رغم استمرار الجهود المصرية والقطرية من أجل التوصل إلى اختراق ينهي حرب غزة ومعها الكارثة الإنسانية التي تجاوزت نكبة 1948، يبدو الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية بمجملها أضعف من ذي قبل، إلى درجة أنه لا يتخطى "رفع العتب"، بالرغم من أنَّ كل ما حدث ويحدث، وما قيل ويقال، وكل ما يرتب في الخفاء، إنما يؤكد أننا أمام مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومصير المنطقة برمتها، وهو ما يستوجب من العرب أن يكونوا طرفاً مؤثراً في هذه المرحلة المفصلية.

إقرأ أيضاً: العراق: أميركا تزرع وإيران تحصد!

لقد فقد العرب القدرة على التأثير في الملف الفلسطيني، نظراً لطبيعة الانقسام الفلسطيني الذي أحدث شرخاً في الموقف المشترك، وتعد حرب غزة خير شاهد على انهيار منظومة العمل العربي المشترك. وما يحز في نفس الفلسطيني أن المواقف التي صيغت في جوهانسبورغ ومدريد وكاراكاس كانت أقوى من مواقف دولة عربية واسلامية تجاه العدوان. وبينما اكتفت دول عربية وإسلامية يجمعها البعد القومي والديني بتنظيم تظاهرات "رفع عتب" وبتقديم مساعدات محدودة وبمناشدة إسرائيل وقف حربها المجنونة، أعدت دول أخرى أبعد جغرافياً وقومياً العدة لإزعاج إسرائيل سياسياً وقانونياً. وإذا صح أن تلك الجهود لم توقف الحرب، إلا أنها نجحت في تعويض الثقل العربي الذي غابت فاعليته عن المشهد الفلسطيني قبل حرب 2023 بكثير.

لقد دفعت المنطقة العربية ثمن ضعف وتشتت الموقف الرسمي للأنظمة، ليس فقط في فلسطين وإنما في ليبيا والعراق واليمن وسوريا ولبنان والسودان، وأصبح مستقبل المنطقة مرهوناً بحسابات أميركية وإسرائيلية وإيرانية، وهكذا وجد العرب أنفسهم خارج المعادلات الكبرى أو بالأحرى طرفاً غير قادر على صد المخططات التي تحاك ضدهم. ولا غرابة في أن يخطب وزير إسرائيلي متطرف في باريس وأمامه منصة تضم خريطة متداخلة بين فلسطين والأردن، وأن يمر ذلك مرور الكرام، أو أن يناقش مستقبل ليبيا في باريس وبرلين، وأن تلتهم تركيا جزءاً من أراضي سوريا وأن يعيش اليمن انتداباً إيرانياً، ولا غرابة أن يكون العرب آخر المعنيين بمستقبل غزة بعد الحرب.

دخلت حكومة السلطة الفلسطينية عام 2024 بإعلانها حالة الطوارئ، لما خلفه الحصار الإسرائيلي من تداعيات على مقدراتها، والتي تنوء أصلاً تحت ثقل رواتب المستخدمين الإداريين بالنظر إلى شح الموارد وتقلص الدعم العربي لميزانية فلسطين بنسبة تجاوزت الثمانين بالمئة. سيترتب عن هذا الوضع وجود السلطة في موقف ضعف وخضوع أمام ترتيبات مستقبل غزة ما بعد الحرب، فمشاكلها الاقتصادية لا تخولها الإدارة ولا الإشراف على قطاع غزة دون إملاءات وضغوط خارجية، بمعنى أنَّ هذا الدعم المالي سيكون مشروطاً ويخدم الإسرائيليين قبل الفلسطينيين. هذا الوضع التي تعيشه السلطة يقدم دليلاً على البون الشاسع الذي يفصل العرب عن الواقع الفلسطيني المرير.

إقرأ أيضاً: الديمقراطية الطائفية = دكتاتورية بثياب ملونة

البعد القومي للقضية الفلسطينية أمام منعرج خطير، والعرب اليوم أمام آخر اختبار لمدى صدق مواقفهم تجاه قضية تبنوها منذ أزيد من سبعة عقود، وحرب غزة 2023 لن تنتهي بمجرد صفقة تبادل أو هدنة طويلة الأمد على شاكلة ما أنتجته الحروب السابقة؛ إنها حرب تفتح الباب لاحتمالين، إما رحيل حكومة التطرف الإسرائيلية وإعادة بعث مشروع حل الدولتين، أو الفصل النهائي للضفة عن قطاع غزة وإنهاء حلم الدولة الفلسطينية وتعويضه بوصف "الكانتون" الذي يعيش تحت ظل دولة إسرائيل.