مع تراجع الإهتمام بكل قضايا الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي في الدول العربية تعاظم الاهتمام بموضوع كان غائبا تماما عن الشارع العربي وتزايد الحديث عنه وكأنه الحل السحري لكل مشاكل الواقع المعاش وهو موضوع الخلافة الاسلامية الجديدة.

قبل وصول الاسلاميين في عدد من الدول العربية للحكم بعد الثورات على انظمة الفساد والإستبداد قادتها الشعوب وقطف ثمارها الاخوان، خرج الحديث عن الخلافة السادسة خجولا مرتبكا في البداية وتصاعد ليصبح الموضوع الأهم لديهم والذي يستحق تقديم كل التضيحات مهما صعبت للوصول إلى هذا الهدف الجليل.

قبل الخوض في تفاصيل شكل ومنظومة الحديث عن الخلافة والوعود بالحلول السحرية التي ستقدمها فور اعلانها لإمة الاسلام يجب أن نتسائل اي شكل من اشكال الخلافة يريدون تطبيقه ، فالمسمى واحد الخليفة ، لكن وليوم الناس لم يكن هناك شكل محدد أو الية محددة تعرف الناس به أو كيف يمكن أن يكون ومن أين يأتي وماذا سيفعل ، خاصة وأن الاوضاع الحالية تحمل في طياتها مشاكل دنيوية بحتة مثل العمل والبطاله الفقر وسوء توزيع الثروة على الشعب، الجهل ومشاكل التعليم الحديث، الصحة ومشاكل توفير العلاج للمواطنين، اضافة لمشاكل الحياة اليومية التي تهم الاكل والماء والكهرباء ، وهذه المشاكل مجتمعة لم يصل أي ممن سبق من الخلفاء لدراستها او التعايش معها وايجاد حلول لها فكيف الخروج من هذا المأزق.

فلو اردنا الحديث عن زمن الخلافة بعد الرسول ( صلاة الله وسلامه عليه ) لصدمنا بأن ثلاثة من أربعة خلفاء ماتوا قتلا وأن أول الخلفاء الراشدين رضوان الله عليه حكم لفترة قصيرة قضاها في تثبيت حكمه بعد التمرد عليه في عدة مناطق خضعت للإسلام زمن الرسول.

الأربعين سنة من عمر حكم الخلفاء الراشدين بتفاصيلها وخواتمها لاتشكل منهجا يمكن السير عليه سواء في الإدارة اليومية لشؤون المسلمين أو في التصرف السياسي فخاتمة كل من عمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم) كانت مأساوية وانتهت بقتلهم وضياع دمهم أي أن هذا النظام الذي أسسوه تباعا عجز عن حماية حياتهم واستمرار نهجهم في إدارة شؤون المسلمين.

الخلفاء وانظمة الحكم التي جاءت بعدهم كانت خروجا عن منهج الشرع بتحويلها لخلافة وراثية مغلفة بالشريعه وبنيت كلها على مخالفة شرعية وواضحة وحتى الحديث عما اسموه الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز شابته الكثير من الاساطير والصورة التي ينتجها العقل العربي بكثافة نادرة ويحول فيها المحكي عنه لما يقترب من صورة الملائكة ويبتعد بتصرفاته عن واقع وحقائق البشر واحلامهم وطموحاتهم تجعل الكثير مما قيل موضوع شك لان الواقع بعده لم يتغير واستمر الخلفاء في بني امية وبعدهم العباسيين ومن تلاهم حتى انهيار الدولة الاسلامية وتفتت حالها دون تغيير يذكر.

فما هي الحلول السحرية للواقع المعاش في المجتمعات العربية في حال ظهرت الخلافة السادسة والخليفة المنتظر ؟ هل هي نفس الحلول المبدعة التي قدمها الاخوان المسلمين عندما لم يجدوا صيغة لتطبيق شعارهم الاسلام هو الحل فهربوا نحو شعار اكثر توسعا وأبعد إمكانية للتطبيق وهو شعار الخلافة السادسة والحل المبدع للهروب من أزمات وفشل تطبيق شعار الاسلام هو الحل والذي لم ينتج سوى ملايين العاطلين عن العمل الجالسين في المساجد ينتظرون أن تحل مشاكلهم دولة الاسلام الموعودة والتي انتخبوا واوصلوا رموزها للحكم في الدول التي عملوا فيها طوال عشرات السنين بأن كل مشاكل المسلمين ستحل لحظة فوز الاسلاميين بالحكم.

العودة لمصطلحات التاريخ المحملة بعبق رواية الف ليلة وليلة المسيطرة بعنف على المخيال العربي الاسلامي تجعل من وهم الارتباط بعبق التاريخ الحل الامثل للهروب من مشاكل وحقائق الواقع التي لايملك الاسلام بأليات تفكير سياسيه الحاليين فرصا لتحقيق اي شيئ سوى الهروب للغيبيات والاحلام بعودة الخليفة السادس وغيرهم ينتظر عودة المهدي المنتظر والمهم ان يأتي من يحمل الحل الغيبي الذي يخرج الحالة من الظلمات الى النور وهي في حقيقتها تجسيد فعلي للفشل والتواكل وغياب قدرة العقل على مواجهة تحديات الواقع.

هل يستطع اليوم شعار الاسلام هو الحل والذي بعد ان كان صادحا في كل مواقف الاخوان أن يقدم الحلول كما قدم لها من طرح هذا الشعار.

يبدو الواقع معقدا باكثر مما اعتقد الاسلاميون سواء بسبب سطحية رؤيتهم للمراحل السابقة وتعميم فهم الابيض والاسود في قراءة الاحداث او في انعدام الية البحث عن حلول علمية للمشاكل الأنية والهروب إلى قراءات غيبية توهم الناس بالغد الافضل الذي سيأتي على يد الخليفة العادل.

جملة من الوقائع تجعل من قراءة الشعارات المطروحة تعكس فهم الاسلاميين لواقعهم واحلامهم وربما ستزداد الشعارات غوصا في الوهم مع تفاقم الازمات فنجد من ينادي بغزو ارض الكفار لكي نعيد بناء دولة الاسلام التي قامت على هذا المبدأ وانهارت لحظة توقفه وبالتالي نبدأ بتصدير حلقة جديدة من الوهم تكمل حلقات تبرير الفشل وتحميل الكفار سبب الهزائم كما ذكر احد قادتهم بأن هزيمة حرب 67 كانت بسبب الابتعاد عن الدين وان الحلول لكل مشاكلنا تنطلق من تطبيق الشريعة واعلان ان الاسلام هو الحل وصولا لانتظار اقامة الخلافة السادسة.

كلها لاتخرج عن مجرد بيع للوهم ومحاولة إلهاء الناس عن حقائق واقعهم المرير وتبرير فشل مواجهة الواقع وتحويل المجتمعات من منتظرة لرحمة غيبية تأتيها جراء التزامها بالشريعة الى مجتمعات تعمل وتفكر لبناء حياة مختلفة تواجه الواقع بالواقع ولا تهرب نحو حلم ان الجنة ارض الفقراء.