لا شك بأن العداء الظاهري والباطني لدى كل من الدولة التركية وحزب الاتحاد الديمقراطي تجاه بعضهما ليس بخافٍ على أحد، وعادة ما تبحث أي جهة من الجهتين المذكورتين عن مشكلة ما أو أي حادث عرضي سخيف حتى ينال كل منهما من الآخر، ويبدأ الطعن بالآخر في معظم وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، والطرفان لا ينتعشان إلا على حساب آلام ضحايا الكرد، حيث حزب الاتحاد الديمقراطي حسب الدولة التركية ارهابي، ما يجعله ميدانا جاهزا لرمي التبعات عليه، والدولة التركية بدورها تمارس إرهاب الدولة بحسب أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي، الطرفان عدوان لدودان وكل جهة منهما جاهزة لنسف الآخر وتحميله ليس فقط مسؤولية ما حدث في جنوب شرق تركيا، إنما باعتبارهما مسؤولان أيضاً عن الانتهاكات والجرائم التي تحدث في سوريا، فتركيا عدوة الاسد اليوم بعدما كانت حليفته يوم أمس ترى في الاتحاد الديمقراطي شريكاً للأسد، والاتحاد الديمقراطي يجمع الأدلة والوثائق التي تثبت بأن تركيا تدعم وتساعد أخطر منظمة إرهابية في العالم ألا وهي داعش، فكل طرف منهما يبحث في الآخر عن ذريعة للنيل منه، وكما أسلفنا فحتى ولو كان الحادث تافهاً فمباراة الاتهامات بينهما دائمة الحضور، حيث يجعل كل واحد منهما من التفاهة تلك قضية كبرى ليبرر شن الحرب على الآخر.

أما مجزرة كوباني الأخيرة التي حصلت في 25/6/2015 والتي وصلت حصيلة الضحايا فيها حتى تاريخ يوم الثلاثاء 30/6/2015/ وفق ما وثقه الإعلامي مصطفى عبدي 336 شهيداً، فظهر بأن إعلام الناس بالمجزرة والحديث عنها ليس لصالح العدوين اللدودين الذين عادة ما يستثمرون أسخف الأخبار لشن الحملات ضد بعضهما، فالعدوان التاريخيان اتفقا كل واحد من عنده الى ممارسة التعتيم على المجزرة التي راح فيها شهداء خلال يومين أكثر من كل ضحايا الحرب في كوباني منذ غزوها من قبل داعش، وكل جهة منهما حاولت تجاهل الكارثة تماماً، وإشغال الناس بأشياء أخرى لصرف النظر عنها.

فتركيا من جهتها لجأت الى استراتيجية الإلهاء التي تحدث عنها الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي، وهي من استراتيجيات التحكم بالمجتمعات "وتتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة ويتم ذلك عبر وابلٍ من متواصل من الإلهاءات السخيفة والمعلومات التافهة، ومن خلال جعل الشعب منشغلاً بمواضيع ليست ذا أهمية حتى لا يكون له أي وقت للتفكير" وهو ما سعت إليه تركيا من يوم حدوث المجزرة حيث سلط إعلامها المرئي والمسموع والمقروء الضوء على قصة التدخل التركي في سوريا ودقت طبول الحرب كالعادة إلى أن تم تغييب مجزرة كوباني عن الساحة بشكلٍ شبه مطلق، وتركيا التي كانت انسانية جداً مع الدواعش الفارين من تل أبيض وذويهم الى تركيا حيث أن إعلامها الديمقراطي لم يدخر جهداً يذكر لاتهام الكرد بأنهم هجروا العرب والتركمان الدواعش من تل أبيض، بينما انسانيتها المفرطة وديمقراطيتها العظيمة منعتها من التحدث عن مجزرة راح ضحيتها أكثر من ثلاثمئة شخص من الأطفال والنساء والرجال خلال يومين لا أكثر، ما يدل على أنها تتقصد بصرف النظر عنها لئلا يتم اتهامها أو الضلوع فيها باعتبار أن معظم مجرمي داعش يعبرون الحدود التركية الى سورية، فحدودها طوع رغبات الدواعش بينما تراها تغلق الحدود بوجه الكثير من المدنيين بحجة الدواعي الأمنية، فتركيا لا ترى في الدواعش أي خطورة عليها بينما بعض المصابين والجرحى المدنيين قد يقلقوا سلامة أمنها.

