التيار الإسلامي السياسي والتيارات المرافقة له، الذين يبحثون في آفاق أقرب إلى المصالح الذاتية من آفاق الثورة الحقيقية، يحاولون جاهدين فرض شروطهم على المسيرة الثورية، معتمدين بالدرجة الأولى على القوة المادية التي يملكونها والدعم اللوجستي من تركيا وحزب العدالة والتنمية بشكل مباشر، وهم في الواقع لا يملكون القوة الشعبية الواسعة في شوارع المدن السورية كما يودون من خلال نشاطاتهم الخارجية أظهاره. الكل يعلم بأن الشارع يملكه تنسيقيات وجماعات متنوعة من الشباب ينتمون إلى نوعية خاصة من الشعب منبعهم الثورة الإنترنيتية والمفاهيم الديمقراطية العالمية والتي أجتازت الحدود الدينية والقومية، وما نراه من التجمعات والأحزاب العربية والكردية التي تبرز في الداخل والخارج تحت أغطية الدين أو العلمانية ما هو سوى أستيلاء غير شرعي لروح الثورة الشبابية الحقيقية، حتى ولو أنهم يحملون راية المعارضة وعن إيمان، وهي فترة أنتقالية تمر فيها عادة معظم الطفرات البشرية إلى أن تكتمل.

يتوجب على التيار الإسلامي السياسي، قبل الآخرين في المعارضة السورية، أن تدرك قيم الثورة الجماعية التي تتكوم عليها معظم شرائح المجتمع السوري، ولا تصر على ثقافة ألغاء الآخر، التي لا تنتمي إلى مبادئ الإسلام، بحراكهم السياسي المنفرد، يظهرون للأخرين وكأنهم لايبغون سوى السلطة وليس تغيير النظام والمفاهيم التي تراكمت من وراءها الثقافة العنصرية، تتبدى هذه الصورة بشكل واضح من خلال التصريحات المتكررة حول المجتمع السوري القادم، المسلم دينياً والعربي اثنياً، والبقية من في الوطن ينتمون إلى المجتمع من خلال مقاييسهم، وهي مقاييس ذات إطار جامد لا تختلف في كليته عن ثقافة البعث الحاضرة، لكن بوجهها الآخر.

الإلغاء وعمليات الإقصاء في كثيره كان موجهاً نحو الحركة الكردية ( وبشكل خاص من قبل قسم من التيار الإسلامي المعارض الراضخ لإملاءات الحكومة التركية ) تبين عن تهميش متعمد لكيان القومية الثانية في الوطن السوري وهي القومية الكردية، ورغم إننا مع الإطار الوطني بكل جمالياته وحيث إعادة بنائه هو الهدف الرئيس للثورة الشبابية القائمة، لكننا نرى بأن إعادة بنائه وعلى سوية صارمة، لا تسمح للمعارضة العربية أن تتجاوز حقيقة وجود القومية الكردية في سوريا كنواة أساسية في المعارضة، وكجزء رئيس من المجتمع السوري له كيانه التاريخي والجغرافي الخاص، ومشارك في إعادة بناء هذا الوطن عن قناعة بالشراكة الوطنية الصادقة، ورغم ما ينخر جسد الحركة الكردية من الجروح والتمزق، والذي كان يقف ورائها السلطة الحالية بكل قواها الأمنية والسياسية، والتي لم تعد خافية على أحد، إلا أنها لا تزال تملك الماهية التي عليها ستكون التجمع القادم لجميع أحزاب المعارضة السورية، كما كانت عليه يوم ظهور أعلان دمشق كمعارضة وطنية في الداخل، رغم تحفظنا عليه يومها، وغيره من تجمعات المعارضة الوطنية التي لعبت الحركة الكردية بكل فصائلها دور أساسي. وما تحتاج إليه هذه الحركة، لتستطيع أن تقوم بمهامها هذه أمام المعارضة السورية وبوطنية صافية وتامة، يجب عليها أن تقوم بعمليات التلاحم التام مع الشارع الكردي، وإعادة دراسة شاملة، بدون إملاءات، للواقع الذاتي والموضوعي وبأسرع ما يمكن.

