انتهى quot;مؤتمر اصدقاء سورياquot; في اسطنبول بخطوة الى امام تتمثل في الاعتراف بـquot;المجلس الوطني السوريquot; ممثلا شرعيا للشعب السوري وتوفير دعم عربيّ له. ظهرت المعارضة السورية في مؤتمر اسطنبول في وضع افضل مما كانت عليه في الماضي. تبيّن مرّة اخرى، بما لا يدع مجالا للشكّ، ان العنصر الاهمّ في المواجهة مع النظام السوري هو الشعب السوري نفسه الذي يواجه على الارض آلة القتل التي استخدمت طوال نصف قرن في عملية لا هدف لها سوى اذلاله وحرمانه من ابسط الحقوق الانسانية.
حصل ذلك تحت شعارات مزيّفة لم تستهدف في الواقع سوى استيلاء مجموعة معيّنة، لا تمتلك اي شرعية من ايّ نوع كان، على السلطة. جاء الاستيلاء على السلطة باسم فلسطين احيانا وتحقيق الوحدة العربية في احيان اخرى وباسم quot;المقاومةquot; وquot;الممانعةquot; في كلّ الاحيان. في الواقع، لم تكن هناك، طوال تسعة واربعين عاما، اي نصف قرن تقريبا، سوى شعارات فارغة استهدفت التغطية على الطغيان والقتل والاستيلاء على ثروات البلد وافقار السوريين لتسهيل عملية استبعادهم.
كان مؤتمر اسطنبول محطة اخرى على طريق اعادة سوريا الى السوريين. لم تكن الخطوة كافية. كيف التعويض عن هذا التقصير؟ الجواب انه ليس مطلوبا من العرب ومن المجتمع الدولي سوى تسمية الاشياء باسمائها في غياب القدرة على تقديم دعم مباشر وسخيّ للشعب السوري الصابر والصامد والذي تحوّل رمزا للمقاومة والممانعة الحقيقيتين. وهذا يعني، في طبيعة الحال، الابتعاد اوّلا عن تصريحات كالتي يطلقها الامين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي الذي يقول الشيء وضدّه في اقلّ من خمسة اسطر!
يفترض في العرب ادراك ان الثورة السورية، التي هي امّ الثورات العربية، لا يمكن الاّ ان تنتصر. الاهمّ من ذلك، ادراكهم ان انتصار الثورة السورية سيكون التطور الأبرز على الصعيد الاقليمي منذ سنوات طويلة. سيكون انتصار الثورة السورية مساهمة في استعادة بعض من التوازن الاقليمي الذي اختلّ نتيجة الزلزال العراقي الذي غير موازين القوى في المنطقة كلّها. هذا الخلل الذي تكشفه تصريحات رئيس الوزراء العراقي السيّد نوري المالكي ونصائحه.
كان المالكي قبل اشهر قليلة يطالب بتحرك دولي من اجل مواجهة النظام السوري ومحاكمة اركانه بحجة الوقوف وراء ارهاب quot;القاعدةquot; في العراق. ها هو اليوم ينادي بضرورة تفادي اي تسليح للمقاومة السورية من منطلق ان ذلك يهدد الاستقرار في المنطقة. ربّما نسي رئيس الوزراء العراقي الذي تبدّلت مواقفه، بقدرة قادر قدير، كيف سقط النظام العائلي- البعثي في العراق في العام 2003. هل كان المالكي وحزبه المذهبي المسلّح الذي تدرّب في ايران سيصلان الى السلطة لولا التدخل الاميركي، او على الاصحّ من دون الحرب الاميركية على العراق، وهي حرب كانت ايران شريكا اصيلا في كلّ مرحلة من مراحلها؟
ليس مطلوبا هذه الايام اعادة فتح النقاش في شأن هل كان يحقّ للولايات المتحدة شنّ حرب على العراق واسقاط نظام لم يترك خطأ لم يرتكبه في حقّ الدول المجاورة او في حقّ شعبه؟
النقاش الذي يمكن الخوض فيه حاليا مرتبط بسوريا. الثابت ان رئيس الوزراء العراقي الحالي، الذين يدين لايران بالكثير ولاميركا بما هو اكثر نظرا الى انها اعادته الى بلده، هو آخر من يحق له الكلام عن التدخل الخارجي في سوريا والتحذير منه. قد تكون الفائدة الوحيدة من نصائحه انكشاف مدى النفوذ الايراني في العراق، خصوصا مدى تاثيرها على المالكي نفسه...
ما تبدو سوريا في حاجة اليه الآن هو التخلص من النظام في اسرع وقت ممكن. من الافضل حصول ذلك في اقرب فرصة لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان النظام انتهى، نظرا الى انه في مواجهة مع شعبه اوّلا، وان بقاءه في السلطة يهدد مستقبل البلد بشكل جدّي.
لا يزال هناك امل في انقاذ سوريا واعادة الحياة السياسية الى البلد عن طريق مرحلة انتقالية تمتد لفترة محددة يجري خلالها الاعداد لحكم ديموقراطي في ظلّ مؤسسات الدولة ودستور عصري. ليس صحيحا ما يدعيه النظام عن ان هناك من يريد اسقاط الدولة في سوريا وانه نجح في منع ذلك. هناك شعب يريد اسقاط النظام والمحافظة على ما بقي من الدولة ومؤسساتها التي عمل النظام على تدميرها بشكل منهجي، خصوصا في السنوات الاثنين والاربعين الاخيرة.
في المقابل، يبدو تمسك النظام بالقتل والقمع والظلم والاستبداد وممارسته هذه الهوايات لفترة طويلة، الطريق الاقصر لتفتيت سوريا واثارة الغرائز المذهبية والطائفية.
بين ان يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته فيوقف آلة القتل وبين الاستماع الى نصائح نوري المالكي، التي هي كلام ايراني في نهاية المطاف، او الاستجابة للمواقف المتذبذبة لروسيا الاتحادية، تقف سوريا عند مفترق طرق. انها مسألة حياة او موت بالنسبة الى هذا البلد العربي الذي عانى شعبه طويلا من نظام لم يكن لديه همّ آخر سوى استعباده من جهة وابتزاز اللبنانيين خصوصا والعرب عموما من جهة اخرى.
ثمة بين العرب من فهم ذلك باكرا وثمة من يسعى الى تكريس وضع قائم يجعل من سوريا مستعمرة ايرانية على غرار ما هو حاصل حاليا في بعض المناطق العراقية وفي بغداد نفسها. هذا يطرح في طبيعة الحال السؤال البديهي: سوريا الى اين؟ من الصعب الاجابة عن السؤال نظرا الى ان كلّ شيء يعتمد على المدة التي ستستغرقها عملية اسقاط النظام، وهو ساقط لامحالة. كلّما سقط باكرا، كلّما زادت فرصة استعادة السوريين لسوريا. كلّما طالت الازمة، زادت مخاطر الحرب الاهلية وزاد نفوذ المتطرفين من كلّ الفئات. هل هذا ما تريده ايران التي يشاطرها الروس الرغبة في المتاجرة بسوريا والسوريين الى ما لا نهاية؟