يمضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إطلاق التهديدات ضد الكرد في سوريا. مؤخرا قال بأنه سيحارب أي "دولة كردية في سوريا"، موحيا بأن الكرد يريدون بناء دولة، وهو الافتراء الصريح، حيث لا نية لذلك، بل ثمة مقاطعات ثلاثة يتشارك فيها الكرد والعرب والسريان/الآشوريين في الإدارة والدفاع. وقبل ذلك، ساق أردوغان افتراء آخرا، عندما زعم بوجود "تطهير عرقي" كردي ضد العرب والتركمان في تل أبيض. وسار "الائتلاف" السوري، الموالي لأنقرة، في ركب هذه الدعوة التحريضية، وبدأ يمهد ل"داعش"، سياسيا، باستهداف المدنيين الكرد، ل"الرد على التطهير العرقي الكردي".

مؤخرا، أرسل "داعش" عربة مفخخة من الأراضي التركية عبر معبر "مرشد بنار" إلى مدينة كوباني، بينما توغل حوالي 100 من مقاتليه في أزقة المدينة، مرتكبين مجازرا فظيعة بحق السكان المدنيين، أسفرت، في حصيلة أولية، عن مقتل أكثر من 200 مسن وطفل وامراءة. ويمضي رجب طيب أردوغان (وحيدا، عنيدا) في حربه الشعواء ضد الكرد في سوريا. يقيم الدنيا ولا يقعدها لأن هناك 3 مقاطعات يتعايش فيها الناس دون التفرقة بين الدين والطائفة والأصل القومي. يحترق قهرا وضغينة لأن هناك الآلاف من الشباب العربي انضموا في صفوف وحدات حماية الشعب(YPG) لمقاتلة "داعش" وغيره من المجموعات الإجرامية التي يدعمها هو وحكومته. رجب طيب أردوغان يريد مناطق الكرد خرابا يجري فيها الدم للركب. هو راهن على سقوط كوباني، فلم يحصل، بل سقط هو في الانتخابات، وبات حزبه غير قادر على تشكيل الحكومة بمفرده، وتتشاور قياداته سرا للانقلاب على هذا الرجل الذي جعل من تركيا الدولة المزدهرة المستقرة مرتعا للإرهابيين المجرمين الآتين من كل حدب وصوب.

الكرد انتزعوا من أردوغان مناطقهم. فاز حزب الشعوب الديمقراطية في إقليم كردستان الشمالية. فاز الشعوب الديمقراطية ب 55 مقعدا برلمانيا في 17 ولاية كردستانية مساحتها الإجمالية 157.000 كيلومتر مربع، بينما لم يفز حزب أردوغان سوى ب 22 مقعدا. وحصل ذلك رغم حملة أردوغان والتي بدأت بشراء الذمم عبر التوظيف، وتوزيع الأموال و"الصدقات"، وبناء المطارات والمساكن الشعبية، وليس انتهاء بالتهديد والوعيد، واستخدام كل سطوة الدولة وميراث القمع لصالح الحزب الحاكم. لن يستطيع أردوغان الآن الزعم بأنه يمثل الكرد في تركيا. من يمثل الكرد في تركيا هو حزب العمال الكردستاني. هو عبد الله اوجلان.

الوضع الاقتصادي في تركي والبطالة تتفاقم. الآن يميل أردوغان إلى التحالف مع حزب الحركة القومية ذو النزعة الفاشية، وهو ما يعني الدخول في حرب جديدة مع الكرد وضرب حالة السلم الاجتماعي والاستقرار في مقتل. يعني تحويل تركيا إلى دولة مضطربة تشتعل فيها الحرب الأهلية، وهو ما لن يكون في صالح أحد. تركيا الآن مستقرة والكل يريد لها أن تبقى كذلك ولا تتحول إلى عراق وسوريا جديدة في المنطقة.

مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية تتحدث عن "التحالف الغريب" بين أردوغان و"داعش"، ويستغرب الكثيرون لماذا يصر أردوغان على احتضان عشرات الآلاف من الجهاديين وإرسالهم إلى سوريا والعراق. ثمة من يقول: هل يستحق تدمير تجربة كرد سوريا في المقاطعات كل هذه المغامرة الكبيرة؟. بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية باتت تطالب أميركا بنقل قاعدة "انجرليك" العسكرية من تركيا وطرد أنقرة من حلف "الناتو"( انظر الدراسة:

http://www.nlka.net/index.php/2014-07-10-22-08-10/269-2015-06-09-17-43-45). وثمة من في الداخل يتكتل لوضع حد لهذا الرجل الذي يسير بتركيا إلى المجهول الخطير.

ذات يوم من عام 1983 وصل مسؤول أميركي أسمه دونالد رامسفيلد إلى بغداد حاملا الأسلحة والتطمينات لصدام حسين ومشجعا إياه على المضي قدما في الحرب ضد إيران، وبعد 20 عاما بالتمام والكمال، أي في 2003 كان رامسفيلد، وزير الدفاع هذه المرة، هو من قاد قوات بلاده للإطاحة بحليف الأمس، بعد أن انتهى دوره الوظيفي، وخرج عن العباءة الأميركية و"تنمرد" على السيد الآمر الناهي. ربما لا يشكل أردوغان بسياساته الداخلية والخارجية الآن ذلك الخطير الاستراتيجي على أميركا والغرب، ولكن لا أحد يضمن ماذا سيحدث في الفترة المقبلة، وكيف ستتفاعل الملفات الجديدة التي ساهمت سياسة أردوغان الرعناء في خلقها لتركيا: آلاف الجهاديين وقواعدهم الاجتماعية، والحرب المحتملة مع الكرد الحانقين على قتله لأخوتهم في سوريا والذين تتعاظم قوتهم في عموم المنطقة يوما بعد آخر. من المؤكد بان تركيا لن تصبح بخير اذما فكر أردوغان في الزحف العسكري على مقاطعات الإدارة الذاتية في سوريا. لكن إذما تهور وغامر أردوغان، الذي يبدو انه لم يخرج بأي درس من هزيمته الأخيرة في الانتخابات، وفعل ذلك فسيكون قد سلك نفس طريق صدام حسين عندما غامر على غزو الكويت، فبدأ نجمه في الأفول وسقط سقطته المدوية من أعلى القمة، وتدحرج حتى انتهي في حفرة العنكبوت المشهورة تلك...