اكتب هذا المقال لايلاف العزيزة رغم آلامي المبرحة وياسي الذي استحوذ على كل كياني.
وللتذكير وبكل تواضع كنت قد كتبت مقالا قبل خمس سنوات تقريبا في ايلاف ذاتها، وبعد تولي السيد المالكي المسؤولية وزيارته لها عن ضرورة أن يكون هناك خط ساخن بين بغداد والرياض، وقد بينت في حينها أهمية هذا الخط الساخن في علاج الكثير من الامور التي سوف تعترض هذه العلاقة لسبب وآخر.
إعادة العلاقات بين السعودية والعراق تشكل اهمية وطنية سواء للعراق أو السعودية، كما أنها تشكل ضرورة اقليمية على مستوى المنطقة بعنوانها الشرقي الاوسطي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، فمن حيث المبدا العلاقات السليمة بين دولتين متجاورتين تصب في صالحهما معا، اقتصاديا وامنيا وسياسي، على أقل، فيما العلاقات المتازمة بينهما تخلق مشاكل كثيرة، لعلها تصل إلى تهديد الامن القومي لكلا البلدين، وليس في ذلك سر، كما ان إعادة العلاقة وتمتينها تصب في صالح الوضع الخليجي عموما، لان العراق دولة نفطية، وتملك موقعا ستراتيجيا مؤثرا في المنطقة والعالم، وهي دولة إنْ لم تكن خليجية فشبه خليجية، وبسبب تسارع وتصاعد سعر النفط سوف يكون للعراق شأن اقتصادي مهم، وربما تتسع فيه رقعة الاستثمارات الخارجية فيما لو تمت معالجة الوضع الامني بدرجة أكثر فاعلية، ولا ننسى أن منطقة الخليج معرضة لكثير من المخاطرالاجنبية، وسوء العلاقة بين العراق والسعودية يسهِّل لهذه المخاطر بعض المداخل بشكل وآخر، وهو الامر الذي لا يمكن ان يغيب على الدوائر الخليجية، أكثر من هذا، إن اعادة العلاقات بين البلدين وتشييدها على اسس واقعية تاخذ بنظر الاعتبار مصالح الشعبين بالدرجة الاولى يساهم الى حد كبير في التخفيف من حدة التجاذب الطائفي المنتشر في العالم الاسلامي والذي ينذر بخطر ليس سهلا، فالسعودية لها موقعها المتميز في قيادة العالم الاسلامي، ولها اجندتها في اكثر مناطق العالم الاسلامي، وكلمتها نافذة في المنظمات الاسلامية العالمية، والعراق يحتضن النجف الاشرف، والنجف الاشرف حاضرة عالمية، تشرف روحيا على ملايين المسلمين في كل أنحاء العالم، الأمر الذي يهيء فرصة ذهبية لمعالجة مخاطر الاحتقان الطائفي، بل،ان مثل هذه العودة قد تهيء كلا البلدين للقيام بنقلة سياسية ستراتيجية في العالم الاسلامي في مواجهة التطرف وأهوال النزعات الطائفية المدمرة.
محللون سياسيون يرون أن المملكة العربية السعودية وعموم دول الخليج تتطلع لعلاقات عميقة وستراتيجية مع العراق، للاسباب الأنفة وربما أسباب اخرى، ولكن تعقيدات المشهد السياسي في العالم العربي والاسلامي وتداخل عناصره ربما هو الذي يؤخر مثل هذه الرغبة، بطبيعة الحال العراق تواق إلى مثل هذه العودة، ورئيس الوزراءالعراقي صرح اكثر من مرّة برغبة بلاده بعلاقات متينة وقوية مع السعودية وعموم الخليج، لان الحاجة إليها نابعة من عدة عوامل، في مقدمتها حرص العراق ودول الخليج على امنهما القومي.
العلاقات السليمة المتينة بين العراق والسعودية ليس على حساب دولة أن ونظام في المنطقة، لان هذه ا لعلاقات هي علاقات مصالح اقتصادية وسياسية وامنية بالتحليل الأخير، وليس علاقات تحالف عسكري أو امني، وهو الامرالذي ينأى عنه كلا البلدين، لأن مثل هذه العلاقة تأزم الوضع في المنطقة او تزيده تأزما.
المملكة العربية السعودية مدعوة لتفهم الوضع الجديد في العراق، فهو بلد له خصوصياته، وهذه الخصوصيات برزت بشكل واضح بعد التغيير سنة 2003، كما على العراق أن يتفهم دور السعودية في المنطقة،وأنها مظلة الخليج، ولا تسمح بالمساس بامن الخليج من قريب أو بعيد... ومن دون هذا الفهم المتبادل لا تتكون علاقات واثقة.
لقد اعلنت السعودية تعيين سفيرغير قائم لها بالعراق،وهي بداية تفهم سعودي لاهمية العراق،والدور الذي يمكن أن يلعبه في المستقبل،سواء كان هذا المستقبل في ظل حكومة المالكي أو غيره، فإن المنظور هنا دور بلد وليس اشخاص، ودور جغرافية وليس تمنيات، ودور ثرورة نفطية وليس حكومة ربما تستمر وربما تتغير.
الشيء الذي يمكن الاشارة إليه هنا، هو ليس شرطا أن تكون هذه العلاقة على مديات واسعة من هذه اللحظة، بل تخضع لسنة التدرج، سنة الخطوة خطوة كما يقولون، وليس في ذلك حرج، بل هو الموقف الطبيعي في مثل الظروف التي تمر بها العلاقات السعودية العراقية منذ الاطاحة بنظام صدام حسين، فليس بهذه السرعة تتبدد الشكوك،ولا بهذه السرعة تبنى الثقة،والباقي يعتمد على حكمة كلا البلدين...
انعقاد القمة العربية في بغداد، وبحضور المملكة العربية السعودية ودول الخليج سوف يوفر فرصة ذهبية لاعتماد علاقات جديدة بين هؤلاء الافرقاء، علاقات قائمة على منطق المصالح المتبادلة، واحترام الشأن الداخلي، وتسييد الامن والاستقرار في المنطقة...