لم يتغيّر شيء في ايران. لا تزال ايران تسعى الى لعب دور quot;شرطي الخليجquot; اكان ذلك في عهد الشاه او في عهد quot;الجمهورية الاسلاميةquot;. لو تغيّر شيء لما زار على الرئيس محمود احمدي نجاد جزيرة ابوموسى المحتلة في هذا الوقت بالذات. ذهب الى ابو موسى لاثبات ان الاحتلال هو الاحتلال وانّ لا فارق بين الاحتلال الاسرائيلي للجولان والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، من جهة والاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث من جهة اخرى.
قبل كلّ شيء، لا بدّ من شكر الرئيس الايراني على خطوته وذلك بغض النظر عمّا اذا كان اقدم عليها لاسباب داخلية فرضتها المزايدات المتبادلة بينه وبين quot;المرشدquot; اية الله على خامنئي. يستحقّ الرئيس الايراني كلّ شكر نظرا الى انه كشف ان هناك، على مرّ التاريخ، سياسة ايرانية واحدة تجاه العرب.
ما يدلّ على ذلك ان لا تغيير يذكر باي شكل كان في موقف طهران منذ الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث في العام 1971، اي في ايام الشاه. لم يحصل تغيير على الرغم من الموقف الايجابي لدولة الامارات العربية المتحدة التي سعت منذ البداية الى الابتعاد عن اي نوع من التصعيد. كان هناك دائما اصرار اماراتي على التفاهم وايجاد مخرج يرضي كلّ المعنيين بالقضية بعيدا عن المزايدات والنكايات وتسجيل النقاط. ومن هذا المنطلق، اقترحت الامارات الدخول في مفاوضات او اللجوء الى التحكيم الدولي.
في المقابل، كان هناك دائما اصرار ايراني على التمسّك باحتلال الجزر الاماراتية الثلاث، ابو موسى والطنب الصغرى والطنب الكبرى، من منطلق ان ايران خسرت البحرين التي اصبحت دولة مستقلة نتيجة استفتاء شعبي اجري في العام 1971 وان عليها تعويض هذه الخسارة عن طريق احتلال الجزر الاماراتية الثلاث. ما هذا المنطق الذي لا علاقة باي منطق كان؟
كان هناك رهان على حصول تغيير في الموقف الايراني بعد نجاح الثورة على الشاه في العام 1979. كان هناك نوع من القناعة لدى بعضهم بانّ ايران تغيّرت وانها ستكون على استعداد لاقامة علاقات من نوع مختلف مع جيرانها. تبيّن ان تلك القناعة لم تكن سوى مجرّد اوهام.
لم تتخلّ ايران في اي لحظة عن سياسة قائمة على فكرة انها quot;شرطي الخليجquot;. لم تتزحزح قيد انملة عن سياستها تجاه دول الجوار. تمسّكت بانّ الخليج quot;فارسيquot; وبانّه لا يمكن حتى ايجاد حلّ وسط بين quot;الفارسيquot; وquot;العربيquot; لتصبح التسمية المعتمدة للخليج انّه quot;خليج اسلاميquot;. لا تزال الاوهام نفسها تراود الايرانيين الى يومنا. وهذا ينسحب في طبيعة الحال على الموقف الاستفزازي من الجزر الاماراتية الثلاث.
مرة اخرى، اظهرت الامارات انها لا يمكن ان تلجأ الى التهوّر. لكنها كشفت ان ثمة حدودا لا يمكن السماح للايرانيين بتجاوزها وان لا مجال لاي نوع من المساومة على الحقوق الوطنية. اذا كانت ايران تؤمن بالفعل ان الجزر تابعة لها، لماذا لا تلجأ الى التحكيم؟ لماذا لا تلجأ الى المفاوضات، بدل اعتماد التعالي والترهيب في تعاطيها مع جيرانها العرب في الخليج؟
حسنا فعلت الامارات عندما استدعت سفيرها في طهران لاظهار عدم رضاها عن زيارة الرئيس الايراني لجزيرة ابو موسى. اكّت الامارات انها ليست في وارد التنازل عن حقوقها الوطنية. الامارات دولة صغيرة مسالمة همّها الاول والاخير ان تكون متصالحة مع شعبها اوّلا وان تلعب دورا ايجابيا على صعيد تعزيز الاستقرار الاقليمي وترسيخه ثانيا والوقوف في وجه كلّ انواع التطرّف ثالثا واخيرا. ليس في نية الامارات الاعتداء على احد. لذلك طرحت دائما على ايران التفاوض في شان مستقبل الجزر الثلاث او اللجوء الى التحكيم الدولي. ولكن ما العمل مع نظام يعتقد ان ليس لديه من وسائل للهرب من ازماته الداخلية سوى اختلاق دور اقليمي؟
ما الذي تغيّر في ايران بعد سقوط الشاه؟ لم يتغيّر شيء، اقلّه بالنسبة الى الجوار العربي. البرنامج النووي لا يزال قائما منذ ايّام الشاه الذي تعاون باكرا مع باكستان في هذا المجال. وقد دفع ذو الفقار علي بوتو ثمن هذا التعاون. ما تغيّر ان ايران سعت الى استغلال القضية الفلسطينية في ايام الشاه، لكنها لم تذهب الى حدّ المتاجرة بالشعبين اللبناني والفلسطيني بطريقة تسيء الى لبنان وفلسطين ولا تخدم سوى اسرائيل... والى الذهاب بعيدا في تحويل سوريا مستعمرة ايرانية وذلك من منطلق مذهبي ليس الاّ.
نعم، لم يتغيّر شيء في ايران، باستثناء ان ايران زادت خطورة وزادت عدوانية بعدما قدّم لها الاميركيون العراق على صحن من فضّة. هذا ما يفسّر الى حد كبير العداء الايراني للبحرين والسعي الى التحرّش بدولة الامارات العربية المتحدة بطريقة بدائية. ولكن منذ متى يمكن ان يؤدي الهرب الى الخارج الى حل المشاكل الداخلية في هذه الدولة او تلك؟
في النهاية ان مشكلة ايران في ايران وليست في مكان آخر. لا في الامارات ولا في البحرين ولا في لبنان ولا في فلسطين ولا في سوريا او العراق. لا يحلّ مشكلة ايران سوى العودة الى ايران ومعالجة المشاكل الداخلية بعد الاعتراف بها. في مقدّم هذه المشاكل ان اكثرية الشعب الايراني تعيش تحت خط الفقر وان الايرانيين يتطلعون الى الانتماء الى كلّ ما هو حضاري في هذا العالم.
الهروب الى ابو موسى مسكّن يصلح لبضعة ايام لكنه لا يحلّ اي مشكلة من المشاكل الحقيقية لايران!