من المتوقع ان تعقد القيادات الكورديه هذا الاسبوع إجتماعا موسعا برئاسة السيد مسعود البارزاني للتباحث حول عدد من الملفات الساخنه وفي مقدمتها الموقف من حكومة السيد المالكي ومن الإعتداءات المتكرره لدول الجوار على اجواء واراضي اقليم كوردستان العراق، ويبدو من طبيعة المشاركه في الاجتماع بأنه سيكون على قدر من الاهميه لرسم ملامح الموقف الكوردي القادم من هذه الملفات، إذ سيشارك فيه ولأول مره البرلمانيون الكورد في اربيل وبغداد وايضا الوزراء الكورد في الحكومه الاتحاديه ومجلس وزراء الاقليم، دون ذكر للمعارضه وفيما إذا كانت ستشارك في الاجتماع ام لا.

هذا الاجتماع، سواء من ناحية حجمه او طبيعة المشاركة فيه، لابد وان يخرج بنوع من القرارات التي لا تريد قيادة حزبي السلطه الإنفراد باصدارها، وهي التي كانت سابقا تكتفي باجتماع المكتبين السياسين لتقرر ما تشاء، دون اهتمام بالرأي الاخر او حتى الاستئناس برأيي وزرائها وبرلمانييها، وايا تكون الاسباب وهي عديده، فهي خطوه بالاتجاه الصحيح نحو مشاركة من هم خارج قداسة المكتبين السياسيين للاتحاد الوطني والديموقراطي الكوردستاني!!!، وإحياء لتقليد دأب الزعيم الكوردي الراحل مصطفى البارزاني ممارسته في المنعطفات التأريخية الحاسمه، وايضا سيكون الاجتماع افضل فيما إذا تم توجيه الدعوه للمعارضه الوطنيه للمشاركه، والتي ستساهم بلا شك في إغناء الحوارات وستكون القرارات الصادره اكثر تعبيرا عن الاجماع الوطني.

السؤال هو: ما الجديد الذي سيخرج به الاجتماع المرتقب للقيادات السياسيه الكورديه؟
إذا كان الجديد هو إعاده للإسطوانه المشروخه للمطاليب الكورديه غير المنفذه والخروج ببيان يؤكد هذه المطاليب ويستنكر عدوان دول الجوار ويهدد بنشر وثائق ويكلف وفدا مفاوضا، كالعاده موصوفا بأنه على مستوى عال، الى بغداد للحوار، فهو لن يفيد الكورد ولا العراقيين بشيء ولن يضمن للكورد موقعهم كثاني اكبر قوميه رئيسه في البلاد، لا في هيكل الدوله ولا في صنع القرار المركزي، ومن الافضل في هذه الحال ان يتوجه الوفد الى طهران صاحبة القرار في تشكيل وتسيير حكومة السيد المالكي.

لقد انتهى وقت المجاملات الشخصيه وسياسة تبويس اللحى الفاشله وإغراق الملفات الساخنه في بذخ العزائم والولائم الخاصه وحانت ساعة الحقيقه، فالكورد الذين كانوا يشكلون يوما ( بيضة القبان ) ويتمتعون بدعم كل القوى الديموقراطيه، لم يعد لهم دور يذكر في العمليه السياسيه العراقيه، إذ تم تجاهلهم وإهمالهم عن عمد من قبل حكومة السيد المالكي، التي إستطاعت بعد تشكيلها بمبادره ومباركه كورديه، من تجاوز الكورد وعزلهم بعيدا عن ممارسة السلطه الحقيقيه في البلاد، ولم يستفد الكورد من استبدال السيد الجعفري، رئيس الوزراء السابق، بالسيد المالكي رئيس الحكومه الحالي، الذي يبدو امينا على توجهات السيد الجعفري في التعامل مع الملف الكوردي، مما يوضح للكورد بأن مواقف الجعفري والمالكي لا ترتبط بشخصهما قدر ما ترتبط بسياسه ثابته للتالف البرلماني الذي يقودانه والذي لا يخرج عن إطار تحجيم الكورد وعدم تنفيذ أي من مطاليبهم حتى وان كانت هناك تعهدات واتفاقات موثقه، فلا فيدراليه ولا مناطق متنازع عليها ولا هم يحزنون، وهو موقف يحظى بتأييد ورضى المؤسسه الحاكمه في طهران.

