تهاجم الولايات المتحدة الأمريكية من قبل بعض القوى والشخصيات العراقية لأن مجلس النواب الأمريكي قد أقر قانون الموازنة الذي يحتوي على تقديم مساعدة مالية"مشروطة" لدعم القوات الأمنية العراقية وإلا فإن الولايات المتحدة ستظطر الى تقديم هذه "المساعدات" مباشرة الى الأكراد والعشائر السنية بإعتبارهما "بلدان"، في حين إن اللوم كل اللوم يجب أن يوجه الى السياسيين العراقيين الذين خلقوا البيئة العرقية-الطائفية لإتخاذ الولايات المتحدة هذا القرار بهذه الصيغة المريبة.

فلم يمارس اي من ساسة العراق الجدد مسؤولياته بإعتباره رجل دولة، بل مارسوا مسؤولياتهم بإعتبارهم ممثلي طوائف، فيذهب سياسيو الأحزاب التي يغلب عليها لون عرقي أوطائفي معين الى الولايات المتحدة وغيرها من البلدان لإستجداء "دعمها" ضد الأحزاب الأخرى التي يغلب عليها لون عرقي أو طائفي مختلف،ما رسخ قناعة الأخرين بعدم قدرة الجميع على أن يكونوا رجال دولة. فالذي يذهب الى "الاردن" لمناقشة "قانون الحرس الوطني" لا يختلف عن الذي يذهب الى "إيران" لمناقشة هذا القانون، والذي يذهب الى الولايات المتحدة الأمريكية لإستجداء دعمها لقيام "دولة كردية" لا يختلف عن الذي يذهب اليها ل"منع قيام دولة كردية" كلاهما لا يعبران عن رؤية عراقية وطنية لبناء البلد وترسيخ المسار الديمقراطي للعمل السياسي فيه. بل ذهب الجميع ضد الجميع.

ولم تذهب الولايات المتحدة، ولا غيرها من البلدان الداعمة لهذا الطرف أو ذاك، الى الشعب العراقي ووضع المجسات الكفيلة بإعطاءهم تصور واضح عن حقيقة "الإنقسام" المجتمعي فيه، فهل يوجد فعلا مثل هذا الإنقسام كما يصور السياسيين المنتفعين من خلقه؟ وهل ثمة مشكلة بين العراقيين على اسس عرقية أو طائفية؟ هل ثمة عداوة ومجافاة للكردي الذي يعيش في بغداد من قبل العرب الساكنين قربه؟ هل ثمة عداوة بين سائق العجلة "السني" الذي يأتي من الأنبار الى سوق "جميلة" في مدينة الثورة (الصدر) التي أغلب ساكنيها من "الشيعة"؟ من خلق هذه الفرقة العرقية-المذهبية بين العراقيين بعد 2003؟ الم يقبل هؤلاء الساسة أن يكونوا أداة تقسيم البلد حين إرتضوا لأنفسهم أن يكونوا أمراء طوائف في مجلس الحكم الذي شكله بول بريمر"لغاية في نفس يعقوب"؟ ألا يكفي دليلا على كذب السياسيين إن مواطني الأنبار يدعون الى دخول "الحشد الشعبي" لتحرير مناطقهم على الضد من إرادة بعض السياسيين الطائفيين الذين يرفضون ذلك؟

قد يدعي البعض إن هؤلاء السياسيين ممثلين لأبناء تلك المناطق وبالتالي هم يعبرون عن وجهة نظرهم وهذا إدعاء فارغ، فأغلب هؤلاء قد ترشح بطريقة عجيبة غريبة تمنع ترشح الحاصلين على أكثر من (17000) صوت مثل (جاسم الحلفي) من التحالف المدني وترشح أخرين بدلا عنه ممن لم يصل مجموع أصواتهم لهذا العدد من الاصوات (الستة الأخيرين في قائمة دولة القانون مثلا) أو(الاربعة الأخيرين) في قائمة متحدون أو(الخمسة الأخيرين) في قائمة التحالف الكردستاني مثلا. وعدا عن ذلك فقد سمحت الفرصة السانحة لاغير لبعض الاشخاص أن يتسلقوا على أكتاف العراقيين الابرياء من خلال مخاطبة عواطفهم وشحنهم تجاه الأخر الذي لم يكن يشكل-ولازال- تهديدا لوجودهم كما يصور بعض السياسيين الذي أعطوا لأنفسهم الحق حتى بمصادرة وتحديد خيارات العراقيين الذين وجدوا أنفسهم يدفعون ثمن ما جره عليهم ساستهم من ويلات الشحن العرقي-الطائفي الذي يدفع العراقيون ضريبته بالدم يوميا، ولازال بعض السياسيين سادرين في غيهم غير مكترثين لما يعطوه من إشارات خاطئة لبعض القوى والأطراف الخارجية التي تبحث عن ذرائع يوفرها لها هؤلاء للتدخل في شؤونه الداخلية.