الشعب الكردي، بشبابه الثائر، مع حركته، السياسية والثقافية، يملكون القوة الأكثر تأثيراً على تلاحم المعارضة السورية، وهم حتى اللحظة، الأصوب في حمل روح الثورة وتسييرها، وما مطالبتهم لأطراف المعارضة السورية الأخرى وخاصة العربية على قبول بعض شروطهم ومطاليبهم بشكل مبدئي، والتي ثارت حولها زوابع كلامية من قبل بعض الكتاب والسياسيين من الأخوة العرب، والذين في لحظة الثوران العرقي تناسوا المفاهيم الوطنية، وعليه دارت سجالات متشجنة، وكانت لي حصة فيها بمقالة quot; ثلاثية على قسم لا إله فيه على جمهورية الكل السورية quot; وما محاورات المثقفين الكرد الذين نبشوا في أسم الجمهورية القادمة إضافة إلى مفهوم الفيدرالية التي طرحت في مناسبات أخرى بناء على طروحات سابقة لها والتي كان قد تبناها quot; المجلس الوطني الكردستاني ndash; سوريا quot; منذ عام 2006، إضافة إلى بنود أخرى عرضت على أطراف متنوعة من المعارضة السورية العربية لم تكن كل ذلك سوى أصرار للحصول على التأكيد من الأخوة العرب على أنهم مع مفهوم قبول الآخر quot; الكردي هنا quot; والذي يعد البنية الأساسية لتجميع القوى في وحدة متماسكة متفاهمة على الأقل في الأساسيات، وهذا ما لم تظهره أحزاب المعارضة العربية السورية حتى الآن وذلك تحت شعارات وطنية بدت وبعد الإثارة الأخيرة والمؤتمرات الإقصائية المتكررة مزايدة للتغطية على ألغاء من نوع آخر.

ونؤكد بأنه ما دامت القوى الكردية في خارج إطار المحاورات والمؤتمرات التي تجري خارج الوطن، في تركيا بشكل خاص، وبقيت عمليات الإقصاء والتهميش مستمرة، ستبقى المعارضة متنافرة ومشتتة.

نعود لنركز على واقع أصبح واضحاً، وهو أن الشارع الكردي والحركة الكردية رغم نسبتهم إلى المعارضة العربية إلا أنهم نواة التجمع لمعظم أطراف المعارضة السورية وعلى الجميع الإقتناع به. الإهمال والإقصاء الذي لوحظ ويلاحظ بشكل فاضح، بناءً على أملاءات خارجية، وأصبح معروفاً للجميع، وحيث تقف وراء معظمها الدولة التركية وبشكل قوي، سوف لن تؤدي سوى إلى المزيد من الشهور على عمر الثورة، ومزيد من الدماء التي لا تتوانى السلطة الفاشية بإراقتها، وتطويل لعمر طواغيت سوريا، وتوسع لمصالح تركيا في سوريا والشرق عامة، وهذا ما تبحث عنه الدولة التركية من خلال تذبذبها تجاه الثورة السورية.

هناك من يستهين بالقوى الكردية من داخل المعارضة السورية، وهناك من يتعمد لها، كما ويتعمدون بالحفاظ على هذه السوية من مسيرة الثورة لتمرير مصالح ذاتية، وفرض أجندات خاصة، وما مماطلة الدولة التركية في حسم قرارها إلى اللحظة سوى جزء من هذه الحقيقية، ودعم غير مباشر لتلك الأطراف، مثلها مثل قرار جامعة الأنظمة العربية الأخير، وتلكئها تحت جملة من الأسباب التي تبثها هنا وهناك، أحد هذه الأسباب التخوف من حدوث تمزق في جسد سوريا الوطن، وهي لا تدخل في صالح الثورة الشبابية في سوريا وبالتأكيد.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]