يبدو أن العلاقات الترکية ـ الاسرائيلية تمر بمرحلة عصيبة بعض الشئ لم يسبق لها وان مرت به خلال العقود الماضية، ولم تصل الامور الى هکذا مرحلة من دون اوليات وانما کانت هنالك عوامل متعددة تراکمت فوق بعضها البعض و تبلورت في النهاية الى هذه النتيجة النوعية.

الاتجاه الاسلامي الترکيquot;الاعتداليquot;ذو المحتوى الکمالي المنفتح کثيرا قياسا للإتجاهات الاسلامية الراديکالية في المنطقة، لم يتبع سياسة متشنجة او متطرفة حيال اسرائيل وانما حرص کثيرا على عدم التفريط بهذه العلاقاتquot;الاستراتيجيةquot;، وحتى أن حکومة السيد رجب طيب أردوغان، قد أبليت بلائا حسنا في بذل مساعيهاquot;الحميمةquot;على الصعيد السوري ـ الاسرائيلي بشکل خاص، و العربي ـ الاسرائيلي بشکل عام، لکنها(أي حکومة أردوغان)، حرصت في نفس الوقت حرصا بالغا على إيلاء درجة عالية من الاهتمام بملف العلاقات الترکية ـ العربية من جانب، و الترکية ـ الاسلامية، من جانب آخر، وکانت تعمل على الجبهتين المتناقضتين في آن واحد و بنفس الاندفاع و القوة، لکن التطورات الدراماتيکية المتسارعة بوتائر غير منتظرة في المنطقة، و إندلاع الانتفاضة العربية بوجه الانظمة الدکتاتورية الشمولية، دفعت حکومة العدالة و التنمية لتعيد النظر مجددا في ملف علاقاتها مع الدولة العبرية و تمنح اولوية لملف علاقاتها مع العرب و المسلمين، وهو أمر يبدو أن اسرائيل لن تجعله يمر مرور الکرام من دون رد مناسب، ولاسيما بعد ذلك الکم الکبير من الخدمات التي قدمتها لأنقرة لحماية zwnj;أمنها القومي و خصوصا على الصعيد الکوردي الذي وصل الى حد تطوعها من أجل إنجاز عملية قرصنة جوية فريدة من نوعها و تقوم بأسر الزعيم الکوردي عبدالله اوجلان، ناهيك عن إشتراکها في العديد من عمليات القصف الجوي لمواقع الثوار الکورد إرضائا للأتراك، غير أن الاتراك أثبتوا في نهاية المطاف أنهم يلعبونها أفضل بکثير من الاسرائيليين، بل وحتى أنهم قد احرجوا تل أبيب کثيرا عندما وضعوها في موقف صعب لاتحسد عليه لأکثر من مرة(مؤتمر دافوس و تصريحات أردوغان لصالح الفلسطينيين خلالها، أحداث اسطول الحرية و الاحراج الدولي الکبير الذي تداعت عنها لإسرائيل)، کل هذه الامور، دفعت اسرائيل لکي تراجع موقفها عن کثب تجاه الاتراك و يبدو أنها کعادتها تريد في البداية إطلاق بالون إختبار حساس لکي تجس النبض الترکي، ومن هنا، فقد اوحت لحليفها الترکي بأنها في صدد إعادة النظر في مسألة علاقاتها مع الکورد(نقطة الضعف الترکية)، من خلال ماقد تم تنسيبه لخطة عمل خاصة بالسيد افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي من حيث ان اسرائيل(سوف تتبع طرقا و اساليبا ضد ترکيا عن طريق توثيق علاقاتها مع الکورد.).

ويبدو أن الاقليم الکوردي و بعد أن فتح اسواق الاقليم أمام الاتراك و جعل الاقتصاد يعتمد إعتمادا کبيرا على أنقرة، سارع للرد و على لسان متحدث باسم رئاسة الاقليـم لرفض الموضوع جملة و تفصيلا مؤکدا بأن (استراتيجيتنا تنبع من مصالح شعبنا التي لاتتناقض مع مصالح شعوب و بلدان المنطقة.)، في إشارة الى المصالح التبادلة مع ترکيا بصورة خاصة و بلدان المنطقة الاخرى بصورة عامة، وفي کلالاحوال، وبقدر مايظهر طابع المناورة وجس النبض على المسعى الاسرائيلي، فإن ترکيا أيضا ليست جادة بتلك الصورة التي يتخيلها البعض من المراقبين(العرب و المسلمين)، وان الخطوة الترکية الاخيرة ماهي في الحقيقة إلا محاولة ذکية أخرى لکسب عطف و تإييد الشارع العربي المنتفض، وفي نهاية المطاف لن يکون هنالك أبدا خروج اسرائيل من الباب الترکي مثلما لن يکون هنالك أيضا دخولا عبر الشباك الکوردي!