دلالات كثيرة حملتها كلمة رئيس حكومة غزة إسماعيل هنية من على منبر الأزهر الشريف في القاهرة يوم الجمعة 24-2-2012 ..دلالات في الرمزية السياسية والتاريخية للمكان وفي مضمون الرسائل التي تضمنتها الكلمة.

أن يلقي قائد حركة حماس المحاصرة في غزة خطاباً جماهيرياً قوياً في قلب العاصمة التي كانت تحاصره وتسعى بكل سبيل لوأد حركته يعطي مؤشراً قوياً على حجم التغيير الذي يجتاح المنطقة، فالنظام المصري في عهد ما قبل الثورة شدد حصاره على حركة حماس إلى درجة منع قادتها من السفر، وحين كان يسمح لهم بالسفر إلى القاهرة ليملي عليهم شروطه كان يحرص على إبعادهم عن الجماهير والحركات الشعبية لمنع أي التحام لهذه الحركة بعمقها العربي الذي يمثل شعب مصر مركز الثقل له.

اليوم انقلبت المعادلة بصورة واضحة فها هو هنية المحاصر منذ خمسة أعوام يخرج من غزة بعد أن سقط محاصروه ويقف في ذات العاصمة التي أعلنت منها الحرب قبل ثلاثة أعوام ليؤم الجماهير المصرية ويلهب مشاعرهم ويشحن نفوسهم..

دلالة المكان لم تكن في اختيار القاهرة وحسب، بل في اختيار جامع الأزهر تحديداً بما يحمله هذا المكان من دلالة دينية وتاريخية في نفوس المصريين والمسلمين.فالأزهر ارتبط اسمه عبر التاريخ بأنه مركز قيادة العالم الإسلامي ومركز التعبئة للمعارك الفاصلة، وأنه هو الذي يوحد الشعوب العربية المسلمة تحت قيادة مصر.

وقف هنية على منبر الأزهر يلقي في الجماهير خطاباً تعبوياً استحضر فيه المواقف التاريخية التي قادت فيها مصر معركة تحرير فلسطين في زمان الصليبيين والتتار ووعدهم باقتراب المعركة الفاصلة التي يعيد فيها التاريخ نفسه وتقود فيها مصر معركة تحرير الأقصى والقدس، والجماهير تتفاعل بقوة مع هذه الكلمة وتهتف: عالقدس رايحين شهداء بالملايين في تعبير واضح عن حالة التعبئة العميقة المساندة لفلسطين والمعادية للصهاينة المحتلين.

لكن التحول الأهم الذي كشفت عنه كلمة هنية هو توجيهه تحيةً صريحةً بلسان عربي مبين لثورة الشعب السوري، وكان قبل الآن يوجه تحيةً عامةً إلى دول الربيع العربي دون أن يخص سوريا بالذكر لما كانت تشهده العلاقة بين حماس والنظام السوري من تعقيدات، لكن هذه المرة تجاوز التلميح إلى تصريح، وتحرر من أي قيود سياسية فحيا بشكل مباشر دول الربيع العربي وخص بالذكر شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والكرامة حسب تعبيره.. هذا الموقف قوبل من الجماهير المصرية بترحيب وهتافات حماسية، إذ هتفت الجماهير المحتشدة أمام هنية quot;ارحل ارحل يابشارquot;، وهتفت quot;الله سورية حرية وبسquot;، وكان الهتاف الأكثر خطورةً: لا إيران ولا حزب الله. ثورة سوريا عربية..وكرر هذا الهتاف أكثر من مرة على مسمع هنية الذي كان قبل أيام فقط في زيارة لإيران.

ما تكشف عنه هذه الكلمة، وما تكشف عنه هتافات الجماهير أننا في مرحلة إعادة اصطفاف في المنطقة، تبدو فيها حماس أنها فضلت الاندماج مع عمقها الشعبي العربي، وآثرت الابتعاد بهدوء عن محور إيران حزب الله النظام السوري..وبذلك تعود حماس إلى حالتها الطبيعية فهي لم تستمد وجودها وقوتها إلا من تعبيرها عن نبض الجماهير العربية، وعلاقتها مع إيران وحزب الله كانت وضعاً طارئاً ألجأها إليه تضييق الأنظمة العربية عليها ومحاصرتها..

يكشف تركيز هنية في كلمته على المعاني التاريخية، وإعادة استحضار مواطن الوحدة والانتصار، وتفاعل الجماهير مع هذه المعاني أننا أمام مرحلة جديدة تعبر فيها الشعوب على نفسها، وهتافات الجماهير ليست مجرد انفعالات عاطفية، لأن التغيير يبدأ بالحلم، وحين تعبر الجماهير عن أحلامها بهذه الروح القوية، فهذا يعني أن الحلم سيتحول قريباً إلى فعل على الأرض..

هذه المرحلة الجديدة التي ترتسم ملامحها تحتم علينا الاستنفار والإسراع في ترتيب أوراقنا الداخلية، وتمتين جبهتنا والقضاء على موروثات عهود الاستبداد والفساد حتى نكون أقوى وأكثر استعداداً لخوض المعركة التاريخية..

quot;ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريباًquot;..

[email protected]