والطرف الآخر أي حزب الاتحاد الديمقراطي حاول الآخر أيضاً كعدوه اللدود التعتيم على المجزرة مع أنها وقعت بحق أبنائه وفي منطقة نفوذه، واستخدم هو الآخر استراتيجية استثارة العاطفة بدل الفكر وهي من الاستراتيجيات العشر لتشومسكي، وهي استراتيجية كلاسيكية حسب تشومسكي تستعمل لتعطيل التحليل المنطقي وتستخدم مفردات العاطفية التي تسمح بالمرور للاوعي حتى يتم زرعه بأفكار، رغبات، مخاوف، نزعات وسلوكيات، وهو بالضبط ما قامت به الأجهزة الاعلامية التابعة للاتحاد الديمقراطي خاصةً والتابعة لحزب العمال الكردستاني بوجهٍ عام.&

مع أن من عادة هذا الفصيل تأجيج أسخف القضايا ليجعل منها مادة إعلامية رئيسية تسوق المجتمع من خلاله، بينما مقتل ما يزيد عن ثلاثمئة شخص فهذا بدا غير مهماً لدى الإعلام الأوجلاني بوجه عام، وهذا إن دل على شيء فهم دليل على التهرب من تبعات مسؤولية ما حدث، وربما سببه الى ما يشير الى الاختراق الامني الفظيع بين عناصره وقادته، ومدى هشاشة المنظومة الأمنية والدفاعية لدى هذا الحزب مع جناحه المسلح، حيث استطاع وفي ليلة 25/6/2015 أن يتسلل رهط من الدواعش المدينة وذبح وقتل أكثر من ثلاثمئة شخص جلهم من المدنيين.&

كما ولغرور الانتصار لديهم ربما يكون له دورٌ في المجزرة، وفيما يخص هذا الجانب فقد ذكر الاستاذ محمد حبش كنو بأن ما حدث في كوباني كان أشبه بمعركة أُحد، حيث خسر المسلمون المعركة بسبب خطأ الصحابة من الرماة، حيث أمرهم الرسول بعدم مغادرة التلة مهما كلف الأمر حتى ولو انتصروا، وعندما هزم الأعداء توافد الرماة لجمع الغنائم من ساحة المعركة فانقض عليهم الأعداء من الخلف ونزلوا قتلا فيهم، فخسر حينها المسلمون الغزوة وكسرت أسنان الرسول، كذلك الأمر ففي كوباني فغرتهم نشوة النصر فتركوا كوباني خلفهم، وذهبوا ليجمعوا الغنائم من المناطق المحررة فانقض العدو على المدينة الخالية وقضي الأمر واستوت على رؤوس الأبرياء والمساكين، وقد علَّق كنو على جارته العجوز التي قتلها الدواعش عند الفجر قائلاً لعل الدواعش يفرحون بمقتل تلك الكافرة السبعينية وهي جارتي ومن أكثر النساء تديناً في الحارة وابنها كان يدرس بالأزهر الشريف.&

وباعتبار أن العدوين اللدودين قد حاولا تجاهل المجزرة والتعتيم عليها كلٍ منهما على طريقته، لذا بدأت الشكوك تراود سكان كوباني عن علاقة كل من تركيا والاتحاد الديمقراطي بالمجزرة التي حصلت في 25 من الشهر الماضي، وصار الشارع يطرح تساؤلاته بالذي يربط العدوين اللدودين بمجزرة كوباني، ومن جهته طرح المحامي محمود كرعو عدة أسئلة جوهرية متعلقة بالمجزرة قائلاً: اذا عرف إجابتها سوف تنكشف حقيقة المتورطين في ارتكاب مجازر الذبح بالسكاكين التي ارتكبها داعش في كوباني بتاريخ 25-6-2015، منها، لماذا أغلقت تركيا المعبر ( مرشد بينار ) الحدودي بين كوباني تركيا بتاريخ 23-6-2015، وأبعد العسكر التركي عن الحدود لداخل أراضيها ب2كم قبل هجوم داعش بيوم واحد؟ وهل كان لإغلاق البوابة أمام أهالي كوباني مؤقتاً هو كان من أجل البدء في التحضيرات لنقل عناصر داعش الى المعبر وبين الصوامع استعدادهم للدخول ولانتظار الليل للتسلل وتنفيذ المجازر، ولماذا تم إغلاق باب مشفى مشتنور ( المدرسة الثانوية ) بتاريخ 23-6-2015 قبل الكارثة بيومين، فقبل هذا التاريخ كان هناك كثير من العناصر يحرسونها، ولكن قبل الهجوم بيوم واحد كان هناك شخص مدني واحد يحرس المدرسة او المشفى، ولماذا أخرج جميع عناصر YPG من كوباني وذهبوا الى عين عيس وغير المناطق ماعدا حراس المدنيين على الحواجز بتاريخ 24-6-2015؟ ولماذا لم ينتهي الذخيرة التي كانت تستخدمها داعش في المدرسة الثانوية بعد ان استخدم آلاف الطلقات أثناء الاشتباكات خلال ثلاثة أيام؟ ومن أين اتت كل هذه الذخيرة التي تقدر على تسليح كتيبة كاملة ومتى دخلت الذخائر الى المشفى؟ ولماذا اخرجوا الأجانب الذين كانوا في المشفى بتاريخ 23-6-2015 قبل يومين من تسلل داعش الى كوباني، واخذوهم الى منزل خاص، وفي اليوم الثاني بعد تسلل داعش بتاريخ 27-6-2015 أخرجوهم الى تركيا وبعدها الى اورفا؟ ولماذا لم تصل قوات YPG الى كوباني إلا بعد 8 ساعات لإنقاذ المدنيين من الذبح؟ علماً ان الاهالي اتصلوا بالجهات المسؤولة في كوباني واخبروهم الساعة 5 صباحاً ان داعش تذبحهم ولكن الوحدات الحماية الشعب وصل في الساعة الحادىة عشرة والنصف الى كوباني! فهل تأخروا أن المسؤولين في كوباني لم يخبرهم عمداً؟ أم ان الذين تلقوا المكالمات لم يخبروا العناصر وأخروهم الى أن يتم ذبح جميع المدنيين؟ علماً ان المواقع الجبهات في شرق و غرب كوباني ﻻ تبعد اكثر من ساعة، ولماذا الحواجز كوباني لم تفتش السيارات المحملة بالعرب القادمين من الرقة وتل أبيض الذين قدموا مع النازحين كوباني، بينما كانوا يفتشون الغرباء على الحواجز ويمنعونهم من دخول كوباني قبل الحرب والمشاكل، ولماذا ﻻ توجد نقاط الحراسة على طول الحدود التركية التي تطل على مدينة كوباني، وهل يرى حزب الاتحاد الديمقراطي في تركيا شريكهم وسوف يحمي ظهرهم، أمأ ان تركيا هي العدو الأخطر للشعب الكردي كما هم قبل غيرهم يقولون.&

