&كان طبيعيا ان يستغل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو حال الفراغ في افريقيا ليقوم بجولة فيها بين الثاني والسابع من الشهر الجاري. كان التركيز في الجولة التي شملت بعض دول حوض النيل مثل اوغندا واثيوبيا وكينيا وجنوب السودان على استعادة إسرائيل لدورها في هذه الدول.
ما كان ملفتا في الجولة هو اصطحاب رئيس الوزراء الإسرائيلي خمسين رجل اعمال إسرائيليا يمثلون خمسين شركة كبيرة لتاكيد ان بلاده جدّية في دخول السوق الافريقية من بوابة الدول التي زارها.
استهل رئيس الوزراء الإسرائيلي الجولة بمطار انتيبي حيث استقبله الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني. كان استقبال نتانياهو في انتيبي، وهو المطار الرئيسي في اوغندا، في ذكرى مرور أربعين عاما على العملية التي نفذتها قوات خاصة إسرائيلية انقذت ركاب طائرة "آر فرانس" اختطفتها مجموعة من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" (جناح وديع حداد) بمشاركة اثنين من منظمة "بادر ماينهوف" الألمانية. كان على الطائرة عدد كبير من الإسرائيليين الذين احتجزتهم "الجبهة الشعبية" في انتيبي بالتواطؤ مع الرئيس الاوغندي وقتذاك عيدي امين الذي ليس معروفا الدور الذي لعبه في مساعدة الإسرائيليين... او في التصدي لهم. لكن الأكيد ان القوات الإسرائيلية التي نفّذت العملية دمرت احدى عشر طائرة "ميغ" كانت جاثمة في انتيبي، وهي تشكل ربع سلاح الجو الاوغندي وقتذاك. في المقابل، قتل جندي اوغندي قائد القوة الإسرائيلية يوناتان نتانياهو الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
استطاعت القوات الخاصة الإسرائيلية التي جاءت في ثلاث طائرات نقل عسكرية (سي. 130) حطت في نيروبي للتزود بالوقود، كما توقفت فيها في طريق العودة الى إسرائيل، اطلاق الرهائن من ركاب الطائرة الفرنسية. كذلك، قتل الاسرائيليون خاطفي الطائرة وعددهم أربعة إضافة الى ثلاثة من أربعة فلسطينيين انضموا اليهم في انتيبي. يشير ذلك الى تواطؤ بعض الذين كانوا محيطين بعيدي امين مع الخاطفين... هذا اذا لم يكن عيدي امين بنفسه هو المتواطئ.
من المفيد العودة الى ما جرى في مطار انتيبي قبل أربعين عاما للتأكد من عمق التغييرات التي شهدها الشرق الاوسط من جهة ومدى تراجع القضية الفلسطينية من جهة أخرى.
المضحك في الامر انّ هناك جهات سعت الى استغلال جولة نتانياهو للشماتة بمصر والقول انّها لم تحرّك ساكنا. كان ردّ مصر بارسال وزير خارجيتها الى
اسرائيل في زيارة هي الاولى من نوعها منذ العام 2007. الواضح ان الهدف من الزيارة انقاذ ما يمكن إنقاذه فلسطينيا في وقت توجد في إسرائيل حكومة لا تؤمن سوى بالاحتلال.
في الواقع، كان تصرّف مصر اكثر من طبيعي، خصوصا انّها منهمكة في ترتيب أوضاعها الداخلية، فضلا عن ان ليس ما يشير الى ان إسرائيل، التي تربطها بها معاهدة سلام، تسعى حاليا الى عقد صفقات على حسابها مع دول حوض النيل. مصر تعمل بما يخدم مصالحها، فيما إسرائيل تسعى الى تحقيق اختراقات في افريقيا في غياب أي نوع من الديبلوماسية الفلسطينية او العربية في هذه الايّام. ليس معروفا هل يمكن لوم السلطة الوطنية الفلسطينية في هذا المجال ام لا. الامر الثابت ان الايّام التي كان فيها ياسر عرفات يسرح ويمرح في افريقيا ويقيم تحالفات مع دول مهمّة في القارة السمراء، ولّت الى غير رجعة. لماذا لا تتولّى ايران مهمّة ملء الفراغ الفلسطيني والعربي في أفريقيا ما دامت اخذت على عاتقها المتاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين وقرّرت إحياء "يوم القدس". هل بالكلام وحده والتظاهرات والعراضات في بيروت وبغداد وطهران واثارة الغرائز المذهبية، في هذا البلد الافريقي او ذاك، تعود القدس الى الفلسطينيين؟
لن تنطلي على مصر مزايدات المزايدين من الذين يريدون احراجها بسبب العلاقة الحميمة القائمة بين إسرائيل واوغندا واثيوبيا وكينيا وجنوب السودان الذي اصبح دولة مستقلة عاصمتها جوبا.
كلّ ما يمكن قوله هذه الايّام ان ثمّة حاجة الى التعاطي مع وقائع جديدة في المنطقة بعيدا عن الشعارات والاوهام. لا يمكن مواجهة إسرائيل في افريقيا على الرغم من كلّ الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني وعلى الرغم من انّها تمارس إرهاب الدولة.
هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها. تتمثّل هذه الحقيقة في انّ افريقيا نسيت القضية الفلسطينية ونسيت فلسطين. دولة مثل اثيوبيا في حرب مستمرّة مع اريتريا التي كانت في الماضي جزءا منها... ودولة مثل كينيا مهتمة قبل كلّ شيء بامنها الوطني في ظل الهجمات الإرهابية التي تتتعرّض لها بين حين وآخر. اما مصر، فهي في مرحلة عليها ان تتساءل فيها ما انعكاسات التقارب التركي ـ الإسرائيلي على الوضع في قطاع غزّة. هل يمكن ان تتخلى "حماس" عن نهجها القائم على توفير حاضنة للارهاب والإرهابيين الذين يتحرّكون في سيناء وهدفهم الامن المصري من منطلق الانتماء الحمساوي لحركة الاخوان المسلمين؟
تغيّرت المنطقة وتغيّرت هموم أهلها. يخطئ كلّ من يفكر وفق نهج قديم من نوع ان وزير الخارجية المصري جاء الى إسرائيل للتعبير عن استياء مصر من
الجولة الافريقية لنتانياهو. من يفكّر بهذه الطريقة، انّما يعيش خارج التاريخ وخارج الجغرافيا لا اكثر.
التعليقات