تحرم الانسان من الحرية والحياة الحرة والكرامة، وحقيقة انها فعلا ضرورات حياتية للانسان المعاصر الذي يعيش عالما متغيرا يختلف اختلافا كليا عن العوالم القديمة، والانسان الثائر في عالم اليوم يثبت انه تواق بحماس شديد وحب أصيل وتمسك عنيد بالحرية والكرامة والعدالة التي حرم منها شعوب المنطقة لقرون عديدة، وثورات الربيع العربي أعادت وحققت الأمل بالتغيير والتجديد والاصلاح للحاق بالشعوب المتقدمة للمنظومة الديمقراطية العالمية التي تعيش بحرية وتحيا الحياة بكرامة، ويحيا الشعب الليبي الذي زلزل الطاغية وتحيا ثورته التي دقت اسفين الانهيار الشامل للنظام العربي الجائر.

كاتب صحفي
[email protected]