فيما يختم المحامي كرعو تساؤله قائلاً لماذا رأينا كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والقيادي في حزب العمال الكردستاني مراد قريلان وقد بدأوا يطلقون كلماتهم البركانية ويدقون طبول الحرب فيتحدث أردوغان عن رغبته بالدخول الى سوريا بينما قريلان يرد عليه بأنه سيقوم بإشعال النار في جميع تركيا.

&ما يشير بأن الطرفين لهم يد بالذي حصل في كوباني كلٍ على طريقته، لذا كل واحد منهم يحاول صرف أنظار الناس عن المجزرة، وإشغالهم بمواضيع اخرى الى حين أن يتم نسيانها وتصبح من الماضيات، علماً أن المجزرة المؤخرة في كوباني أكبر من المجازر التي حصلت في شنكال، كما أن عدد الشهداء فيها خلال ثلاثة أيام كانت أكثر من كل الذين قتلوا منذ غزوة داعش الى كوباني الى ساعة تقهقر التنظيم من المدينة، ولماذا الإعلام ساكت والجميع يحاول إخمادها، ألا يدل ذلك على أنه ليس من المستبعد أن يكون للعدوين اللدودين دور في المجزرة؟.&

وختاماً نقول بـأنه من المؤكد أن داعش غدت منظمة إرهابية دولية حسب معظم الدول وشعوبها، إذن فالقتل والذبح والتفجير هو فلسفتها، وذلك حتى تروع البشر وهي أينما كانت تستخدم استراتيجية الرعب للسيطرة على المناطق، والدولة التركية هي في طبيعة الحال عدوة لأي تقدم أو تحسن في الوضع الكردي وفي أي منطقة جغرافية كانت، باعتبار أنها تشعر بنفسها حيالهم كالثلج والقضية الكردية هي الشمس التي ستذيبها، وتركيا في طبيعة الحال ضد أي تطلع كردي إن كان حزب الاتحاد الديمقراطي أي أحدٍ غيره، وقد تفعل هذه الجارة جغرلفياً والعدوة أيديولوجياً كل ما بوسعها لإفشال أي تحسن في الوضع الكردي أينما كان، لذا من الممكن أن تفعل أي شيء من شأنه تقويض التجربة الكردية، أما تلك الجهة المسؤولة عن المنطقة فماذا قدمت من أدلة وبراهين لتبعد الشبهة عن نفسها فيما حصل، إذ أن في الغرب لو تسبب التسيب والاهمال بمقتل شخص واحد ممكن أن ترى الحكومة وقد قدمت استقالتها، أو يقدم الوزير استقالته بسبب خطأٍ لم يرتكبه إنما القيم الانسانية تفرض عليه ذلك الشعور الذي يدفعه للاعتذار او التنحي، أما في كوباني فمقتل أكثر من ثلاثمئة شخص خلال يومين فما الذي فعلته إدارة الكانتون المصون؟ فهل حاسبت أحداً أو أقالت مسؤولاً أو اعترفت بهشاشة جهازها الأمني؟ الجواب طبعاً حتى الآن هو لا، وما من خطوة بالاتجاه الصحيح، فلا من اعتذار يذكر، ولا من توضيحٍ يثلج القلوب، بل صمتٌ يفوح من جوانبه روائح التخاذل والتقاعس، بل وهذا الموقف المخزي يدفع الناس للتوقع وربما التخمين يقودهم صوب منطقة اليقين، بأن قوافل الشهداء عند هذا الحزبِ هم مجرد أحطاب بشرية يُفتدى بهم في أي وقتٍ كان، لا لشيءٍ سوى استواء طبخات الغدرِ والخيانة في قدور الأنظمة العفنة.

&