لقد كانت التحالفات الكورديه منذ سقوط النظام وحتى الان احادية الاتجاه وغير مجديه، ولم يتم عبر هذه التحالفات الاستجابه لأي مطاليب كورديه داخل البيت العراقي، اللهم ما يتعلق بالفيدراليه المرفوضه من قبل رئيس وزراء العراق الاتحادي وايضا ما يتعلق بحصة الاقليم من الموارد الماليه العراقيه وهي إنجاز لحكومة الدكتور اياد علاوي وليس للحكومة الحاليه، والقيادات الكورديه تتحمل حقا الجزء الاكبر من هذه المسؤوليه، إذ لم تتمتع قط باستقلالية القرار الذي كان خاضعا بهذا الشكل أو ذاك للضغوطات والإملاءات الخارجيه، خاصة من قبل دول الجوار، ولم تستطع ان تقيم تحالفات استراتيجيه مع اطراف الحركة العلمانية الديموقراطية في البلاد ولم تتمتع مواقفها بالشفافيه والوضوح والثبات المطلوبه.
فشل القيادات الكورديه في تحالفاتها ومساهمتها في خرق الدستور وحرمان القائمه العراقيه من حقها في تشكيل الحكومه والسكوت عن التمييع المتعمد للحكومه الاتحاديه تجاه المطاليب الكورديه، ساهم في ارباك الوضع العراقي عامة والكوردي خاصه والذي يمر الان بعزله حقيقيه، لاسيما في مجال صناعة القرار المركزي الذي تنفرد به حكومة السيد المالكي ولا تقبل بأي إعتراض على ذلك ولعل ابلغ دليل هو الرد المتشنج لاقطاب النظام ضد تصريحات السيد مسعود البارزاني والتي في الحقيقه لم تخرج لا عن مباديء الدستور ولا عن مفاهيم التحالفات والاحترام الواجب في العلاقات الوطنيه.

لما سبق ولكي تكون للاجتماع معنى وأثر، من المفروض ان يستعيد إستقلالية القرار الكوردي الوطني غير الخاضع للأملاءات الخارجيه أساسا، وان يحدد موقفه بوضوح تجاه مجمل العمليه السياسيه في العراق وطريقة وشكل المشاركة فيها وإعادة النظر في التحالفات الكورديه الحاليه والموقف من اصطفاف القوى السياسيه العراقيه، وأن يحدد بوضوح دون لبس موقف الكورد من السلطه الحاليه والاجراءات الممكن ان يتخذوها في حالة عدم الاستجابه لمطاليبهم المشروعه، سواء المتعلقه منها بترسيخ الديموقراطيه والتعدديه والتداول السلمي للسلطه او بالدستور والتعديلات المقترحه أو بمفردات الملف الكوردي او بالسياسه الخارجيه والموقف من القوات الاجنبيه........ الخ فالشراكه الحقيقيه لا يمكن ان تبنى وتزدهر بالتغاضي عن المشاكل وتأجيل بحثها وحسمها لهذا السبب او ذاك، وانما بمواجهتها وايجاد الحلول الواقعيه والاتفاق عليها مع الاطراف التي تريد حقا هذه الشراكه ومستعده للاتفاق عليها وعلى تنفيذها وفق جدول زمني واضح المعالم، لا الاطراف التي تسعى للانفراد بالسلطه والقرار واقامة دكتاتوريه جديده ستكون وبالا على الشعب الكوردي قبل غيره من العراقيين، ومن المفروض ايضا ان يرسل الاجتماع رساله واضحه لعموم الشعب العراقي بأن الكورد ليسوا فقط جزء حيوي من العراق وانما أصحابه وحماة وحدته وامنه وإستقلاله الوطني وبأنهم بقدر حرصهم على تبؤ دورهم كثاني قوميه رئيسه في البلاد، حريصون ايضا على ترسيخ الديموقراطيه وضمان تطور العراق السياسي والاقتصادي وبناء مجتمع يتمتع بالحريه والعدالة والسلام الداخلي.

أمام الاجتماع الموسع للقيادات السياسيه الكورديه فرصه تأريخيه لاعادة ترتيب اوضاع البيت العراقي والكوردي وتصحيح مسار العمليه السياسيه، فهل سيقوم بذلك أم لا ؟ هذا ما ستكشفه الايام القليله القادمه.